كتاب وآراء

“خطاب العرش 2021: تجديد الإلتزام الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه الجارة الجزائر”

البشير الحداد الكبير ،باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة:

في البداية يشكل عيد العرش المجيد ذكرى وطنية لتجديد البيعة والولاء للعرش العلوي المجيد، وتماشيا مع الوثيقة الدستورية الجديدة(1) فإن المؤسسة الملكية تمتلك العديد من الآليات الدستورية بما فيها آلية توجيه خطاب للأمة المغربية.

إن خطاب العرش لهذه السنة تاريخي بإمتياز، ويحمل إشارات قوية، فجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في بداية الخطاب نوه بالمجهودات المبذولة من طرف الأطر الصحية والسلطات العمومية في مواجهة جائحة كورونا،واستحضر ما تم القيام به السنة الماضية لمواجهة هذه الجائحة بدءا بإحداث صندوق تدبير جائحة كورونا تفعيلا للفصل 70 من دستور 2011 والمادة 26 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية(2)،مرورا بخطة لإنعاش الإقتصاد الوطني من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل 95٪ من النسيج الإقتصادي الوطني كما سبق أن أكد على ذلك جلالته في خطاب العرش لسنة 2018،والحفاظ على مناصب الشغل ودعم القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وهذا ما لاحظناه حيث استهدف هذا الدعم جميع المواطنات والمواطنين سواء الذين يتوفرون على بطاقة رميد أم لا سواء المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أم لا، الشيء الذي دفع بالمؤسسة الملكية إلى إطلاق ورش إجتماعي كبير سيستفيد منه عموم المواطنات والمواطنين ألا وهو ورش الحماية الإجتماعية بموجب القانون الإطار 09.21(3)،الذي يعد ثورة إجتماعية من نتاج عبقرية المؤسسة الملكية، ثم صندوق محمد السادس للإستثمار الذي سبق لجلالته حفظه الله أن تطرق له في خطابي العرش وافتتاح البرلمان 2020،كما ذكر جلالته أن المغرب من الدول السباقة التي حصلت على التلقيح ولوحظ انخراط واسع للمواطنات والمواطنين في عملية التلقيح،وما يميز هذه العملية أنها مجانية تفعيلا للفصل 31 من الدستور الجديد حتى الأجانب تم تلقيحهم فالمغرب ملتزم بالمواثيق الدولية وبحقوق الإنسان وبدستوره الذي يؤكده في فصله 30 أن الأجانب يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المغاربة دون أن ننسى الفصل 20 من الدستور الذي يؤكد أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، فالمشرع الدستوري المغربي لا ينطق عن الهوى ومنزه عن العبث فأي مصطلح ذكره يكون على وجه الدقة، وهذا ما فسر تعامل المغرب في عملية التلقيح بمنطق المساواة بين المغاربة والأجانب.

كما أن جلالة الملك في خطاب العرش لهذه السنة تطرق لمسألة مهمة أنه أصبح بلدا صناعيا فهو الذي سيصنع اللقاحات والأدوية والمواد الطبية كما شدد جلالته بمزيد من اليقظة لمواجهة هذا الفيروس واحترام تعليمات السلطات العمومية.

كما انتقل جلالته للحديث عن نجاح الموسم الفلاحي، كما تطرق جلالته للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد ونوه بتقريرها التي سبق لجلالته أن حدد مهامها في خطابي العرش وثورة الملك والشعب لسنة 2019، وذكر جلالته أنها اعتمدت على مقاربة تشاركية في عملها وهذا ما يميز العهد الجديد لأن “التنمية هم مشترك”، وما يميز المؤسسة الملكية أكثر فأكثر أنها ستشرف بنفسها على تنزيل التقرير الخاص بالنموذج التنموي مع مختلف الفاعلين، وذكر جلالته أنها الميثاق الوطني من أجل التنمية الذي جاء في التقرير المشار إليه أعلاه سيشكل إطارا مرجعيا من المبادئ والأولويات التنموية وتعاقدا إقتصاديا وإجتماعيا يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب، وقد سبق لجلالته أن أكد في خطاب العرش لسنة 2019 أن النموذج التنموي الجديد سيشكل قاعدة أساسية لمرحلة جديدة أساسها المسؤولية والإقلاع الشامل.

لقد أكد جلالة الملك أعزه الله جهود المغرب في ضمان الأمن والإستقرار في محيطه الإفريقي والأورومتوسطي والمغاربي، فالعالم ينوه بالتجربة المغربية الرائدة في محاربة الإرهاب كما أن المغرب يفكك سنويا عصابات تنشط في المخدرات والتهريب والهجرة والإتجار في البشر.

إن جلالة الملك أعزه الله في خطاب العرش يجدد إلتزامه الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه الجارة الشقيقة الجزائر، فالمتتبع للخطب الملكية لاسيما منذ 4 سنوات نجد أن جلالته يمد يده للجزائر وهذا من شيم الرجال والحكماء، ففي خطاب أديس أبابا سنة 2017 قال جلالته:”… ومما يبعث على الأسى، أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع.

ففي الوقت الذي تصل فيه المعاملات التجارية البينية إلى 10 في المائة، بين بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، و19 في المائة بين دول مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، فإن تلك المبادلات تقل عن 3 في المائة بين البلدان المغاربية.

وفي نفس السياق، وبينما تشهد المجموعة الاقتصادية لشرق إفريقيا تطورا ملحوظا، في إقامة مشاريع اندماجية طموحة، وتفتح دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مجالا حقيقيا لضمان حرية تنقل الأشخاص والممتلكات، ورؤوس الأموال، فإن التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية يبقى ضعيفا جدا.

والمواطنون في البلدان المغاربية لا يفهمون هذا الوضع.

وإذا لم نتحرك، أو نأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت… ” وفي خطاب المسيرة الخضراء سنة 2018 قال جلالته:”… ويشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية.  وبكل وضوح ومسؤولية، أؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.

ولهذه الغاية، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها.

وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين… ” وفي خطاب العرش 2019 هنأ جلالته حفظه الله المنتخب الجزائري بكأس أمم إفريقيا وهذه السنة لازال جلالته متشبتا بالحوار وحسن الجوار والصدق تجاه الجزائر، وهذا ما يميز ملوك المغرب أنهم على مر التاريخ يتميزون بالحكمة والتبصر والعقل،فرغم أن الجزائر لازالت تكن لنا العداوة وهذا ما لاحظناه مؤخرا من خلال تهريبها لزعيم عصابة البوليساريو واحتضانها له، مع كل هذا، نجد أن المؤسسة الملكية تغلب لغة الحكمة والعقل وحسن الجوار، وتدعو لفتح الحدود، فقد أكد جلالته أنه لم تعد هناك أسباب لإستمرار إغلاقها وهذا فيه إشارة قوية بأن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية بيد الأمم المتحدة وأن المغرب يحقق انتصارات متتالية في هذا الملف لاسيما عبر فتح العديد من الدول قنصلياتها في الأقاليم الصحراوية المغربية دون أن ننسى الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء،ودعا جلالته قيادة الجزائر إلى فتح الحوار وتوطيد علاقة الأخوة بينها وبين المغرب مؤكدا جلالته أن المغرب والجزائر جسد واحد وتوأمان، وأن أمن واستقرار الجزائر وطمأنينة شعبها من أمن واستقرار المغرب، ففي هذا إشارة واضحة لأعداء المغرب الذين يريدون إشعال فتيل الحرب بين المغرب وبين الجزائر، بأن المغرب لن يحارب الجزائر، وأكد جلالته حفظه الله بأن المغرب والجزائر إخوة فرق بينهم جسم دخيل لا مكان له بينهم، وشدد جلالته أن إغلاق الحدود يخالف معاهدة مراكش ويساهم في تأزيم اتحاد المغرب العربي، وكذا في إغلاق العقول، فالعديد إستغلوا هذا الإغلاق لترويج إشاعات من قبيل أن المغاربة يعانون من الفقر ويعيشون بالتهريب والمخدرات،وهذا لا أساس له من الصحة، فالمغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده قفز قفزة تاريخية من الناحية الإقتصادية والإجتماعية.

لقد أكد جلالة الملك أعزه الله أن المشكل الحقيقي الذي ينبغي محاربته بتعاون مغربي جزائري هو العصابات التي تنشط في مجال المخدرات والتهريب والهجرة والإتجار في البشر،وتجدر الإشارة هنا أنه سبق لمسؤولين مغاربة أن تأسفوا لغياب التعاون الجزائري مع المغرب في مجال محاربة الإرهاب.

لقد تأسف جلالة الملك نصره الله للتوترات الإعلامية والديبلوماسية التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية والتي تسيئ لصورة البلدين، ودعا لتغليب منطق الحكمة والمصلحة العليا للبلدين ودعا جلالته الرئيس الجزائري للعمل سويا لتوطير العلاقات المغربية الجزائرية.

وفي الختام، يجب على قيادة الجزائر أن تستجيب لليد الممدوة من طرف المملكة المغربية الشريفة،فلدينا وحدة المصير المشترك في الماضي والحاضر والمستقبل، فالمؤسسة الملكية تؤكد مرة أخرى حكمتها وصدقها وأملها في تحقيق الوحدة المغاربية.

الهوامش :

1-ظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة:3600.

2-ظهير شريف 1.15.62 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية،بتاريخ 2 يونيو 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6370،بتاريخ 18 يونيو 2015،الصفحة: 5810.

3-ظهير شريف 1.21.30 الصادر في 23 مارس 2021 بتنفيذ القانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الإجتماعية،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6975 بتاريخ 5 أبريل 2021،الصفحة: 2178.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار