طرائف وغرائب الدروس الحسنية التي أضحكت الملك الراحل الحسن الثاني في رمضان
جميلة سلمات – جريدة البديل السياسي :
مراسيم حضور الملك للدروس الدينية الرمضانية لها أكثر من دلالة، وتحمل علامات تساهم في جعل سلطة الملك مرئية وبادية للعيان، وهذه من الأمور التي تدخل في نطاق شكليات الحكم الذي يضم جملة منالرموز والإشارات السلطوية. فمرة أوقف الملك الراحل الحسن الثاني أحد المقرئين في الدروس الحسنية المبثوثة مباشرة على الهواء، وقال له: « أريدك أن تقرأ بدون غنة وبدون سيكة ونهوان »، وهي مقامات موسيقية، أوقفه لأنه غضب للأمر، إذ كان من المعروف على الحسن الثاني أنه كان يستحسن القراءة على الطريقة المغربية كما تألق فيها المقرئ بنموسى، ذائع الصيت بالمغرب، والذي دأب قبل وفاته على الجلوس قبالة قبر الراحل محمد الخامس، بين قبري الشقيقين الراحلين الملك الحسن الثاني والأمير عبد الله.. كما عرف عنه أنه كان يتشبث بالبصمات والمقومات المغربية الصرفة، كما تأكد أن الراحل الحسن الثاني كان يتكلم اللغة العربية ببلاغة، وهذا ما أكده أكثر من مرة مؤنسه الفقيه بين بين، وكما تبين ذلك من خلال الدرس الديني الذي ألقاه الراحل خلال إحدى أمسيات رمضان المعروفة بالدروس الحسنية معتمدا لغة ونهج الفقهاء.
والدروس الحسنية تعتبر من العادات التي حرص الراحل الحسن الثاني على إعادة إحيائها، بعد أن توارت منذ وفاة المولى إسماعيل الذي بادر بإقرارها بالمغرب، وكذلك فعل المولى الحسن الأول، وكان الراحل الحسن الثاني يستدعي إليها أكبر العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي والعالم الغربي، ويقيمون في أفخر الفنادق ويتناولون وجبات الإفطار الرمضانية بالقصر الملكي بالرابط، وفي سنة 1998 كانت آخر الدروس الحسنية في حياة الملك الحسن الثاني، حيث تم استدعاء مائة وعشرة من العلماء من مصر ولبنان وأوزباكستان والسنيغال والصين والولايات المتحدة الأمريكية… وكلهم أودعوا مواضيع محاضراتهم مسبقا بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ليتم عرضها على القصر للمصادقة، كإجراء ضروري لإدماجها في البرنامج. وبعد وفاة الحسن الثاني لم يتغير أي شيء، إذ داوم الملك محمد السادس على تقليد الدروس الحسنية مع التقليل شيئا ما من البهرجة التي كانت ترافقها في عهد والده الراحل. لكن رغم الجدية التي اتسمت بها هذه الدروس إلى أنها لم تكن تخلو من طرائف.
كانت تحصل خلال الدروس الحسنية بعض الطرائف أو التدخلات الجانبية، عندما يلاحظ الحسن الثاني أمورا تستوجب التدخل، بوصفه عارفا بأمور الدين وليس فقط كرجل دولة أو كأمير للمؤمنين.
ويحكى مرة أن المرحوم عبد الحميد احساين، أحد مشاهير قراء القرآن في المغرب، كان يقوم بدور السارد خلال درس ألقاه الملك بنفسه، وكان موضوع الدرس هو الحديث النبوي الشهير عن جبريل عليه السلام الذي نزل على النبي ليعلم الناس أمور دينهم، وهو حديث طويل، فكان عبد الحميد احساين يلقي الحديث فقرة فقرة، والملك يفسر كل فقرة على حدة قبل أن ينتقل إلى الفقرة التالية، ونظرا إلى كون احساين كان من قراء القرآن المجودين فقد كان يلقي كل فقرة بطريقة مجودة على الطريقة المغربية، بحيث يستغرق ذلك وقتا، وعندما تكرر ذلك قال له الحسن الثاني بالدارجة «ازرب وبلا غُنَّة»، والغنة من مصطلحات علم التجويد، فارتبك عبد الحميد احساين وبدأ يسرع في القراءة حتى ضحك الحسن الثاني.
وفي إحدى المرات، كان الشيخ محمد الأزرق، وهو أحد علماء القرويين، يلقي درسا من دروسه أمام الملك الراحل من غير ورقة، لأن النظر في الورقة عيب لدى علماء القرويين القدامى، فحدث أن ارتبك أمام الملك فنسي بعض الأمور ولم يستطع الكلام، فالتفت إلى الملك وقال له «والله يا سيدي لقد أعطاك الله هيبة خاصة»، فضحك الحسن الثاني والحاضرون.
هكذا أحرج الحسن الثاني الشيخ يوسف القرضاوي في درس حسني
وحصل بين الحسن الثاني وبين يوسف القرضاوي سنة 1981 خلاف بسيط، حيث كان القرضاوي يلقي درسه حول الحديث النبوي عن تجديد الدين كل مائة سنة، فذكر رواية واحدة لهذا الحديث تقول »يبعث الله للأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها »، فتدخل الملك وقال له إن هناك رواية أخرى تقول « … من يجدد لها أمر دينها »، لكن القرضاوي، حسب من حضروا ذلك الدرس، اعتبر تدخل الملك نوعا من الإهانة الشخصية له، وأن ملكا لا ينبغي أن يقاطع رجل دين لأنه لا يعلم تفاصيل التخصص العلمي. وكانت بعض التعليمات التي تعطى للعلماء بألا يكثروا من رفع أيديهم أثناء إلقاء الدرس، وعدم رفع الصوت، لكن بعض العلماء كانوا يخرجون عن تلك التعليمات في بعض الأحيان بسبب طبيعة الموضوع، فيتدخل الملك بإشارة من يده أو وزير الأوقاف، وأحيانا كان الملك يتسامح إذا كان الموضوع يفرض ذلك، كما كان الملك أحيانا يتدخل في حالة خروج المحاضر عن موضوع الدرس، ويطلب منه الارتباط بالموضوع.
بعض العلماء الذين كانوا يأتون من الخارج، من الصين أو من الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي، كانوا ينبهرون بتلك الدروس التي يحضرونها لأول مرة. إلى درجة أنه في إحدى المناسبات ألقى عالم من مسلمي الصين قصيدة ارتجالية أمام الملك، يتحدث فيها عن الحسن الثاني والدروس الحسنية.
بن الصديق يبطل معاهدة اتحاد المغرب العربي في درس حسني والملك يتدخل
وفي رمضان 1989، بعد توقيع معاهدة اتحاد المغرب العربي بمراكش التي تم توقيعها يوم17 فبراير من نفس العام، وهو اليوم الذي صادف يوم جمعة، ألقى الحسن بن الصديق، أحد أفراد العائلة الصديقية المعروفة بالشمال، درسا في موضوع « الدين بين الأتباع والابتداع »، تناول فيه بعض نماذج من البدع المنهي عنها والتي انتشرت في عصرنا الحالي، ومن ضمنها العقود التي تبرم وقت صلاة الجمعة، مذكرا بقوله تعالى في سورة الجمعة « يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع »، إذ قال معلقا: « فإذا تشاغل عنها مسلم ببيع، أو بأي شيء من الأشياء، كان ذلك العقد وذلك البيع باطلا ولاغيا ولا يترتب عنه أثره، وهكذا… »، حينها تدخل الملك الحسن الثاني قائلا: « أتمم الآية يا فقيه »، فتلا بن الصديق قوله تعالى: « فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون »، فعاود الملك المقاطعة، منبها إياه إلى ضرورة إتمام الدرس في غضون خمس دقائق، إذ فهم الحسن الثاني أن بن الصديق يغمز إلى بطلان معاهدة اتحاد المغرب العربي التي وقعت يوم جمعة بمراكش، بعد صلاة الجمعة وقريبا من موعد صلاة العصر.
= »الدروس الحسنية » الحسن الثاني ينهي الحرب الباردة في درس حسني
وفي نفس السنة، ألقى العالم الأمريكي خالد عبد الهادي يحيى، أستاذ الدين والتاريخ بجامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، درسا بين يدي الملك في موضوع « الهدف من الوجود » انطلاقا من قوله تعالى: « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون »، وذلك بعد أن تلا شاب مقرئ من إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي آنذاك بعض الآيات القرآنية بشكل لاقى استحسانا لدى الملك والحاضرين، وكانت الظروف ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، فتدخل الحسن الثاني في نهاية الدروس وقال: « قبل الختم أريد أن أشير إلى ظاهرة لم تكن في الحسبان ولم تكن من جملة مخططاتنا، ذلك أن موسم رمضان، شهر القرآن، شهر الوحي، أراد الله سبحانه وتعالى أن يجتمع هنا أشخاص من قارات مختلفة، ولغات مختلفة، وألوان مختلفة، وأراد الله أن نسمع في يوم واحد مقرئا محترما جيدا طيبا من الاتحاد السوفياتي، وأن ننصت إلى محاضر شاب غيور كله حماس من الولايات المتحدة.
أظن أن هذا التواجد سيجعلنا نعطي للديانة الإسلامية وللدين الحنيف وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعريفا آخر، وهو أن نقول: إن الإسلام أصبح مدرسة سلوك سياسي، ولا أقول تعايش، لأن التعايش فيه شيء من الإرغام، وشيء من المضض. الإنسان يتعايش لأنه لا يمكنه أن يفعل شيئا آخر ».
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار