سيدنا رمضان بالمغرب… تقاليد وطقوس ينقلها جيل إلى آخر
ورغم أن الجائحة فرضت على المواطنين قضاء ليالي رمضان في البيوت بسبب حظر التنقل الليلي، فإنهم يحرصون على عيش أيامه وفق الطقوس والعادات التي توارثوها جيلاً عن جيل، وفي أجواء عائلية محدودة.
وتكثر أعمال التضامن والتكافل في هذا الشهر، إذ تنشط الجمعيات والمتطوعون في توزيع قفة رمضان التي تضم المواد الغذائية الأساسية، وإفطار الصائمين وخاصة المحتاجين والمغتربين، ودعم الفئات الهشة.
الأزياء التقليدية
تتنوع طقوس وعادات الاحتفاء بالعواشر في المغرب، وتبدأ أواخر شعبان مع تنظيف البيوت والمساجد، وشراء أوانٍ جديدة لاستقبال الشهر الفضيل، ويضفي “النفار” أو “المسحراتي” كما يسميه المشارقة على ليالي رمضان طابعاً مميزاً وسحراً خاصاً.
ويعد الزي التقليدي من تفاصيل رمضان التي يتمسك بها المغاربة، فيحرصون رجالاً ونساء وأطفالاً على ارتدائه خلال الزيارات العائلية والتسوق، وعند أداء الصلوات في المسجد وأيضاً في العمل.
ويشهد سوق المدينة القديمة للرباط حركة غير معهودة، حيث يزداد الإقبال على محلات بيع اللباس التقليدي، ويجتهد أصحابها في تنويع عروضهم من الجلباب والقفطان والجابادور وغيره.
ويقول سعيد الإبراهيمي، صاحب محل للملابس التقليدية النسائية، إن المغربيات يفضلن ارتداء الجلباب في رمضان، لذلك يشترين واحداً بسيطاً للنهارات وآخر مرصعاً للزيارات والمناسبات ودعوات الإفطار.
ويضيف في حديث لموقع TRT عربي أن الجلباب المغربي متنوع على مستوى التصاميم والأثواب والتطريز والترصيع، لافتاً إلى أن السوق لا يفرض على المرأة ما تلبسه، بل يوفر اختيارات واسعة ويعرض ما يناسب جميع الأعمار والأذواق.
أطباق رمضانية
لرمضان أطباق خاصة ترتبط به وتحرص كل ربات البيوت على إعدادها، ويعد حساء الحريرة (يتكون من طماطم وحمص وعدس وقطع لحم)، وحلوى الشباكية (وتحضر من الدقيق والعسل والسمسم وماء الزهر)، والتمر من الأطباق الأساسية في مائدة الإفطار، إلى جانب أطباق أخرى مثل الفطائر (المسمن البغرير) والمملحات (البريوات، البسطيلة) والعصائر.
ولا تكتمل ليلة رمضان إلا بجلسة عائلية بعد صلاة التراويح حول كأس شاي وحلوى السفوف أو سلو، وهي حلوى شعبية تجهزها النساء خلال شهر شعبان، وتتكون من طحين محمص ولوز وسمسم وشمر ومواد أخرى.
ويفضل المغاربة هذه الحلوى في رمضان لأن عناصرها تمنح الجسم طاقة وقوة تساعدهم على تحمل ساعات الصيام والصلاة.
وسلو أو أسلو بالأمازيغية هو طبق أصله من قبيلة لمتونة الصنهاجية، ويشير الجغرافي الشريف الإدريسي الذي عاش في القرن 12 في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، عند حديثه عن أهل سوس، إلى أن جل طعامهم “الطعام المسمَّى بالبربرية آسلوا، وهو أنهم يأخذون الحنطة فيقلونها قلياً معتدلاً، ثم يدقونها حتى تعود جريشاً، ثم يمزجون العسل بمثله سمناً ويعجنون به تلك الحنطة على النار، ويضعونه في مزاود لهم فيأتي طعاماً شهياً، وذلك أن الإنسان منهم إذا أخذ من هذا الطعام ملء كفه وأكله وشرب عليه اللبن، ثم مشى بقية يومه ذلك لم يشته طعاماً إلى الليل”.
الأطفال ورمضان
تعمل الأسر المغربية على تحبيب الصيام إلى الطفل في سن مبكرة بطريقة ما يُعرف بـ”تخياط النهار”، حيث يتم تحفيز الطفل على صيام الفترة الصباحية من اليوم ثم يستكمل يومه بصيام الفترة الزوالية من اليوم التالي.
وعندما يكبر الطفل قليلاً ويصوم يومه الأول كاملاً، تحتفي به الأسرة في احتفال كبير تحضره العائلة ابتهاجاً بهذا الحدث المهم والمميز في حياته.
ويرتدي الصائمون الصغار ملابس تقليدية، الجلباب للفتى والقفطان للفتاة، وتخضب أيديهم بالحناء، وتحضّر ربة البيت مائدة إفطار متنوعة تضم كل ما يشتهيه الطفل الصائم من وجبات، ويقدم له أفراد العائلة هدايا تشجيعاً له ولغيره على حب هذه العبادة.
احتفالات ليلة 27
وتبلغ ذروة الاحتفالات ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يعتبرها المغاربة ليلة القدر، فيقضون معظم الليل في الصلاة في المساجد، وتحرص النساء على إعداد أطباق الكسكس وأخذه إلى المسجد ليتناوله المصلون خلال فترة الاستراحة.
وتقول السيدة زينب غرنوك لـTRT عربي إن المغربيات يحرصن على تطييب البيوت في هذه الليلة وارتداء ملابس جديدة، كما تشجع الأسرة أبناءها الصغار على صيام هذا اليوم، ويأخذونهم بعد الإفطار إلى المزينات حيث تزين الفتيات بزينة العروس، ويرتدين القفاطين ويضعن الحلي وتيجاناً على الرأس، ويُحملن على ما يسمى “العمارية” (وهي هودج تُحمل عليه العروس في حفل العرس)، أما الصبيان فيلبسون أيضاً لباساً تقليدياً مثل الجبابدور أو الجلباب والبرنس ويركبون على حصان مسرج، وتؤخذ لهم صور تخليداً لهذه الذكرى، ويستمر الاحتفال بالأطفال الصغار إلى وقت متأخر من الليل.
عيد الفطر
ومع اقتراب عيد الفطر يتحول اهتمام ربات البيوت إلى إعداد حلويات العيد التقليدية والعصرية، ويعملن جاهدات على إعداد أطباق متنوعة تعكس غنى المطبخ المغربي، بينما تعرض المحال التجارية من جانبها أطباق الحلويات التي تختلف أسعارها حسب مكوناتها وحشواتها.
وكما تحرص الأسر على شراء ملابس جديدة للعيد لأطفالهم، يتذكرون الآباء والأمهات ويهدونهم ملابس تقليدية، بهدف إدخال السرور على قلوبهم ونيل بركتهم ورضاهم.
ويعد إخراج الزكاة أهم أعمال المغاربة في الأيام الأخيرة لرمضان، فيما تنشط جمعيات مدنية في توفير كسوة العيد للأطفال الأيتام والمنحدرين من أسر معوزة.
تمر أيام رمضان ولياليه في أجواء روحانية واحتفالية، تعكس مكانة هذا الشهر لدى المغاربة وتقديسهم له حتى إنهم يتمسكون بشدة بأداء هذا الركن من أركان الإسلام أكثر من غيره من العبادات.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار