حينما استقبل الملك الحسن الثانى شاه إيران محمد رضا بهلوى في مراكش
جاء الشاه إران إلى مدينة أسوان يوم 16 يناير1979، وخلالها تلقى المكالمة من الحسن الثانى، وحسب الإذاعى والإعلامى المغربى «محمد بن ددوش» فى كتابه «رحلة حياتى»: «هذا الكلام المؤثر من الملك الحسن الثانى هو الذى شجع الشاه على اختصار إقامته فى مصر، وطار يوم 22 يناير 1979 إلى مدينة مراكش حيث يقيم العاهل المغربى وقتئذ.
شكلت إقامة شاه إيران محمد رضا بهلوي في المغرب، غداة الإطاحة بنظامه الإمبراطوري، مرحلة حرجة بالنسبة للمملكة المغربية.
فقد كانت الإقامة مثار انتقادات كثيرة ومواقف معادية للمغرب، وبالضبط ضد الملك الحسن الثاني الذي سمح للشاه بالقدوم إلى المغرب مع كل ما يحيط بذلك من أخطار، في وقت كانت الثورة الإيرانية في مراحلها الأولى محل تقدير وإعجاب في كثير من عواصم العالم، وفي مقدمتها عواصم الدول العربية.
والحقيقة أن الحسن الثاني كان في موقف حرج يتنازعه واجب الضيافة المغربية العريقة من جهة، وواجب تجنيب البلاد والمؤسسة الملكية كل ما من شأنه أن يمس بهما من جهة أخرى.
عاش «بهلوى» فى مراكش قلق في الانتظار، ساعة تحديد مصير عرشه نهائيا، فبينما كانت الأوضاع تزداد اشتعالا فى إيران، كان أمله الحفاظ على عرشه والعودة إليه، كان المفروض أن يقضى خمسة أيام فقط فى «مراكش» لينتقل بعدها إلى أمريكا، لكن بعد وصوله مباشرة تسلم رسالة من زوج ابنته «أردشير زاهدى» سفير إيران فى واشنطن تفيد أن السلطات الأمريكية غيرت رأيها، وأنه لن يقابل بالترحاب، لذا فإنه من الأفضل له أن يبقى فى المغرب.
الرسالة التى تلقاها بهلوى من سفيره فى واشنطن سببت له خيبة أمل، وسببت حرجا لمضيفه «الحسن الثانى» فقد تظاهر الطلبة المغاربة ضد الشاه عند وصوله واستمروا فى ذلك، وبما كان للثورة الإسلامية من سحر خاص فى قلوب المسلمين أينما كانوا وقتئذ فإن وجود الشاه فى أي دولة إسلامية كان يشكل خطرا بالنسبة لحكومتها.
«أحس الشاه من نفسه بالحرج، ولكنه بعث إلى الملك الحسن الثانى يقول له: «ليس من المناسب أن أرحل الآن»، وذكر أسبابه بأنه على اتصال دائم بالحرس الملكى الاراني الذى ظل محتفظا بولائه له، ويتوقع طلبا بالعودة إلى طهران فى أي لحظة، ولو عاد من الولايات المتحدة فسيبدو الأمر كما لو كانت المخابرات الأمريكية هى التى رتبت لعودته، وسكت الملك الحسن على مضض، وهو ما تتسبب في مشاكل دبلوماسية للمغرب، ورغم صداقته مع الشاه كان العاهل المغربي حريصا على عدم قطع شعرة معاوية مع حكام طهران الجدد.
امتد بقاء «محمد رضا بهلوى» من خمسة أيام فى مراكش إلى نحو شهرين، كان ينتظر خلالها اللحظة التى يخرج فيها كى يلتئم شمل أسرته، وكان الباب موصودا أمام الاستمرار فى المغرب، أو السفر إلى أمريكا، ولم يجد أصدقاؤه «ديفيد روكفلر وهنرى كيسنجر» سوى المكسيك لتكون ملجأ له لكن ظهرت تعقيدات لم تكن متوقعة، حيث بادرت الحكومة الجديدة فى إيران بإلغاء جوازات السفر الإمبراطورية الزرقاء التى كان يحملها الشاه وأسرته أثناء رحلاتهم.
«أرادت السلطات المكسيكية أن تعرف أي جوازات سيسافرون بها، ولم يكن المغاربة على استعداد لتزويد الشاه وأسرته بجوازات سفر، لأن هذا يعنى أن كل الحاشية ستتوقع ذلك أيضا، وقد يستخدمونها للعودة إلى المغرب، وهذا شىء لم يكن الملك الحسن يرغب فيه»،
وفي 28 أبريل 1979، عين العاهل الراحل، عبد الهادي التازي سفيرا جديدا للمملكة المغربية في إيران، حيث عمل على إيصال رسالة للإيرانيين مفادها أن استقبال الشاه في المغرب كان لاعتبارات إنسانية بحثة، وليست له أي خلفيات سياسية أو دينية.
ولم يكن اختيار التازي لتمثيل المغرب بمحض الصدفة، ففي سنة 1978، التقى هذا الأخير في بغداد مع الخميني مرتين على الأقل، علما أن هذا الأخير كان يعيش في المنفى بمدينة النجف المقدسة عند اتباع المذهب الشيعي.
وفي أكتوبر 1978 أرسل حسن الثاني مستشاره عبد الهادي بوطالب إلى قم في إيران، وهو مكان مقدس آخر للشيعية الجعفرية، وذلك من أجل التحدث مع المرجع الشيعي محمد كاظم الحسيني الشريعتمداري .
في البداية، كُلف بوطالب بالتفاوض مع الخميني في العراق، لكن قرار صدام بترحيل هذا الأخير إلى باريس، أجبر المستشار الملكي على التوجه إلى مدينة قم.
ولم تكن المحاولات المغربية في التواصل مع المسؤولين الإيرانيين الجدد محصورة فقط عنذ السياسيين، بل رجال الدين المغاربة بدورهم حاولوا التواصل مع حكام طهران الجدد.
وفي فبراير 1979 بعث الأمين العام لرابطة العلماء المغاربة، عبد الله كنون، رسالة تهنئة إلى الخميني لنجاح ثورته.
وبالرغم من كل هاته المحاولات التي بادر بها الحسن الثاني، إلا أن في 27 فبراير 1980، اعترفت إيران بـ “الجمهورية الصحراوية”، التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد، وهو ما دفع المغرب إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.
وفي سنة 1982 أعلن الحسن الثاني “تكفير” الخميني بناء على فتوى استصدرها من فقهاء مغاربة.
وبعد سنتين من ذلك ستندلع احتجاجات شعبية في العديد من المدن المغربية، للمطالبة بتحسين ظروف العيش، وتدخلت السلطات المغربية بعنف، ما خلف سقوط العديد من القتلى والجرحى. آنذاك ألقى الحسن الثاني خطابا اتهم فيه إيران بالتحريض على الاحتجاجات.
ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين البلدين الكثير من التوترات السياسية، وصلت في الكثير من الأحيان إلى القطيعة.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار