صوت المواطن

حكاية مسجدين / قصة قصيرة… ذ: عبد المجيد طعام

عبد المجيد طعام – جريدة البديل السياسي 
حكاية مسجدين / قصة قصيرة

 

في قرية صغيرة غنية بحقولها وضيعاتها، يوجد الحاج المعطي والحاج التوفيق … ورثا الأراضي الخصبة الواسعة عن الإستعمار … كان أبواهما من الخونة ومن أشد سكان القرية إخلاصا للمستعمر…

كان التنافس كبيرا بين الحاج المعطي والحاج التوفيق على الظفر بكرسي المجلس القروي ،كان القرويون يأكلون اللحم والفاكهة أيام الانتخابات … كانوا يأكلون لحم المرشحين معا ، وكان الفوز يحالف الحاج المعطي مرة ويحالف الحاج التوفيق مرة أخرى .

في الانتخابات الماضية بنى الحاج المعطي مسجدا لأهل القرية ، جنبهم مشقة المشي كيلومترات عديدة لأداء صلاتهم، لكنه رفض أن يبني مدرسة أو مستشفى ،ظل الأطفال يقطعون مسافة طويلة بين الوديان والجبال للوصول إلى المدرسة الوحيدة، وكانت الفتيات يجبرن على الانقطاع عن الدراسة في وقت مبكر، أما النساء فكن يلدن أطفالهن ،،أو يمتن في الطريق .

فرح القرويون بالمسجد …في صلاة الجمعة دعا الخطيب أن يطيل عمر السلطان و يساعد الحاج المعطي للانتصار على منافسه … استجاب الله لدعاء الإمام ،نجح الحاج المعطي في الانتخابات و أكل القرةيون لحما و خبزا وفاكهة، قبل الانتخابات وبعدها .

استشاط الحاج التوفيق غضبا ، لم يقبل الهزيمة … جمع مستشاريه ومتعاونيه ، أفتى عليه أقرب مقربيه بأن يوزع اللحم والخبز والفاكهة كل نهاية أسبوع لمدة خمس سنوات، وهي المدة التي تفصله عن الانتخابات القادمة. … فرح الإمام والقرويون ودعوا الله في المسجد أن يطيل عمر السلطان والحاج المعطي والحاج التوفيق …

عاشت القرية على إيقاع الانتخابات … عمت فيها البهجة ،واشتغل السكان بحزم وعزم وإخلاص في ضيعات الحاج المعطي والحاج التوفيق … تضاعفت المحاصيل وتكاثرت أموالهنا، واعتاد القرويون أن ينتظروا نهاية الأسبوع ليأكلوا لحما وخبزا وفاكهة.

انسابت السنوات الخمسة انسيابا مشبعا برائحة مرق اللحم ، لكن الأطفال استمروا يعانون للوصول إلى المدرسة ،واستمرت النساء يلدن على قارعة الطريق… كان القرةيون يحلمون بتوسيع المسجد فقط.

عزم الحاج التوفيق على الانتصار في الانتخابات ، جمع مستشاريه و إمام المسجد وطلب منهم المشورة … أشار عليه أحدهم بأن يوسع المسجد الموجود ويزينه بالثريات والسجاد التركي والمكيفات الهوائية ،لكن سرعان ما تم استبعاد هذا المقترح لأن المسجد يعرف باسم مسجد الحاج المعطي وسيظل كذلك …تداول المستشارون الكثير من الآراء إلى أن أخذ الكلمة عبد الجبار المعروف باسم ” الزئبق” اقترح على الحاج التوفيق أن يبني مسجدا كبيرا بمواصفات عصرية قبالة مسجد الحاج المعطي، سيقارن القرويون بين المسجدين ،وسيلاحظون أن مسجد الحاج التوفيق أكبر من مسجد الحاج المعطي ويتأكدون من أن الحاج التوفيق هو الأكبر وهو الأجدر بالفوز بكرسي رئاسة المجلس القروي ..

صفق الحاضرون على اقتراح “الزئبق” وأبدا الحاج التوفيق إعجابه بالاقتراح، فأمر متعاونين بأن ينطلقوا في تشييد المسجد في اليوم الموالي للاجتماع .

كان القرةيون يتابعون مراحل بناء المسجد وألسنتهم تلهج باسم الحاج التوفيق … كانوا ينتظرون نهاية الأشغال بلهفة كبيرة … كان الحاج التوفيق يكبر في عيونهم، كلما ارتفعت المئذنة وتجاوزت مئذنة الحاج المعطي .

قرر الحاج التوفيق ان يحتفل بافتتاح نسجده يوم الجمعة ظهرا … انتشر الخبر وامتلأ المسجد بالمصلين و قدم بعضهم من القرى المجاورة … هجر القرويون مسجد الحاج المعطي….بعد آذان صلاة ظهر الجمعة، وبعد أن تم حث المصلين على تجنب اللغو ، صعد الخطيب على المنبر شكر الله على كل نعمه وشكره على نعمة الإيمان التي تعم القرية … استشهد بالقرآن والحديث ورفع الحاج التوفيق إلى مقام الصحابة ،في الختام دعا مع السلطان والحاج التوفيق ونسي أن يذكر الحاج المعطي .خرج القرويون من المسجد تغمرهم الفرحة يتحدثون عن الزليج البلدي والنقش على الجبص والخشب والمكيفات الهوائية التي أنعشتهم في ذاك الصيف الملتهب .

حان موعد الانتخابات ،حصد الحاج التوفيق معظم الأصوات وتربع على كرسي رئاسة المجلس القروي … لم يعد يوزع لحما وخبزا وفاكهة كل نهاية أسبوع ، ضم أراضي خصبة جديدة لممتلكاته ، أوصل إليها مياه السد والكهرباء ،عطش القرويون وعم القربة الظلام الدامس .لم يرضخ الحاج المعطي للأمر الواقع جمع متعاونيه وقرر أن يبني مسجدا ثالثا أكبر من مسجد الحاج التوفيق تكون مئذنته عالية تجاور السحب .

وهكذا عاشت القرية ذات الضيعات الكبيرة على إيقاع التنافس بين الحاج المعطي والحاج التوفيق … بنيت المساجد تلو المساجد واعتاد السكان على انتظار موسم اللحم والخبز والفاكهة ،كما أبدع الإمام في اختراع الأدعية الطويلة المؤثرة في النفوس إلى درجة البكاء ،بينما ظلت الفتيات ينقطعن في وقت مبكر عن الدراسة ،وظل الفتيان يقطعون الوديان والجبال للوصول إلى المدرسة، واستمر الموت يحصد المرضى والنساء الحوامل ،و لم تتوقف ضيعات الحاج المعطي والحاج التوفيق عن التوسع، التهمت كل أراضي الفلاحين الصغار، واحتاجت إلى كل مياه السد .

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار