حياة العمال وتجربتي مع بيئة العمل: بين الطموح والضغوط اليومية
بدر شاشا باحث – جريدة البديل السياسي
في عمل سابق، كان يُطلب منك أن تعمل على آلة، وفي نفس الوقت تعطي الشخص الآخر ما يحتاجه. وعندما يأتي، تقوم بتعبئتها له، وتنظف المكان، وتعمل على إنجاز صناديق النقل في نفس الوقت، وتجلب المواد التي تعمل بها، وتملأها، وتعمل في نفس الوقت، وتضع الشريط اللاصق.عندما يحضر مسؤول أو أصحاب المعمل، ترى المعمل نظيفاً، والتعامل جيد، والجميع في مكانه كتمثيل. وفي رحلة العمل داخل الشركات، قد يتوقع المرء أن الالتزام بالمهام الموكلة والالتزام بالأوقات كافٍ للنجاح وتحقيق الرضا، إلا أن واقع العمال يعكس صورةً مختلفة مليئة بالتحديات. فبيئة العمل في الشركات تحمل في طياتها مزيجاً من الضغوط النفسية والعلاقات المتوترة، وأحياناً شعوراً بعدم التقدير لما يُبذل من جهد.
العلاقات المهنية: صراعات خفية وتحديات يومية
داخل الشركة، تجد العلاقات بين العمال قد تكون مليئة بالتنافس، وأحياناً بالحسد والغيرة. فهناك من يراقبك من بعيد، وهناك من يسعى لنقل الكلام وتحريفه، ليظهر نفسه بمظهر أفضل أمام الإدارة. تجد العامل الجديد يدخل بيئةً تشعر فيها بأنّ كل حركة محسوبة، وكل تصرف مراقب. حيث البعض يظنّ أن دوره يتعدى كونه زميلاً إلى كونه مراقباً أو ناصحاً “غير مُرحب به“.
ولا يمكن إغفال وجود “العمال القدامى” الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الخبرة والسلطة داخل الشركة، هؤلاء يسعون للتحكم في كل صغيرة وكبيرة، ويعتقدون أن لهم الأحقية في توزيع المهام، وربما في فرض آرائهم بحجة الخبرة والأقدمية. وقد تجدهم يعمدون إلى توجيه أعمالهم الشخصية للآخرين بذريعة تقديم النصح أو التعليم، في حين يكون الهدف الحقيقي هو التهرب من المهام الصعبة.
الإدارة وضغط الإنتاجية
إضافةً إلى التحديات الاجتماعية، تأتي ضغوط الإدارة لتضيف ثقلاً آخر على العامل. المديرون يطلبون إنجاز الأعمال بسرعة وجودة عالية، وفي نفس الوقت، تجد مسؤول الجودة يقيم كل خطوة، ويبحث عن أدنى خطأ ليتخذ ملاحظات، وهذا كله يؤدي إلى زيادة التوتر لدى العامل. قد تجد نفسك مضطراً للتوفيق بين متطلبات الجودة العالية والتنفيذ السريع، وأنت مُحاط بعيون ترقب وتحاسب على كل تفصيل.
في كثير من الأحيان، يتعرض العامل لتوبيخ علني في حال تأخره أو أخطأ في مهمة، وكأن هذه الأخطاء كفيلة بإنهاء مسيرته. هذا النوع من النقد العلني يترك أثراً سلبياً ويجعل العامل يشعر بعدم التقدير، بل ويزيد من شعوره بالإحباط والانزعاج، حيث يصبح الإنجاز المطلوب وكأنه حِمل ثقيل يتعين عليه تحمله يومياً.
الضغط النفسي وتأثيره على حياة العامل
من الصعب على أي عامل تحمل ضغوط متواصلة داخل بيئة العمل دون أن يكون لذلك أثر على نفسيته. فالعمل في أجواء مليئة بالمنافسة السلبية، ووجود زملاء يسعون لإيقاعك في الخطأ، بالإضافة إلى مدير يتوقع منك أداءً مثالياً، كلها تؤدي إلى خلق بيئة من التوتر والضغط العصبي. هذه الضغوط تؤثر سلباً على القدرة على التحمل، وقد يجد العامل نفسه مشوش الذهن أو فاقداً للحماس، حيث يبدأ بالشعور وكأن كل شيء يتحول إلى روتين شاق بلا أفق أو تقدير.
نظام العمل والراتب: معادلة مرهقة وغير عادلة
يعمل العمال في كثير من الأحيان بنظام المناوبات المتغيرة، حيث تبدأ مناوبتهم من السادسة صباحاً حتى الثانية ظهراً، ومن الثانية ظهراً حتى العاشرة مساءً، ومن العاشرة مساءً حتى السادسة صباحاً. هذا الجدول المتقلب يعيق القدرة على تنظيم الحياة الشخصية ويؤثر سلباً على الصحة الجسدية والنفسية، فالتنقل بين هذه الفترات لا يتيح للعامل الفرصة للاستقرار أو النوم الكافي، مما يزيد من إرهاقه ويضعف تركيزه.
أما من الناحية المالية، فإن الراتب المحدد، والذي لا يتجاوز 2600 درهم شهرياً، لا يعكس المجهود المبذول. ففي ظل هذه الأجور المتدنية، يصبح من الصعب تغطية احتياجات الحياة الأساسية، فضلاً عن تحقيق أي طموحات أو توفير للمستقبل. هذا التفاوت بين الجهد المطلوب والعائد المالي يجعل العامل يشعر بظلم واضح، ويفرض عليه واقعاً محبطاً في استمرارية العمل وتحقيق الذات.
التحديات الاجتماعية وتأثيرها على الحياة اليومية
حياة العمل لا تنتهي بمجرد انتهاء الدوام؛ فالضغوط التي يتعرض لها العامل تؤثر بشكل مباشر على حياته الاجتماعية والنفسية. بعد يوم طويل مليء بالتوتر والتحديات، قد يجد العامل نفسه منهكاً وغير قادر على التفاعل الاجتماعي، ويصبح أقل اهتماماً بالتواصل مع أسرته أو أصدقائه. فالضغط النفسي المستمر والتحديات اليومية قد تؤدي إلى شعور بالعزلة، حيث يجد العامل نفسه بعيداً عن الاستمتاع بلحظات الراحة أو قضاء وقت مع المقربين.
الحاجة إلى تغيير حقيقي
إن حياة العامل في بيئة الشركات تعكس واقعاً مليئاً بالتحديات التي تستدعي الاهتمام والتحسين. إن الوصول إلى بيئة عمل أكثر إنسانية وتحقيق توازن بين الأداء المطلوب والحقوق الأساسية للعامل هو أمر ضروري. على الإدارة أن تتبنى سياسات تضمن للعاملين حقوقهم وتوفر لهم بيئة عمل داعمة ومشجعة، تتيح لهم تقديم أفضل ما لديهم دون أن يكون ذلك على حساب راحتهم النفسية وصحتهم الجسدية.
إن تحسين ظروف العمل، والحد من الضغوط النفسية، ومنح أجور عادلة، كلها خطوات تحتاج إليها الشركات لتحقيق الاستدامة والإنتاجية، وجعل حياة العمل تجربة إيجابية تلبي احتياجات العاملين وتحترم كرامتهم وطموحاتهم.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار