الأنشطة الملكية

حينما حاول الحسن الثاني إقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت

جريدة البديل السياسي :

في بداية شهر غشت من سنة 1990 قام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزو الكويت، وحاول العاهل المغربي الحسن الثاني إقناعه بإعادة جنود بلاده إلى ما وراء الحدود، غير أنه فشل في ذلك. وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة العديد من الدول من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.

صدام حسين والملك الحسن الثاني

في اليوم الثاني من شهر غشت من سنة 1990، بدأت القوات العراقية تجتاح الكويت، وماهي إلا ساعات حتى وصلت إلى قلب العاصمة الكويت دون مقاومة، وفر أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى المملكة العربية السعودية.

وقبل الغزو اتهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الكويت بسرقة النفط العراقي بحقل الرميلة الواقع على الحدود بين البلدين، كما اتهمها في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، في شهر ماي من سنة 1990، بالإفراط في تزويد السوق العالمي بالنفط مما تسبب بانخفاض الأسعار في الأسواق العالمية، علما أن العراق كان ينوي أن يسدد الديون المتراكمة عليه نتيجة دخوله في حرب طويلة مع إيران.

وفي الرابع من شهر غشت من سنة 1990، كان الجيش العراقي يسيطر على مجموع التراب الكويتي، وقام صدام حسين بتشكيل حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين تحت مسمى جمهورية الكويت، ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 غشت 1990، ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في العاصمة الكويت.

بالمقابل تشكلت في الطائف بالمملكة العربية السعودية الحكومة الكويتية في المنفى حيث تواجد أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح والعديد من الوزراء وأفراد القوات المسلحة الكويتية.

وانقسمت الدول العربية حول كيفية التعامل مع الغزو العراقي للكويت، فبينما كانت ترى دول الخليج العربي أنه يجب ردع النظام العراقي لكيلا يغامر بغزو دولة أخرى، رأت دول أخرى كالأردن وفلسطين أن القضية هي قضية عربية ولا مجال للتدخل الأجنبي، بينما حاولت بعض الدول ومن بينها المغرب التركيز على الجهود الدبلوماسية من أجل إنهاء الأزمة.

الحسن الثاني يخاطب العرب

وجدت الأزمة بين العراق والكويت صدى لها لدى صناع القرار في الرباط، فبعد إقدام صدام حسين على تحريك جيشه جنوبا باتجاه الكويت، ألقى العاهل المغربي الحسن الثاني خطابا، دعا فيه إلى البحث عن حل سلمي للأزمة دون اللجوء إلى الحرب.

وقال إن “الحرب المقيتة المبغوضة بين العرب هي الآن قد قرب أوانها بل أصبحنا نسمع دقات طبولها”، وتابع “أذكر جميع الإخوان والأشقاء من الملوك والرؤساء والأمراء، كما أتوجه إلى جميع أفراد أسرتنا العربية في جميع مشارق الأرض ومغاربها لأقول لها، منذ أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر ما من أحد لا يفكر من الصباح إلى المساء وحتى بالليل في العراك الموجود في الشرق الأوسط، وبالأخص على ضفاف الخليج”.

وتابع “الكويت يقول إنه مظلوم وهو بالفعل مظلوم لأن أرضه محتلة، والعراق يقول إنه مظلوم وإن الكويت طيلة الحرب العراقية الإيرانية لم تكن بمواقفها الظاهرة أو الخفية في مستوى التجاوب والتعامل.. لكن حين تقوم هذه الفتنة أين هو الظالم وأين هو المظلوم”.

وطالب بإعطاء فرصة أخيرة “للسلم والتعقل” ودعا إلى عقد قمة عربية “استثنائية” و”مصيرية”، “لتصفية الأجواء والبحث عن حل”، وأكد أن المغرب مستعد في ظرف لا يتعدى أسبوع لتنظيم هذه القمة.

وفي 15 غشت من سنة 1990، عقدت قمة عربية في العاصمة المصرية القاهرة، وتغيب عدد من قادة الدول العربية عن الاجتماع، وأدانت القمة “العدوان” العراقي على الكويت، وطالبته بسحب قواته منها، كما تقرر بناء على طلب من السعودية، إرسال قوة عربية مشتركة إلى الخليج العربي.

الحسن الثاني ونصائحه لصدام

وكان الحسن الثاني شديد الاهتمام بما يقع في الخليج العربي، وفي خطابه لافتتاح السنة التشريعية 1990-1991، الذي ألقاه يوم 10 أكتوبر 1990 أمام أعضاء البرلمان، ركز على ما كان يجري بين العراق وجيرانه.

وأكد في خطابه أن المغرب ليس منحازا لا للعراق ولا للكويت وقال “المغرب لا ينحاز لهذا ولا لذاك، إن المغرب يتفهم مشاكل العراق ويتفهم مطالب العراق، ولكن المغرب كما كان دائما لا يعتبر أن اكتساح السيادات أو استعمال القوة من شأنه أن يكون منبعا لأي حل سياسي دائم”.

ووجه كلامه للرئيس العراقي صدام حسين قائلا “فمن هنا أقول لصديقي فخامة الرئيس صدام حسين لا تنس أن الكويت والعراق والمنطقة التي يقعان فيها يمثلون تقريبا ثلثي احتياطات الطاقة في العالم، وهذا يجب أن يعلمه، فهداك الله أخرج من هذه الورطة من باب واسع، ومن باب الشرف”.

وكان صدام حسين يربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، وهو ما رد عليه الحسن الثاني قائلا “ها أنت قد ربطت بين المشكلة وبين مصير القضية العربية الإسرائيلية، ويكفيك أن الضمير العالمي قد استيقظ”.

وواصل حديثه قائلا “أما إذا أنت ربطت زمنيا يا أخي صدام خروجك في الكويت بحل المشكلة العربية الإسرائيلية فستكون قد أقبرت القضية العربية الإسرائيلية إلى ما لا نهاية”.

وتوقع الحسن الثاني في خطابه انهزام الجيش العراقي في حال وقوع حرب، وقال “هذا شي أراه أمامي كأنه اليوم، وبعد الاستسلام ستصبح حماية دولية على العراق بكيفية أو بأخرى”.

كما توقع استمرار تأثير الأزمة لسنوات في المنطقة في حال وقع الحرب وقال “أما الدول العربية فأخشى أن تبقى تؤرخ بما قبل غشت وما بعد غشت بالعقود، إما بعشرين وإما بثلاثين سنة وهذا يرجع بنا إلى مشاكلنا في الداخل”.

جهود دبلوماسية مغربية

وأرسل الحسن الثاني مبعوثا للرئيس العراقي صدام حسين في محاولة منه لتطويق الأزمة غير أن هذه الخطوة لم تؤد إلى نتيجة، وبعد ذلك وجه العاهل الأردني الراحل الملك حسين باسمه واسم الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد وباسم الحسن الثاني إلى صدّام حسين رسالة يدعوه فيها إلى الانسحاب من الكويت، غير أنه لم يستجب.

وفي 17 يناير 1990، بدأ تحالف دولي مشكل من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بتوجيه ضربات جوية إلى العراق بعد أخذ الإذن من الأمم المتحدة كعملية أولى لتحرير الكويت. ورغم ذلك لم تتوقف مجهودات الحسن الثاني الدبلوماسية لوقف الحرب وانسحاب العراق من الكويت.

ففي 20 يناير 1991، بحث الملك الحين الثاني في اتصال هاتفي مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سبل إيجاد حل للأزمة.

وفي بداية شهر فبراير من سنة 1991 زار نائب رئيس الوزراء العراقي المغرب، ودعا المملكة إلى سحب القوات المغربية من السعودية، غير أن المغرب رد بالقول إن مهمة القوات المغربية تتمثل في الدفاع عن أراضي دولة شقيقة، ولا تخضع لقوات التحالف.

وقال الملك الحسن الثاني في خطاب ألقاه بداية شهر فبراير إن المغرب ملتزم بالوقوف مع المملكة العربية السعودية، وأضاف أنه لن يسمح لأحد بالتدخل في موضوع الجيش، داعيا العراق إلى الانسحاب من الكويت.

وبعد اشتداد الحرب التي شنها التحالف الدولي على العراق، اقترح العراق الانسحاب المشروط من الكويت، وعلق الحسن الثاني على مبادرة صدام حسين قائلا “إن العرض العراقي خطوة إيجابية، على الطريق إلى سلام عادل في المنطقة. وإن التسوية السلمية، يجب أن تكون دائمة، وأن تقوم على أساس المحافظة على كرامة الشعب العراقي، لا إذلاله، ومراعاة سلامة أراضيه”.

لكن تم رفض الشروط العراقية، وفي 24 فبراير بدأ الهجوم البري لتحرير الكويت وبدأت قوات التحالف الدولي في التوغل داخل الأراضي العراقية والكويتية، في اليوم الموالي أعلن العراق موافقته على كل شروط الانسحاب، وفي 27 فبراير أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وقف إطلاق النار وتحرير الكويت.

وفي 3 أبريل 1991 صدر قرار مجلس الأمن رقم 687 القاضي بوقف رسمي لإطلاق النار بعد حرب “تحرير الكويت” وبتدمير “أسلحة الدمار الشامل” العراقية، وإنشاء صندوق خاص بتعويضات المتضررين من غزو الكويت.

وفي الثالث من شهر مارس من سنة 1991، وبمناسبة عيد العرش عاد الملك الحسن الثاني للحديث عن حرب الخليج، وقال “عندما انتهى إلينا خير هذا النزاع صبيحة يوم ثاني غشت، ونبأ احتلال العراق للكويت، بادرنا إلى الإفصاح عن رأينا، وإعلان موقفنا بالتنديد جهارا بالاحتلال، لأنه للشرعية، ويمس بمشروعية دولة ذات سيادة، ويلغي وجودها”.

وأضاف “ظلت جميع مبادرتنا وغيرها من المحاولات المبذولة لإعادة الشرعية بالطرق السلمية دون جدوى، فأصبح من منظور القواعد التي يقوم عليها تنظيم العلاقات لا مناص من اندلاع الحرب”.

وفي نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر نونبر من سنة 1992 قام الملك الحسن الثاني بزيارة قادته إلى كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن ومصر وسوريا. وقدم “مجموعة افكار واقتراحات وتصورات” تتعلق بإحياء التضامن العربي ومحاولة ازالة “الشوائب والخلافات” في العلاقات العربية – العربية.

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار