جريدة البديل السياسي |قضايا المجتمع

عمال النظافة بالسعيدية يحتجون ضد تأخر صرف الأجور

téléchargement (22)

جريدة البديل السياسي – نزيهة مشيش

تشهد مدينة السعيدية اقليم بركان منذ أيام وضعاً استثنائياً على خلفية دخول عمال شركة أوزون للنظافة في إضراب مفتوح عن العمل. هذا الإضراب الذي أربك إيقاع الحياة اليومية للساكنة وأعاد مشهد الأزبال المتراكمة إلى الواجهة، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات لسنوات من المعاناة والإكراهات التي ظلت تؤرق هذه الفئة الاجتماعية. وبين مطالب العمال المشروعة، وموقف الشركة المسيرة، وصمت السلطات المحلية، يطرح السؤال الكبير: من المسؤول عن هذا الوضع؟

عمال النظافة بالسعيدية ، الذين يطلق عليهم سكان المدينة “الجيش الصامت”، يشتغلون في ظروف قاسية جداً. فمع ساعات العمل الطويلة التي تبدأ فجراً وتمتد إلى ما بعد الزوال أحياناً، يفتقر أغلبهم لأبسط وسائل الوقاية الفردية، كالقفازات والكمامات والأحذية الخاصة، مما يجعلهم عرضة للأمراض الجلدية والتنفسية والإصابات المتكررة.

كما أن الأجور الهزيلة والتأخر في صرفها تبقى من أبرز المشاكل التي فجرت الوضع.

العمال يشتكون من أن رواتبهم لا تكفي لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، خصوصاً في ظل الغلاء المتزايد للمعيشة، فضلاً عن غياب تعويضات حقيقية عن المخاطر.

من جهة أخرى، يشير ممثلو النقابات إلى ضعف التجهيزات والآليات التي توفرها الشركة، حيث يضطر العمال إلى الاشتغال بوسائل مهترئة، مما يزيد الضغط البدني عليهم.

كما أن قلة الموارد البشرية تجعل كل عامل يتحمل أعباء إضافية، في وقت كان يفترض أن تُوزع المهام بشكل متوازن.

شركة أوزون في قلب الجد

شركة أوزون، فسخت العقد مع الجماعة الترابية لجماعة السعيدية  التي كانت تدبر قطاع النظافة في المدينة بموجب عقد للتدبير المفوض، تجد نفسها اليوم في قلب العاصفة. النقابات والعمال يتهمونها بعدم احترام دفتر التحملات، سواء من حيث تحسين ظروف العمل أو تجديد الأسطول أو توفير المعدات الأساسية.

ورغم أن الشركة تصدر من حين لآخر بيانات تؤكد فيها “التزامها تجاه المستخدمين والساكنة” وحرصها على “استمرارية الخدمة”، إلا أن الواقع الميداني يفضح عكس ذلك.

فالمواطن البسيط لا يهمه البلاغات بقدر ما تهمه النظافة في الشوارع وكرامة العمال الذين يؤدون خدمة عمومية أساسية.

تداعيات الإضراب على المدينة والساكنة

الإضراب ترك بصماته واضحة على الحياة اليومية للساكنة. أكوام النفايات بدأت تتكدس في الأزقة والأحياء، مسببة روائح كريهة ومخاوف من انتشار الحشرات والأمراض .

الساكنة وجدت نفسها في موقف متناقض: فهي من جهة متضامنة مع حقوق العمال ومتفهمة لمطالبهم، ومن جهة أخرى متضررة بشكل مباشر من توقف خدمة النظافة، باعتبارها مرفقاً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه.

تعاطي الصحافة الوطنية “جريدة البديل السياسي”  مع هذا الملف كشف عن صورة متباينة. بعض المنابر المستقلة أولت اهتماماً كبيراً للإضراب، حيث غطّت الوقفات الاحتجاجية، واستقت تصريحات العمال، ونقلت بالصوت والصورة مظاهر تراكم الأزبال في الشوارع، محاولة الضغط على الشركة والسلطات لإيجاد حل سريع.

ويطرح هذا الوضع سؤالاً محورياً: هل تقوم الصحافة الوطنية  بدورها كاملاً في الدفاع عن قضايا الساكنة وحقوق الشغيلة، أم أنها ما تزال رهينة لحسابات سياسية واقتصادية؟

السلطات المحلية أمام امتحان المسؤولية

في خضم هذا التجاذب، تبقى السلطات المحلية والجماعة الترابية أمام مسؤولية ثقيلة. فالتدبير المفوض ليس مجرد عقد تجاري مع شركة خاصة، بل هو التزام يقتضي المراقبة الصارمة وحماية حقوق جميع الأطراف: العمال أولاً، والساكنة ثانياً.

الصمت أو التردد في التدخل لا يؤدي إلا إلى تأزيم الوضع أكثر، خصوصاً وأن النظافة تعتبر خدمة عمومية أساسية تمس بشكل مباشر حياة المواطنين اليومية وصحة البيئة الحضرية.

إضراب عمال النظافة بالسعيدية  ليس حدثاً عابراً، بل هو عنوان لأزمة بنيوية أعمق يعيشها قطاع التدبير المفوض بالمغرب. فالعديد من المدن شهدت احتجاجات مماثلة، ما يكشف عن خلل في النموذج القائم، حيث تسعى الشركات الخاصة لتحقيق الأرباح أحياناً على حساب حقوق الشغيلة وجودة الخدمات.

المطلوب اليوم ليس فقط حلّاً مؤقتاً لإضراب السعيدية ، بل مراجعة شاملة لآليات التدبير المفوض، وتفعيل رقابة جماعية ومؤسساتية حقيقية، تضمن التوازن بين مصالح المستثمر، وكرامة العامل، وحق المواطن في خدمة عمومية ذات جودة.

إضراب عمال النظافة بالسعيدية هو صرخة احتجاجية ضد واقع غير عادل، ورسالة قوية إلى الجهات المسؤولة بأن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار لهذه الفئة التي تشتغل في صمت من أجل أن تظل شوارع المدينة نظيفة. وبين التجاهل الرسمي والتغطية الإعلامية المتفاوتة، يظل السؤال مطروحاً: متى سيتحول العامل البسيط من مجرد رقم في معادلة التدبير المفوض، إلى عنصر أساسي يُعترف بجهوده ويُصان حقه في العيش الكريم؟

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي