جريدة البديل السياسي |الجماعات الترابية

عندما يأتي الرئيس لزيارة الشاطئ في آخر أيام العطلة… هنا تبدأ الحكاية، وهنا تنتهي أيضًا

191931-كاريكاتير

 جريدة البديل السياسي -بقلم : محمد الحدوشي.

عندما يأتي الرئيس لزيارة الشاطئ في آخر أيام العطلة… هنا تبدأ الكوميديا السوداء. فبعد صيفٍ طويلٍ من الفوضى، وبعد أن غرق الغرقى، ومات الموتى، وتكسرت السيارات في الحفر، وتحوّلت الشواطئ إلى مرائب عشوائية بلا رقيب ولا تنظيم، يتفضل الرئيس علينا بزيارةٍ تاريخية، مبتسمًا، متفقدًا الرمال، كما لو أنه جاء ليُعيد البحر إلى نصابه. لكن الحقيقة أن البحر ابتلع ضحاياه في غياب تام للسباحين المنقذين، والطريق قتلت عابريها بسبب انعدام التشوير، والدراجات المائية طاردت المصطافين حتى الموت.

ومع ذلك، يأتي الرئيس متأخرًا، بخطى واثقة، وكأنه سيكتب للتاريخ صفحة جديدة “الرئيس يتفقد الشاطئ ”… جملة تليق بالبلاغات الرسمية، لكنها لا تليق بالواقع الذي يعرفه الجميع.

المصيبة أن الزيارة لا تتم إلا بعد أن ينتهي الصيف، ويغادر المصطافون، وتبقى فقط القنينات البلاستيكية متناثرة على الرمال، وبعض الكلاب الضالة تتجول حيث كان الأطفال يسبحون قبل أسابيع. الرئيس يعرف جيدًا أن البحر لا يتكلم، والرمال لا تحتج، والقمامة لا تصوّت. لذلك يختار هذا التوقيت الذهبي آخر الموسم، حين يرحل الجميع، ليظهر هو وحده في الصور,ويكون المشهد أكثر اتقانا . طوال الصيف، لم يكن هناك من يسهر على أمن المصطافين.

لا من ينظم حركة السيارات، ولا من يمنعها من الدخول إلى الشاطئ. ولا من يوقف الموتوروات البحرية التي تزرع الرعب بين السابحين. لكن لا بأس، فالرئيس لم يكن موجودًا. الآن فقط، بعد أن انتهى كل شيء، وبعد أن كُتبت تقارير الغرق وحوادث السير في الصحف، قرر أن يطل علينا.

وطبعًا، لا ينسى أن يقول لمرافقيه الجملة المحفوظة “خاصنا نزيدو نخدمو أكثر”… لكن متى؟ ليس في الصيف الماضي. وليس في الصيف هذا. ربما في صيفٍ قادم، إذا لم يبتلع البحر المزيد من الناس. الزيارة إذن ليست سوى صورة موسمية للاستهلاك.

صورة بملامح مبتسمة، ورسالة ضمنية مفادها أن “الرئيس كان هنا”. أما المآسي، فليست سوى تفاصيل صغيرة في ذاكرة السكان.

الرئيس لا يُحاسب على عدد الغرقى.

ولا على الأرواح التي أزهقتها الطريق. ولا على الفوضى التي عاشها الناس. يُحاسب فقط على الصورة هل ابتسم جيدًا؟ هل بدا أنيقًا؟ هل ظهر البحر خلفه صافيًا؟

 

 

 

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي