طرائف و أسرار حياة المرحوم الحسن الثاني الرمضانية
جريدة البديل السياسي :
لم يسلم مشوار ملوك المغرب من الطرائف وبعض الأحداث التي قد تبدو غير عادية للمواطن العادي، باعتبار أن السياسة عموما لا تنبني على العواطف أو المنطق دائما، وإنما تنبني على المصالح أحيانا والتوازنات وعوامل تفرضها الظرفية أحيانا أخرى. وخلافا لمظاهر تقديس الملك، كشخصية عمومية، كانت حياة الملك/ الإنسان اليومية مع المقربين منه والمحيطين به وحاشيته لا تخلو من بعض الطرائف، لاسيما في اللقاءات الخاصة. وبعيدا عن صورة الملك الماسك بزمام الأمور بيد من حديد على امتداد 38 سنة، كانت حياة الملك الراحل الحسن الثاني تتخللها نوادر وطرائف، منها ما تزامن حدوثها مع شهر الصيام.
على سبيل البدء
كان الملك الراحل الحسن الثاني حريصا بشدة على احترام أدق تفاصيل مظاهر البروتوكول المخزني وعادات البلاط، إذ كان لا يفرط فيها، ولو قيد أنملة، حتى خلال اللقاءات الخاصة والمغلقة.
في عهده ظلت خبايا القصر تحيط بسرية من نوع خاص، علما أن الحياة بالبلاط بقيت تخضع لطقوس خاصة وأحيانا كثيرة لمزاج الملك، ونظرا لأن المغاربة ظلوا شغوفين بالإطلاع على كل ما يهم الملك والعائلة الملكية والحياة وراء أسوار القصور العالية، فإن التطرق إليها اعتبره الكثيرون، ليس تجاوزا لخط من الخطوط الحمراء غير المرئية، وإنما استجابة لتطلعات أغلب المغاربة في معرفة “الشادة والفادة” على ملوكهم وأمرائهم وأميراتهم.لكن ما زالت الأسطورة والإشاعة تطبع عدة جوانب من حياة الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان ملكا منفتحا متشبعا بالثقافة الغربية في آخر صيحاتها وبالحداثة، لكنه ظل متشبثا بأعرق التقاليد ومُصِراً على إعادة إحياء بعضها بقوة وحماس كبيرين، تقاليد عتيقة، أكل عليها الدهر وشرب في عيون الكثيرين بالنظر لمغرب الحداثة المزمع تكريسه. فالناس تحب أن تعرف الكثير عن حياة المشاهير، فكيف بحياة الملوك وأهل البلاط، ومازالت المواضيع المرتبطة بالملك الراحل الحسن الثاني تستأثر باهتمام الرأي العام باعتباره الملك العلوي الذي حكم المغرب أطول فترة بعد المولى إسماعيل.
وهذا الملف محاولة تذكرة وتذكير ببعض اللحظات والأحداث الرمضانية في حياة الراحل الحسن الثاني، منظور إليها بعيون الصحفي الذي يعد مؤرخ اللحظات. فطقوس حياة البلاط تتنوع حسب المواسيم والفصول على امتداد السنة، إذ للمناسبات الدينية طقوسها وقواعدها وعاداتها الملكية وأجواؤها التي تصاحبها وتؤطرها. وحلول رمضان في عهد الراحل الحسن الثاني كان يغير من وتيرة الحياة بالقصر الملكي، لكن لم يكن يؤثر على مأكل ولباس وعادات الملك حسب جملة من الأشخاص مطلعين على ما أخفته أسوار البلاط العالية، علما أن الحياة بالقصر الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ظلت رهينة بالفكرة والاعتقاد اللذان يضعان الملك في مرتبة المنزه وغير القابل للنقد، واللذان يطالبان الغير بالطاعة والخضوع الدائمين.
كانت لديه فرق امتناع ومؤانسة وقراءة كتب وطرب وتمثيل
الحسن الثاني كائن الليل وحكاياته
القليلون من المغاربة يعرفون أنه خلف المظهر المتجهم للحسن الثاني، كما كان يبدو على شاشة تلفزة دار لبريهي، كان ثمة شخص كثير الانبساط في مجالسه الخاصة.. فهو – كأغلب الحكام ذوي السلطات المطلقة – كان يفضل أن ينام الجزء الأكبر من النهار، ليظل مستيقظا ثلثي الليل.. وحينما سئل مرة عن السر في ذلك أجاب: “أفضل أن أنام حين يستيقظ شعبي واستفيق حين ينام” ترى ما الذي كان يقصده بهذا الجواب؟.. ثمة بالتأكيد من يعرف الجواب على هذا السؤال لكنه، “لا يريد، أو بالأحرى لا يستطيع الجهر به”.و هناك بالمقابل من يؤكدون بـ “سرور” أنه كانت للحسن الثاني مجالسة الخاصة التي تتوزع على شتى المجالات: مثل نميمة الأزقة والدروب في الأحياء الشعبية، وقراءات ومناقشات لأحدث الكتب بشتى اللغات ومشاهدة “بروفات” التمثيليات الإذاعية والتلفزية قبل بتها على المغاربة و… وبين هذا وذاك الاستماع إلى نكات “جريئة” من وزير دولته الدائم بلا حقيبة مولاي أحمد العلوي”. وليس من شك أن مثل هذه المجالس كانت تعرف نكهة خاصة خلال شهور رمضان حيث يطيب السهر والسمر، ولهاتين الكلمتين معنيين خاصين جدا حينما يتعلق الأمر ببلاط ملك حكم المغرب بقوة لمدة ثمانية وثلاثين عاما.
لم يعد سرا على الكثيرين أن الملك الحسن الثاني كان كائنا ليليا بامتياز، ويوصف بهذا النعت الأخير كل امرئ يجعل ليله نهاره والعكس صحيح، ولا مبالغة في ذلك، حيث أن كل الذين ساقهم حسن حظهم أو سوئه، حسب سياق الأشياء، من المغاربة والأجانب، لملاقاة الحسن الثاني، أجمعوا أنهم تُركوا ينتظرون لساعات طوال، كانت تصل في بعض الأحيان لنصف يوم بكامله، وأشهر هؤلاء الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل، الذي كتب بعد سنوات طويلة من لقائه بالحسن الثاني في قصر فاس، أنه تُرك ينتظر لساعات طويلة، تأمل خلالها قطع الأثاث الفخم وثريات النور الضخمة، وشبعت خياشيمه من روائح البخور السائرة في أبهاء القصر قبل أن يُطل عليه الحسن الثاني. نعم لقد كان ذلك جزءا من البروتوكول الملكي، على طريقة الحسن الثاني، حيث كان مطلوبا أن يشعر المُسْتَقْبَلُون – بالمبني للمجهول – أنهم إزاء حدث جلل، لكن كانت هناك أيضا تلك الحقيقة البرنامجية ليوم الملك، والذي كان يبدأ عادة بعد الظهيرة، حينما تكون الشمس قد تعبت من إشراقها على الأرض، عندها فحسب، كان يبدأ الحسن الثاني في تطبيق تفاصيل برنامجه اليومي، بمنح مواعيد العمل على بساط ملعب الغولف بدار السلام، حيث كان أعضاء الحكومة يأتونه فرادى، متأبطين ملفاتهم، ليعرضوا عليه آخر المستجدات، التي تتطلب أن يكون الملك على علم بها، ففي ذلك ” المكتب ” المعشوشب المديد اتُّخذت الكثير من القرارات التي تهم البرامج الملكية، التي سهر على تنفيذها الوزراء الأولون المتعاقبون، وأهمها بطبيعة الحال – أي القرارات – تلك التي اتخذها بمعية وزيرة القوي في الداخلية إدريس البصري. غير أنه حينما ننعت إنسانا ما، بأنه كائن ليلي، فمعني ذلك أن المعني يقضي ليله في سمر يزجي به صمت الكون، حينما تكون الخليقة مخلدة للنوم، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بملك، وليس أي ملك، إنه الحسن الثاني، الذي استطاع أن يظل حاكما مطلقا على المغرب، لمدة لا تقل عن ثمانية وثلاثين سنة، كانت له خلالها تصوراته عما ” يجب أن يكون عليه المغرب ” وكان مما رآه أن المغاربة ” يرتاحون في ظل النظام الشديد التمركز ” أي ” ضرورة وجود ملك يسود ويحكم ” وقد فعل الحسن الثاني كل شيء ليكون على صواب.
إن من الصفات التي تلازم الحاكم المُطلق على طريقة العصور الوسطى في الشرق العربي، ودول الخلافة الإسلامية، منذ الأمويين حتى خلفاء الأستانة الأتراك، أن يكون الحاكم بأمره ذو مجالس للعلماء ووجهاء القوم والشعراء والفنانين والحكواتيين والمضحكين إلخ، ولم يشذ الحسن الثاني عن هذه القاعدة، حيث كان يحرص أن تكون له ” مجالسه الخاصة ” وبطبيعة الحال فإن هذه الأخيرة لم تكن بذلك الصيت الذي كان للمجالس القديمة للخلفاء، ذلك لأن العصر غير العصر، وقد كان جَعْلُهَا – أي مجالس الحسن الثاني – مشهورة، كفيلا بإثارة فضول صحافة البلدان الغربية، ومن تم انتزاع خصوصياتها ” القروسطية ” – مصطلح يجمع كلمتي القرون الوسطى – وهو ما لم يكن الحسن الثاني يحبذه بل يفضل بقاءها حبيسة أمكنتها الحميمية، على غرار السواتر الداكنة التي كان يلفها حول جوانب كثيرة من حياته الخاصة، ومنها مثلا أن جناح الحريم في قصره كان ” يخزن ” عشرات المئات من النساء، وهو الشيء الذي لم يكن معروفا بشكل كاف، اللهم بِضع نُتف من الشائعات تُلاك هنا وهناك وبأصوات خفيضة. نفس الشيء يُمكن سحبه – كما سبقت الإشارة على مجالس الحسن الثاني، حيث كان الأمر يتعلق بمناسبات يومية خاصة جدا، تقتصر على نُخبة النخبة من مساعدي الحسن الثاني في حُكم المغرب.
والآن، وبعد وفاته، بدأت تنطلق الألسن من عقالها، حيث تحدث الكثيرون عن بعض الأوجه الخفية لحياة الحسن الثاني، ومنها مجالسه الخاصة، حيث حكى على سبيل المثال لا الحصر، بعض من مَن كانوا مقربين منه، كيف كان يجعل مجالسه الخاصة جديرة بإحدى حكايات رواية ألف ليلة وليلة، ومنهم مثلا الفقيه ” بين بين ” مُضحكه الخاص الذي كان يحقنه مستملحات في كبد الليل، قال الشيخ الذي بلغ من الكبر عتيا الآن، للصحافيين الذين سألوه عن بعض أوجه الأنس الليلي الذي كان يُفضله الحسن الثاني، أن هذا الأخير كان يحرص على الاستماع لعيون الشعر العربي، والمستملحات الاجتماعية العربية قديما وحديثا. بيد أن أحد ملامح حياة الليل في حياة الحسن الثاني، وأكثرها أهمية، ظل في حكم المجهول اللهم لدى بعض المطلعين على تفاصيل حياة القصور أيام الحسن الثاني، ومنهم احد مصادرنا، الذي حكى كيف أنه كانت للحسن الثاني عشرة فرق، مهيكلة على أفضل وجه، وكأنها مصالح أو لِجَنٌ إدارية عالية المستوى، ويتمثل تخصصها في جمع المعطيات الثاوية، في تفاصيل الحياة و بطون الكتب، ومنها – حسب مصدرنا – فرقة الملحون مثلا التي كان يرأسها الفنان المعروف محمد الهاروشي، التي كانت، كما يتضح ذلك من اسمها تضطلع بجمع وأداء عيون أشعار هذا الفن المغربي العريق ونعني به الملحون. كما كانت هناك أيضا لجنة الطرب التي كان يرأسها الفنان أحمد البيضاوي، الذي كان يُلقي في مجالس الحسن الثاني، المخصصة لهذا الشق من المسامرات الليلية، شبه محاضرات في موضوع الطرب العربي، وتجدر الإشارة هنا – كما أفادنا مصدرنا – إن الحسن الثاني كان يُلقب الفنان البيضاوي بزرياب الأبيض ذلك لأن زرياب الحقيقي كان أسود البشرة.
كما كانت هناك بعض اللجن المكلفة بالبحث في بطون الكتب الحديثة الصدور باللغات العربية والفرنسية والألمانية والاسبانية والانجليزية، والقيام بتلخيصها قبل عرضها ومناقشتها في مجالس الحسن الثاني، وهو ما كان يجعل مجالس مناقشة الكتب، مناسبة حقيقية لمطارحة الفكر والأدب وشتى مجالات المعرفة. كان المشرف على هذه اللجنة أحمد العلوي، الوزير بدون حقيبة، في أكثر من حكومة على عهد الحسن الثاني، وصاحب اللسان الساخر، والقليلون كانوا يعرفون مدى حس الفكاهة الذي كان يتمتع به إلى جانب قسوته ووقاحته الأسطوريتين، يحكي عنه أحد العارفين ببلاط الحسن الثاني، أن العلوي حينما كان يُلاحظ على مولاه كدرا، كان يستأذن وكأنه سينقل له خبرا هاما جدا، غير أنه سرعان ما كان الحسن الثاني ينفجر ضحكا حين سماعه ل ” الخبر ” الذي نقله له أحمد العلوي، يقول مصدرنا الذي كان مقربا من بلاط الحسن الثاني، أنه سأل ذات مرة أحمد العلوي، عن فحوى ما قاله للملك حتى تبذل حاله من الكدر الشديد إلى الضحك المقهقه؟ فكان أن أجابه: ” قلتُ له البقية في حياتك يا مولاي لقد مات أمين أسرار المثليين في فاس”.و كان من بين أعضاء لجنة قراءة الكتب العربية والأجنبية، الدكتور عبد الهادي مسواك، الذي قضى ردحا طويلا من حياته شيوعيا مقتنعا، في حزب التقدم والاشتراكية، قبل أن يترك جماعة علي يعتة، مستقيلا، وقيل أنه تحول إلى ” مؤمن ورع ” بالقدر خيره وشره، في أواخر حياته، كان الدكتور مسواك يلخص كتب الفكر والسياسة، فيما كان الدكتور عبد الهادي بوطالب يقوم بتلخيص كتب التاريخ والسير والدين. وميزة هذه اللجنة حسب مصدرنا السابق ذكره، أنها كانت تجمع خيرة النخبة المغربية في شتى فروع العلم والمعرفة، وبالعديد من اللغات. و كانت هناك أيضا لجنة التمثيل التي كان يرأسها الطيب الصديقي، ومن أعضائها احمد الطيب لعلج ومحمد حسن الجندي.. ومهمتها كانت هي أداء التمثيليات في حضرة الحسن الثاني قبل تقديمها للجمهور المغربي، في الإذاعة والتلفزة. كما كانت هناك أيضا لجن الأصوات التي كان يترأسها المغني المعروف فتح الله لمغاري، ومن أعضائها عبد الوهاب الدكالي، ويؤكد مصدرنا ان الحسن الثاني لم يكن يتورع عن العزف على العديد من الآلات الموسيقية، خلال أداء الأغنيات في مجالسه الليلية الخاصة. و كانت هناك أيضا لجنة الاستماع المتخصصة في جمع “نبض المجتمع” وكما يفيد اسمها فقد كان أعضاؤها نوع من “الجواسيس” مهمتهم جمع آخر القفشات والتعليقات التي ينتجها الشعب في أعمق قيعانه، وذلك حتى تزدان بها مجالس الملك، باعتبارها مستملحات شعبية مثيرة لشهية الضحك، وليس من شك أن مثل هذه الجلسات كانت تتخذ نكهة خاصة في شهر رمضان، حيث يكون مطلوبا بإلحاح تزويد مجالس الحسن الثاني الليلي بالجديد المضحك من الأخبار والتعليقات الشعبية. ولو تحدث أولئك الذين كانوا يتوزعون على اللجن العشرة التي أحدثها الحسن الثاني لخدمة مجالس أنسه، لتوفرت للصحافيين والمؤرخين مواد دسمة لفهم أبعاد من الشخصية المركبة للحسن الثاني.
المؤذن المغني رغما عنه
إشاعة راجت كثيرا في إحدى شهور رمضان إبان عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
ففي إحدى الليالي الرمضانية لعب المعجون برأس جندي كان في إجازة قصيرة بالعاصمة، وكان مارا بالصدفة بمحاذاة إحدى المساجد الكبرى بالرباط، فسمع المؤذن وهو يشرع في “التهليل” قبل حلول موعد آذان الفجر، فولج المسجد واتجه صوب المدخل المؤدي إلى الصومعة، فوجده غير مقفل فصعد. وقتها كان المؤذن “يهلل” من أعلى الصومعة، حيث لم يكن قد تم الشروع في استعمال المكرو ومكبر الصوت الذي يغني عن الصعود إلى أعلى المئذنة والاكتفاء بالآذان من أسفل الصومعة أو من جانب المنبر المخصص للإمام. فوجئ المؤذن بوجود الجندي المسطول وراءه في أعلى الصومعة، حيث هدده بسلاح أبيض وفرض عليه ترديد مقطع من أغنية شعبية مشهورة ذائعة الصيت وسط المغاربة، عوض الاستمرار في “التهليل” إلى حين حلول موعد آذان الفجر.
بلغ الأمر إلى علم الملك الراحل الحسن الثاني، فأمر وزيره في الأوقاف باتخاذ الإجراءات الضرورية حتى لا يتكرر مثل هذا الفعل، لاسيما إقفال باب الصومعة قبل الصعود للتهليل أو أداء الآذان. ومنذ ذلك الحين تم تجهيز كبريات المساجد بجهاز صوتي مكبر يعفي المؤذنين من الصعود إلى أعلى الصومعة. وبهذا الخصوص طرأت حادثة بمدينة أكادير السياحية، عندما كان مطيع عاملا على إقليمها، إذ اشتكى جملة من السياح من مكبرات الصوت بالمساجد التي كانت تبث مجريات صلاة التراويح قبل آذان الفجر خلال شهر رمضان، وكان جوابه أن القضية مرتبطة بأمور السيادة وبرمز من رموز الدولة المغربية، وبالتالي على السياح التكيف بأية طريقة يرونها مناسبة.
هبة ألف خبزة يوميا
هدية “مستدامة” قوامها ألف خبزة يوميا.. قرار من القرارات التي اتخذها الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى الليالي الرمضانية، وهو قرار خص زاوية ابن عباس السبتي، علاوة على ثور يذبح كل يوم خميس ويوزع لحمه على الفقراء ويقول أحد المقربين إن إحدى القصائد التي كتبها الملك الراحل تضمنت ذكر هذه الهبة الملكية محبوكة على طريقة جهابدة الشعراء.
هدية “روك فيلر” أربكت حراس الملك
يقال إن هذه الحكاية حدثت قبل آذان المغرب بساعات قليلة في شهر رمضان برحاب القصر الملكي بالرباط. حضر الثري المشهور ذي الصيت العالمي، “روك فيلر” إلى قصر الرباط ومعه هدية خاصة للملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يتلقى هدايا خلال أعياد ميلاده وفي مناسبات أخرى، وقد عرف عن جلالته أنه كان يستحب هذا الأمر كثيرا، وكانت أعز الهدايا على نفسه “العود القماري” الذي يحبه كثيرا. واعتبارا للعلاقات التي كانت تربطه بالثري “روك فيلر”، حار هذا الأخير في اختيار نوع الهدية التي ستروق الملك، وبعد عدة استشارات ومشاورات استقر رأيه على البحث عن هدية يحقق بها سبقا مع الملك، وبعد تفكير طويل وعدة اتصالات اقترح عليه أحد مقربي الملك إهداءه آخر نموذج من الدراجات النارية قبل ترويجه في السوق، وهذا ما كان.
حضر “روك فيلر” إلى قصر الرباط ومعه الدراجة النارية، والتقى بالملك فسلّمه الهدية ببهو البلاط. أعجب الراحل الحسن الثاني بالدراجة النارية وأمر بفتح أبواب القصر ثم انطلق على حين غرة كالسهم أمام دهشة الجميع، ارتبك الحرس الشخصي للملك، وتبعه بعضهم جريا على الأقدام واتجه آخرون إلى سياراتهم لملاحقة الملك الذي لم يعد يظهر له أثر.
إحضار لبن الناقة الطري على متن طائرة حربية
في إحدى المناسبات نزل الرئيس الموريتاني السابق، معاوية ولد الطايع، ضيفا على الملك، وكانت رغبة الضيف الإفطار على لبن الناقة الذي اعتاد عليه دون غيره، إلا أنه لم يكن متوفرا بمطبخ القصر آنذاك. وبعد استشارة الملك الراحل الحسن الثاني في الأمر وجد الحل توا، وبعد أقل من ثلاث ساعات كان لبن الناقة على طاولة إفطار الرئيس الموريتاني السابق، فكيف تم ذلك؟
لقد أمر الراحل الحسن الثاني بإحضار لبن الناقة، فتم الاتصال الفوري بأحد عمال الأقاليم الصحراوية لجلب كمية منه، ثم توجهت طائرة حربية لإحضاره بسرعة، وهكذا تمت تلبية طلب الرئيس معاوية ولد الطايع الذي وجد لبن الناقة الطري على طاولة الإفطار.
طال انتظار السادات واستشاط غضبه
من الطرائف الرمضانية، قصة انتظار الرئيس المصري المغتال أنور السادات طويلا لمقابلة الملك الراحل الحسن الثاني. كان من المقرر أن يتم هذا اللقاء في ساعة محددة، حضر الرئيس المصري قبل الموعد بقليل لكن الملك الراحل تأخر كثيرا، وطال انتظار الرئيس المصري حتى بدت معالم الغضب على محياه، ولما أوشك غضبه بلوغ قمته، حضر الملك وطلب من عقيلة الرئيس أن تتوجه إلى جناح الحريم قبل بداية المقابلة. ساد الصمت وعلامات الغضب تكتسح محيا الرئيس المصري، وفجأة تعالت ضحكات عقيلة الرئيس المصري، وبعد برهة ظهرت وهي ترتدي لباسا مغربيا تقليديا (التكشيطة)، مزهوة بالحلي الذهبية والمجوهرات، حيث بدت أنيقة جميلة وهي في قمة فرحها وانشراحها. فتغيرت ملامح الرئيس أنور السادات وصدرت عنه ضحكات الرضا والسرور ونسي أن الملك الراحل تركه ينتظر وقتا طويلا.
ومن المعلوم أن علاقات خاصة كانت تربط الرجلين، فالملك الراحل هو الذي هيأ لظروف التقارب المصري – الإسرائيلي، ليعقد الطرفان العزم على الشروع في المفاوضات، كما أن الراحل الحسن الثاني اقترح على الرئيس أنور السادات أن لا يتسرع في اتفاق انفرادي مع إسرائيل ونصحه بالتريث حتى يشارك في مناظرة دولية كان ينوي الملك تنظيمها بالمغرب حول السلم والسلام بالشرق الأوسط.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار