جريدة البديل السياسي – بقلم الأستاذ جمال الغازي
بومدين عبد الصادقي: شخصية جامعة شاملة في السياسة، الثقافة والشعر
بومدين عبد الصادقي، شخصية مميزة في المجالات السياسية، الثقافية، والتربوية، ولد في #بني_شيكر عام 1959. مسيرته التعليمية بدأت في مدرسة #تيزة بـ #بني_شيكر حيث تلقى دراسته الابتدائية، ثم انتقل إلى إعدادية الكندي في بداية السبعينات لإكمال دراسته الإعدادية. حصل على شهادة البكالوريا عام 1978 من ثانوية عبد الكريم الخطابي، قبل أن يلتحق بجامعة محمد بن عبد الله ب #فاس حيث اختار شعبة الفلسفة. في وقت لاحق، تخصص في علم الاجتماع وحصل على الإجازة في هذا التخصص عام 1982.
في عام 1990، نال شهادة استكمال الدروس (دبلوم الدراسات المعمقة) في علم الاجتماع الحضري، مما جعله واحدا من المتخصصين في هذا المجال. مهنيا، بدأ عبد الصادقي مسيرته كأستاذ في ثانوية حسان بن ثابت بـ #زايو عام 1985، بعد أن قضى فترة الخدمة المدنية في إعدادية الفطواكي بـ #الناظور . لاحقا، عمل كملحق في مجلس المستشارين عام 1999 عبر وزارة التربية الوطنية، وفي عام 2003، تم إدماجه كموظف رسمي في المجلس.
على مستوى النشاط السياسي، كان بومدين عبد الصادقي ناشطا بارزا في صفوف حزب التقدم والاشتراكية. منذ تأسيس فرع الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية بـ #الناظور في الفترة 1976-1977، شغل منصب كاتب الفرع. كما كان عضوا في لجنة الناحية ثم مكتب الناحية. تولى منصب الكاتب الأول لفرع #زايو لحزب التقدم والاشتراكية بين 1990 و1998.
منذ عام 2006، أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وظل في هذا المنصب حتى اليوم. وفي عام 2022، انتُخب عضوا في المكتب السياسي للحزب، خلال المؤتمر الأخير، ليعزز حضوره كأحد القادة البارزين في الحزب.
كان لعبد الصادقي أيضا إسهامات كبيرة في المجال الثقافي. كان عضوا مؤسسا في جمعية الانطلاقة الثقافية منذ عام 1978، حيث شغل لاحقا منصب الكاتب العام للجمعية. كما شغل منصب رئيس جمعية الحوار الثقافي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وهي جمعية اهتمت بشكل خاص بالثقافة الأمازيغية.
عبد الصادقي هو أيضا عضو في اللجنة الثقافية الوطنية لحزب التقدم والاشتراكية منذ الثمانينات وحتى اليوم. وفي عام 2022، تم تكريمه من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهو تكريم مستحق نظرا لمساهماته المستمرة في تعزيز وحماية التراث الأمازيغي.
منذ عام 1977، بدأ بومدين عبد الصادقي كتابة الشعر الأمازيغي، حيث كانت قصيدته الأولى “أغاربو نغ”. لم تقتصر إبداعاته على الشعر فحسب، بل ساهمت بعض قصائده في إغناء المشهد الموسيقي الأمازيغي. قدمت مجموعة “إثران” بعضا من قصائده مثل “أربحار أربحار”، “أبارو تمنا”، “رشثاب اكرم”، و”ثوذاث وارتشوار”. أما مجموعة “ين أومزيغ” فقد غنت قصيدته الشهيرة “سيغيد فوس نم” مؤخرا، ما يعكس استمرارية تأثيره في المشهد الثقافي الأمازيغي.
عبد الصادقي بومدين هو شخصية متعددة الأبعاد، تجمع بين النشاط السياسي والثقافي والشعري. مسيرته الطويلة والمتنوعة تشهد على التزامه الكبير بخدمة قضايا الوطن، سواء من خلال السياسة أو من خلال الثقافة، حيث ترك بصمته على المستوى الوطني والمحلي.
تأثر بشكل كبير بالأحداث الكبرى التي شهدتها تلك الفترة، بدءا من اضطرابات الطلبة والتلاميذ في أواخر الستينات، رغم أنه كان حينها في سن صغير نسبيا، إلا أن تلك التحولات كانت لها تأثير جنيني على وعيه. كما تأثر بحركة اليسار في #الريف التي ظهرت بالتزامن مع المسيرة الخضراء، وخاصة نشاط حزب التقدم والاشتراكية الذي بدأ في أجواء من السرية (حيث كانت الاجتماعات تُعقد في المنازل، مثل بيت الحسني عمر وبيت عبد الرحمان طحطاح) قبل أن يصبح علنيا عبر مقر الحزب قرب ثانوية الخطابي، والمعروف بـ”الكراج”.
الأنشطة المكثفة التي شهدها الكراج، سواء الثقافية أو الفنية أو السياسية، وحتى الدعم المدرسي، كان لها تأثير عميق وحاسم على مساره الحياتي والسياسي والفكري، إذ كانت بمثابة مدرسة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولاحقا، لعبت الحياة الثقافية التي كانت تؤطرها جمعية الانطلاقة الثقافية دورا مشابها، إذ كانت بدورها مدرسة في المجال الثقافي.
أقول في الأخير
صديقي ورفيقي العزيز بومدين، منذ أن أعادنا العالم الأزرق وجمعنا بعد فراق دام سنوات، لا تزال شعلة الحميمية الرفاقية مشتعلة بيننا، متقدة بتقدير عميق واحترام متبادل. نتحاور كمن يغزل خيوط الفكر، ونتبادل الأفكار كما تتبادل الأزهار عطرها، في نقاشات تمتلئ بالحب والود. ما يدهشني في بومدين هو أنه نهر لا يجف من التواصل والحوار الراقي. خلال المؤتمر الأخير للحزب، كنا نتبادل الأفكار عبر الواتساب، نناقش مسودة تعديل القانون الأساسي وأطروحة المؤتمر، وكان دائما يستقبل النقد البناء كما تستقبل الأرض المطر، بروح طيبة وسعة صدر.
يشجعني دوما كمن ينثر بذور الأمل في أرض خصبة، ولم أسمع منه يوما كلمة جارحة، فكأن كلماته نغمات موسيقية تعزف على أوتار القلب.
ولعل من أجمل اللقطات التي يقوم بها بومدين، أنه يحرص كل يوم على إرسال نسخة من جريدة “بيان”، وكأن هذه الهدية اليومية تحمل في طياتها رسالة اهتمام وتقدير.
أعتبرها التفاتة عميقة المعنى، تمثل وفاءا للصداقة وروح الرفقة التي تجمعنا. من يملك رفيقا مثل بومدين، يملك جوهرة نادرة في زمنٍ قلّ فيه الوفاء.
دمت لنا وفيا سي بومدين!
تعليقات
0