زواج رجل المال بالسلطة.. نهاية غير سعيدة
بقلم: حسوني قدور بن موسى- جريدة البديل السياسي : متابعة
محامي بهيأة وجدة
إن ظاهرة الاحتجاجات الشعبية ضد استحواذ رجال المال على السلطة ليست جديدة على المجتمعات الحديثة وإن كانت وسائل الإعلام المأجورة التي تسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعب، تحاول تلميع صورة حكومة رجال الأعمال للاستفادة هي كذلك من توزيع الغنيمة، ورغم المنع والقمع ضد الرافضين لسياسة التجويع ورفع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات والاعتداء على القدرة الشرائية للمواطنين، فإن المحتجين يزدادون صمودا ليس في المغرب فقط، وإنما في كل الدول العربية المحكومة من طرف رجال الأعمال، فهذا النوع من العلاقات المشبوهة بين المال والسلطة تحيط بها كثير من الشبهات وعلامات الاستفهام، وغالبا ما تنتهي بخسائر مادية جسيمة تصيب الشعب، ويقال “ما اجتمعت السلطة والمال إلا وكان الفساد ثالثهما”، ويرى البعض أن العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة الأركان، وفي هذا الصدد، اعتقلت السلطات التونسية عددا من رجال الأعمال، لتورطهم في تهريب أموال وقضايا فساد وتبييض أموال، وكانت الحكومة قد أطلقت في شهر ماي الماضي، حملة ضد رجال الأعمال المتورطين في الفساد والتهريب وأوقفت العشرات منهم في وقت تعهدت فيه رئيسة الحكومة، نجلاء بودن رمضان، بأن حكومتها ستكون حكومة حرب ضد الفساد والمفسدين في الوقت الذي يتعهد فيه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بـ”إعادة تربية المغاربة” لأنهم يحتجون ضد الفساد وغلاء المعيشة وارتفاع ثمن المحروقات، وحتى لا نعمم، فإن هناك رجال أعمال فضلاء محترمين جمعوا بين السياسة والتجارة واستطاعوا الوصول إلى المناصب السياسية، بخلاف آخرين يعتبرون منصب رئيس الحكومة حلما كبيرا يتقاتلون من أجله لزيادة ثرواتهم والتحول إلى إمبراطورية داخل الدولة، وفور تنصيب حكومة أخنوش، تعالت أصوات المطالبين بالتراجع عن الزيادة في سعر البنزين والغازوال والمواد الغذائية الأساسية وإعادة الثمن إلى سابق عهده، والمطالبة أيضا برحيله، باعتباره المسؤول عن الزيادة في الأسعار والاضطرابات الاجتماعية.
ويظهر أن العلاقة بين رجال الأعمال والسلطة، علاقة متكررة ومتجددة في الدول العربية، التي تلعب دورا أساسيا في الاقتصاد عن طريق الزواج بين السلطة والمال لاعتقادها أن المصدر الأساسي للدخل يأتي من قطاعات تسيطر عليها الدولة، ويظل رجال الأعمال في حاجة دائمة لعلاقة مع السلطة لحماية مصالحهم، خاصة للحصول على قروض للإنتاج ولحماية ثرواتهم الهائلة، لأن الأنظمة السياسية في الدول العربية ما زالت مصدر القوة والثروة معا، وقد كشف تقرير دولي عن حجم الأموال المهربة من المغرب إلى الخارج بلغ 50 مليار دولار على الأقل، ما يعادل 431 مليار درهم، واعتبر التقرير أن المغرب يعتبر من بين الدول التي وصل فيها حجم الأموال المهربة رقما قياسيا بينما يعيش الشعب في أوضاع اجتماعية مزرية.
استطاعت الشعوب المضطهدة، عن طريق النضال المستمر والاحتجاجات الشعبية في كثير من الدول، إقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبار من مناصبهم، بسبب غلاء المعيشة وتفشي الفساد والرشوة، في حين اضطر آخرون إلى تقديم استقالاتهم طوعا خوفا من المحاكمة، وشهدت العديد من الدول العربية منذ السبعينيات، موجة تظاهرات شعبية قوية في الشارع احتجاجا على رفع الأسعار في غالبية المواد الغذائية والمحروقات، بالمقابل، واجهتها الأنظمة الحاكمة بالاعتقالات التعسفية الواسعة، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى.. هذه هي السياسة المتبعة في الأنظمة المستبدة في البلاد العربية التي تقوم على الاستغلال والقمع ويسجن فيها المظلوم والبريء وأبناء الشرفاء ويطلق سراح المفسدين الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب، يضطهد فيها الأحرار ويكرم فيها المنافقون والمفسدون، تسند إلى الجاهل والأمي والمرتشي أعلى المناصب في الدولة ويقصى أصحاب الكفاءات العلمية.
تمنح الشواهد الجامعية للفاشلين في الدراسة عن طريق الوساطة والجاه والمال ويقصى الطلبة الباحثون المجتهدون، الأمر الذي يجعلهم يختارون الهجرة إلى الدول الغربية التي تعترف بمبدأ تكافؤ الفرص، وتسند مهمة الوعظ والإرشاد في بعض الأحيان إلى الزنادقة وتجار الدين لتنويم الشعوب بالخرافات، وهذا ما أدى عبر العصور إلى سقوط العروش ونهاية الدول، ولهذا ظهرت جماعات مناضلة من المواطنين تنتمي إلى مختلف الطبقات الاجتماعية التي تعاني من الاضطهاد والتهميش والاستغلال بجميع أشكاله، تشكل ما يسمى بالجماعات الضاغطة، عن طريق الاحتجاجات في الشارع العام وعن طريق وسائل الاتصال، للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمعظم المواطنين من أجل التأثير على السلطة الحاكمة التي يتحكم فيها مجموعة من الأثرياء وأرباب الشركات الكبرى، فهذه الجماعات الضاغطة تشكل وحدة في عدة صفات تجمع أفرادها وهم لا يهدفون إلى تحقيق أرباح تجارية أو الاستيلاء على السلطة كما هو الحال بالنسبة لرجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى وزعماء الأحزاب السياسية الانتهازيين، ولا زال النضال من أجل العزة والكرامة مستمرا منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا.. ففي يوم 18 ماي 1981، أعلن رئيس الحكومة المعطي بوعبيد، عن الزيادة في المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، وعلى إثر ذلك دعت الكونفدرالية المغربية للشغل إلى شن إضراب عام يوم 20 يونيو 1981 احتجاجا على تلك القرارات الظالمة، فقامت قوات الأمن بمحاولة قمع المحتجين مما أدى الى اندلاع مظاهرات شعبية في مختلف الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء تدخلت فيها عناصر الجيش بالقمع والاعتقالات بواسطة الدبابات والسيارات العسكرية، ووصل عدد القتلى إلى 1000 تم دفنهم في مقابر جماعية – حسب بيانات المعارضة – وبلغ عدد الجرحى 110 واشتهروا باسم “شهداء الكوميرا” التي أطلقها عليهم إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، ورغم مطالبة المعارضة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، إلا أن السلطات امتنعت عن ذلك وتم التضييق على وسائل الإعلام الوطنية والدولية في تغطيتها لتلك الأحداث المؤلمة، فأجبرت تلك الأحداث الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها على الأسعار، وكعادتها بررت الحكومة تدخلها الدموي العنيف بوجود عناصر متآمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء المغرب في مؤتمر نيروبي حول قضية الصحراء، وفي المقابل، وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها “مجزرة حقيقية” في حق المغاربة، وظلت الانتفاضات الشعبية مستمرة ضد سياسة التجويع وارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة والزيادة في ثمن المحروقات انخرطت فيها جميع شرائح المجتمع وما رافق ذلك من احتقان اجتماعي.
مما لا شك فيه، أن رجال الأعمال لهم دور مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال استثماراتهم وأنشطتهم التجارية وعلاقاتهم المختلفة بالجمعيات والأعمال الخيرية، ومن أجل ضمان حماية مصالحهم ومؤسساتهم الإنتاجية، فإنهم يحرصون دائما على خلق لوبي خاص بهم يؤثر في صنع القرار السياسي، وإغراء الفقراء بالصدقات وهي عبارة عن كمشة من الدقيق والسكر والزيت لإسكاتهم، ويرى المحللون أن هذا أمر حتمي لحماية استثماراتهم الهائلة، وخاصة مؤسساتهم الإنتاجية التي لا ترحم الفقراء والمساكين، فالدولة الرأسمالية ترعاهم وتستمع لمطالبهم من خلال مواقعهم في السلطة التنفيذية، وهي مواقع تمكنهم من الزيادة في ثرواتهم وتحكمهم في كامل القطاعات الاقتصادية، وتختلف رؤية رجل السياسة عن رؤية رجل الأعمال تجاه الأمور السياسية والتطورات والتحديات وتدبير الشأن العام، فرجل الأعمال تتحكم فيه غرائز الأرباح والهيمنة واقتناص الفرص الاستثمارية المربحة التي تحقق له المزيد من الثراء والتوسع في المشاريع، كما أن معالجته للقضايا الاقتصادية كمسؤول في الدولة تعتمد على مبدأ الربح السريع، فعلى سبيل المثال، عندما يتعامل رجل الأعمال كوزير مع العجز المالي والمديونية الخارجية، فإنه يلجأ إلى الزيادة في الأسعار ورفع نسبة الرسوم والضرائب دون معرفة الأبعاد الاجتماعية التي يخلفها هذا القرار الذي يضر بالمستوى المعيشي للطبقة الفقيرة والمتوسطة، بينما رجل السياسة عندما يفكر في رفع سعر المواد الغذائية وفرض رسوم أو رفع نسبة الضريبة، فهو لا ينظر فقط إلى زيادة المداخيل المتوقعة، وإنما إلى جملة من المتغيرات الاقتصادية مثل المستوى المعيشي للمواطنين والتضخم والاستهلاك وإجمالي الناتج المحلي وسعر الصرف والفقر… إلخ.
ولهذا عندما قرر رئيس الحكومة أخنوش رفع سعر المحروقات والمواد الغذائية، لم ينظر إلى هذه الزيادة من منظور اجتماعي مرتبط بالمستوى المعيشي، وإنما من منظور الأرباح التي تحققها مشاريعه الاقتصادية، وهذا يعني أن المبادئ العامة التي يدار بها الاقتصاد عند رجل السياسة تختلف بشكل كلي عن تلك التي يستخدمها رجل الأعمال الذي يتحكم في السلطة، كما أنه من الأخطاء السياسية الاعتقاد بأن رجل الأعمال الناجح في أعماله يكون ماهرا في صنع القرارات السياسية ورسم السياسة الاقتصادية للبلاد، فرجل الأعمال الذي استطاع أن يكون له ثروة هائلة من المال ليس قادرا بالضرورة على إدارة اقتصاد دولة أو حتى وزارة من الوزارات، و”هذا لا يعني أن رجل الأعمال أقل علما ومعرفة من الاقتصاديين، بل طريقة التفكير المطلوبة في التحليل الاقتصادي ومهارة صنع القرار على مستوى الاقتصاد الكلي، تختلف بشكل كبير عن الطريقة التي تحقق النجاح في مجال الأعمال” كما يقول بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2008.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار