حينما خطط القذافي لاغتيال الحسن الثاني سنة 1987
جريدة البديل السياسي :
في سنة 2011 قُتل الزعيم الليبي معمر القذافي على يد معارضين مسلحين في مدينة سرت الليبية. وطيلة فترة حكمه التي دامت لأكثر من أربعين سنة، كانت علاقة الزعيم الليبي بمعظم القادة العرب متوترة جدا، بل إنه حاول اغتيال بعضهم، ومنهم العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني.
القذافي أثناء زيارته إلى المغرب/ أرشيف
مدة القراءة: 8'
عرفت العلاقات المغربية الليبية حالة من المد والجزر، إبان فترة حكم ليبيا من قبل العقيد الراحل معمر القذافي (7 يونيو 1942 – 20 أكتوبر 2011).
القذافي: نحن من أسس البوليساريو
وكان الزعيم الليبي معمر القذافي من أبرز داعمي جبهة البوليساريو منذ قيامها في 20 ماي من سنة 1973، وعمل على مدها بالمال والسلاح، ووفر لها دعما دبلوماسيا في الخارج إلى جانب الجزائر التي احتضنتها فوق أراضها.
وبحسب ما جاء في تقرير منشور في الموقع الإلكتروني لـ"مركز الجزيرة للدراسات" تحت عنوان "آفاق تسوية نزاع الصحراء الغربية بعد القذافي"، فقد قال الزعيم الليبي خلال خطابه بمناسبة ذكرى "ثورة الفاتح" في شهر شتنبر من سنة 1987:
".. أستطيع أن أتكلم عن قضية الصحراء أكثر من أي طرف آخر لأن البوليساريو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، نحن الذين أسسناها عام 1972، ونحن الذين دربناها وسلَّحناها لتطرد الاستعمار الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولم نسلحها لإقامة دولة، ولم نقل لهم: انضموا إلى موريتانيا أو الجزائر أو المغرب أو لا تنضموا، دربناها وسلحناها لتحرير الأراضي العربية من الاستعمار الإسباني".
آنذاك كان معمر القذافي من أشد خصوم الملك الحسن الثاني، وطيلة هذه المدة كانت ليبيا المكان المفضل لقيادات جبهة البوليساريو، وهي الفترة التي وصفها إبراهيم حكيم المسؤول السابق بالجبهة وممثلها في الجزائر قبل أن يصبح ممثلاً دبلوماسيا للحسن الثاني في تصريح له قال فيه: "منذ عام 1973 و1974، أصبحت رحلات الوالي مصطفى السيد (أول زعيم للبوليساريو) إلى ليبيا متتالية، وقد عاد منها بمساعدة مالية ودبلوماسية وأحيانًا عسكرية، وبالفعل فقد كانت البوليساريو في بداية الأمر أكثر موالاة لليبيا منها للجزائر، وأعتقد أن التخوف من أن يسقط في أحضان العقيد القذافي هو الذي دفع بالرئيس بومدين إلى استعادته".
دعم ليبيا الكبير للبوليساريو تعكسه أيضا الرسائل التي كان يبعث بها الوالي مصطفى السيد إلى القذافي. وتعتبر الرسالة التي بعث بها بتاريخ 11 يوليوز 1975 نموذجا لذلك، وقد ورد فيها:
"إلى من آلى على نفسه أن يعمل على نصرة الإسلام والمسلمين، مؤمنًا بأن من ينصر الله ينصره، إلى السيادة العالية بنصرة الحق.. إلى من لا يخاف في الله لومة لائم، إلى الأخ العقيد معمر القذافي، سلام الله عليكم أيها القائد العربي المسلم.. لقد كنتم لنا أيها الأخ العقيد لا منشئًا فقط، ولكن حاميًا أيضا، جزاكم الله عنّا كل خير.."
وتطور هذا الدعم إلى اعتراف ليبيا رسميا في 15 أبريل من سنة 1980 بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد في 27 فبراير من سنة 1976
آنذاك أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع ليبيا. بالمقابل عمل القذافي على تقديم المساعدات المالية إلى عدد من الدول الإفريقية الفقيرة، مقابل ضمان مساندتها لـ"جمهورية" البوليساريو.
الاتحاد العربي الأفريقي
في 13 غشت من سنة 1984 انقلبت الأمور، وظهرت إلى حيز الوجود اتفاقية وجدة بين المغرب وليبيا "لتعلن إلى الأمة العربية من محيطها إلى خليجها وإلى العالم كافة، عزم المملكة المغربية والجماهيرية الليبية على العمل يدًا بيد من أجل تطوّر البلدين الشقيقين في جميع الميادين، ولوضع اللبنة الأولى في صرح وحدة المغرب العربي، تلك التي ستكون جنين وحدة الأمة العربية كلها".
واتسمت هذه الاتفاقية بالسرية إلى أن أعلن عنها الحسن الثاني في خطاب له، قائلاً:
"كنا قد تكلمنا في هذا الموضوع يوم 13 يوليوز 1984، وفي 13 غشت من نفس العام، كان في مقدورنا توقيع اتفاقية الوحدة في وجدة. ثلاثون يومًا فقط بين ظهور فكرة الوحدة وتحقيقها". فيما قال الزعيم الليبي "إننا في مرحلة نريد فيها أن نجمع شمل الأمة العربية، في مرحلة تتحد فيها مملكة مع جماهيرية، لأن درجة التحدي المعادي ودرجة الخطر الداهم وصلت إلى الحد الذي جعل الوحدة ضرورية بين المملكة والجماهيرية، بين ملك وقائد ثورة. إن الوحدة بين المملكة والجماهيرية تبدو وكأنها متناقضة كل التناقض، ولكن النقيض الأكبر هو الصهيونية والإمبريالية والتخلف".
لكن شهر العسل المغربي الليبي انتهى بعد حوالي سنتين، وذلك بعد الزوبعة السياسية التي أثارتها زيارة الوزير الأول الإسرائيلي شيمون بيريز للمغرب بتاريخ 21 يونيو من سنة 1986 في إطار ما يُعرف بلقاء إفران.
القذافي واغتيال الحسن الثاني
بعد لقاء الحسن الثاني ببيريز، عادت العلاقات بين البلدين إلى التوتر مجددا، وتطور الأمر إلى حد تفكير القذافي في اغتيال الملك الحسن الثاني.
فخلال لقاء تلفزيوني مع قناة العربية قال المدير السابق للدائرة السياسية في حركة فتح الفلسطينية، عاطف أبوبكر، إن القذافي نسق مع صبري خليل البنا، المعروف باسم أبو نضال، وهو مؤسس مجلس فتح الثوري، بعد انشقاقه عن حركة فتح الفلسطينية، وكان معروفا بعمله كجندي مرتزق، (نسق معه) من أجل اغتيال الحسن الثاني.
وبحسب عاطف أبوبكر فبعد اتفاقهما على الخطة قام "أبو نضال والمخابرات الليبية بإرسال أسلحة إلى المغرب في العام 1987 عبر الطيران الليبي، حيث تم تخزينها، ووضع خطة عمل بعلم من فصيل معارض مغربي".
وكان مخططا أن يشرف أبو نضال -الذي اعتبرته وزارة خارجية الولايات المتحدة مسؤولًا عن هجمات وقعت فيما لا يقل عن عشرين دولة مختلفة، مما أسفر عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 900 شخص- على اغتيال العاهل المغربي، وتعتمد الخطة بحسب رواية عاطف أبوبكر، على أن:
"الملك الحسن الثاني كان لديه أثناء خروجه ممر إجباري من قصره بالقرب من فندق "الهيلتون"، حيث كان من المفترض أن توضع 7 بنادق كلاشينكوف مع قاذفتي "آر بي جي"، على أن تدمر القاذفات السيارات المصفحة، فيما يتم مهاجمة الملك وأفراد الحراسة والمرافقين بالأسلحة الرشاشة".
لكن العملة ألغيت خوفا من ردة الفعل العنيفة من الرباط تجاه طرابلس، وأيضا بسبب عقد صفقات سياسية وأمنية بين النظامين حينها، أبرزها كانت صفقة تسليم المغرب الضابط الليبي عمر المحيشي الذي كان يقيم بالبلاد، والذي شارك في محاولة انقلابية فاشلة في عام 1975 ضد نظام القذافي.
تراجع الدعم الليبي للبوليساريو
بعد ذلك بدأت العلاقات بين ليبيا وجبهة البوليساريو تشهد بعض الفتور، رغم أن القذافي لم يسحب اعترافه بـ"الجمهورية الصحراوية"، وأصبحت المساعدات الليبية للجبهة الانفصالية قليلة وضئيلة.
وكان الحدث الوحيد الذي استفز المغاربة منذ ذلك الوقت هو استقبال القذافي زعيم البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز خلال احتفالات "ثورة الفاتح" في شهر شتنبر من سنة 2009.
لكن اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي للجماهيرية الليبية أصدرت بيانا آنذاك فسرت فيه ملابسات استقبال محمد عبد العزيز على اعتبار أن تواجده:
"كان بمناسبة المشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بمدينة طرابلس في 31 غشت 2009، الخاصة بفض النزاعات باعتبار الجمهورية الصحراوية عضوا في الاتحاد الإفريقي، ولم يكن مدعوا للاحتفالات رغم إبدائه رغبة في ذلك في حال وجهت له دعوة بهذا الشأن؛ حيث إن الدول التي دعيت للمشاركة تمت دعوتها للمشاركة بوفود رسمية تضم رؤساءها أو من يمثلهم ووحدة عسكرية وفرقة فنية، وهو ما لم يحدث بالنسبة للجمهورية الصحراوية، وقد جاء ذلك التزاما منا بالضمانات المقدمة للأشقاء في المملكة المغربية".
وجاء في البيان أنه "لا وجود لأية أبعاد سياسية في هذا الخصوص، وهي تعبر عن حرصها الشديد على استمرار وتدعيم وترسيخ العلاقات الأخوية والإستراتيجية بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات".
البوليساريو وقمع الثورة الليبية
وفي شهر فبراير من سنة 2011، وصلت رياح الربيع العربي إلى ليبيا وعمت الاحتجاجات المدن الليبية، وتحولت هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة بين أنصار القذافي ومعارضيه، وتناقلت وكالات أنباء دولية خبر تورط البوليساريو في قمع الثورة، وهو ما نقلته مؤسسة "هيودسن" التي أفادت بأن:
"الثوار الليبيين اعتقلوا نحو 556 مقاتلاً من جبهة البوليساريو"، موضحة أن القذافي قد "دعم البوليساريو ضد المغرب ماليًا ولوجستيا منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، واختير أكثر من مائتي مقاتل من الجبهة مدربين بشكل جيد على مهارات حرب العصابات بناء على طلب القذافي وتم تسليحهم برشاشات كلاشينكوف والقنابل اليدوية وقاذفات الصواريخ وأرسلوا بسيارات الدفع الرباعي إلى ليبيا".
وهو ما أكده أيضا علي الريشي وزير الهجرة الليبي السابق الذي انضم إلى الثوار في تصريح له لقناة "المهاجر" التي تتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرا لها حيث قال إن "مرتزقة البوليساريو كانوا يقاتلون إلى جانب قوات نظام القذافي ضد الشعب الليبي".
وجاء في صحيفة "تيليغراف" البريطانية نقلا عن موظفين سامين بحلف شمال الأطلسي أن القذافي صرف ما مقداره 3.5 مليون دولار من أجل استقدام المئات من المرتزقة من شمال إفريقيا، بقيمة 10 آلاف دولار لكل واحد طيلة شهرين، وأن أغلب أولئك المرتزقة كانوا من صحراويي الصحراء الغربية.
سحب الاعتراف بـ"جمهورية البوليساريو"
أسس معارضو القذافي مجلسا ثوريا، وأثناء اشتداد القتال مع كتائب القذافي، خرج المجلس بتصريحات، تدعم "مغربية الصحراء" وترفض الاعتراف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية"، وقال أبو القاسم علي مبعوث المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى المغرب في تصريح صحافي "لن تبقى ليبيا طرفًا داعمًا لجبهة البوليساريو ما بعد نظام العقيد معمر القذافي، بل ستدعم الوحدة الترابية للمملكة".
وفي 20 أكتوبر من سنة 2011 قتل القذافي بعد أسره من قبل معارضيه في مدينة سرت رفقة وزير دفاعه وحراس شخصيين إثر هروبهم من غارة للناتو يعتقد أنها من قوات فرنسية استهدفت قافلة مكونة من عدة سيارات. وقتل معه أبو بكر يونس وزير دفاعه وابنه المعتصم.
وفي 16 يوليوز من سنة 2012، أعلن صناع القرار الجدد في طرابلس سحب اعترافهم رسميا بـ"الجمهورية العربية الصحراوية"، لتفقد بذلك جبهة البوليساريو أحد أبرز داعميها في القارة الإفريقية.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار