سباق المسافات القصيرة / قصة قصيرة .. الأستاذ عبد المجيد طعام
سباق المسافات القصيرة / قصة قصيرة
عبد المجيد طعام
كعادته قام الحاج علي من فراشه باكرا لكنه استعد هذه المرة للخروج من شقته والليل لم يجمع بعد كل سدوله ..
لم ينم البارحة جيدا بعد أن توصل بإشعارين الأول ينذره بضرورة أداء ضريبة السكن والثاني يبشره بوصول نقود تقاعد طال انتظارها….
أمام بوابة الخزينة العامة افتتح الطابور بوقفته المنحنية، سرعان ما التحق به جمهور من المتقاعدين ،لهذا لم يشعر بالملل ،فقد استرسل في الحديث عن أيام الشباب، عن الاستعمار وحرب “لاندوشين” وعمله لأكثر من اربعين سنة بستانيا بمصلحة النباتات .
لم يواصل سرده بنفس حماس البداية ، كل الذين اصطفوا في الطابور كانوا يشتركون معه في نفس المسرود المخزن في ذاكرة أعياها الاسترجاع .
فُتِحَتْ البوابة الضخمة للخزينة العامة ،توقف الحكي المشترك ليبدأ سباق المسافات القصيرة نحو الشباك الوحيد الخاص بالمتقاعدين …. كان الحاج علي أول من وضع يديه على الشباك ، فأحس بنفس الاحساس عندما كان يطوف على الكعبة حين حملته موجة الزحام وألقت به أمام حفرة الحجر الأسود …
آه لو أمهلته موجة الزحام ومنحته وقتا أكثر قبل أن ترميه بعيدا عن الحجر الأسود لكان قدم لله لائحة كل مطالبه وأحلامه التي لم يحققها في شبابه وهي الآن تهرب منه في شيخوخته …. لقد نسي كل الأدعية التي علمه الحاج “الجوكير ”
خرج الحاج علي من غرفة أرشيف ذاكرته أين أصبح يقضي مجمل أيامه ، قَوَّمَ انحناءته و قدم الإشعارين إلى الموظف ،تفحصهما وقال له دون أن يرفع عينيه نحوه :” مبلغ الضريبة مكتوب على الورقة .. عليك أن تؤديه اليوم … إنه الإنذار الأخير ”
بصوت مرتجف قال الحاج علي للموظف :” سيدي أرجو أن تقتطع مبلغ الضريبة من حصة تقاعدي ثم ناولني الباقي ”
رفع الموظف عينيه وبرأسه أومأ بأن هذه العملية غير ممكنة ،بل مستحيلة.
ارتجت شفتا الحاج علي وهو يحاول أن يستفسر الأمر … لكن الموظف كان قاسيا وبكثير من الحسم قال له: ” بالنسبة للضريبة يجب أن تؤديها الآن ولكن بالنسبة للنقود يجب أن تقدم للخزينة شهادة حياة ،تثبت بأنك مازلت على قيد الحياة” شعر الحاج علي بالدوار فأحكم قبضته على الشباك مخافة أن يسقط … عم الارتجاف كامل جسده الهش وبملامح وجهه الشاحب التمس المزيد من التوضيح ،فكان له ما أراد :” اسمع أيها الشيخ وافهم كلامي …
. أنت في خريف عمرك ،قد تموت في أية لحظة لهذا قررت حكومتنا الموقرة أن تصفي حساباتك الدنيوية ،لملاقاة الحق كما ولدتك أمك أي بدون ذنوب … الضريبة تؤدى من غير شهادة حياة لأن الدين هو أول ما يجب إخراجه من التركة أما نقود التقاعد فهي هنا محفوظة وقد ارتأت الحكومة أن تتأكد من أنك حي ترزق، حتى لا يأخذ المال شخص آخر فيحسب عليك يوم القيامة … الحكومة تريد أن تضمن لك ولأمثالك مكانا مريحا بالجنة. ”
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار