جريدة البديل السياسي بقلم الصحفي رشيد اخراز/ جرادة .
جرادة لم تنخدع ببريق الأضواء ولا بزخرفة المنصات. هي المدينةالوحيدة في المغرب التي وقف شبابها بشجاعة وقالوا: “لا لمهرجانات الغناء”، رافضين تبديد المال العام على سهرات عابرة، في وقت يموت فيه شبابها داخل آبار الساندريات كالذباب، وفي وقت يئن فيه أهلها تحت ثقل الفقر والتهميش والبطالة.
سكان جرادة لم يرفضوا الغناء لأنهم ضد الفرح، بل رفضوا الكذب الذي يُباع لهم على هيئة “تنشيط ثقافي”، بينما الحقيقة المرة أن المال الذي يُهدر على الفنانين والديكورات كان أجدر أن يُستثمر في بدائل اقتصادية، في مصانع، في مشاريع تشغيلية، في ماء شروب، في مستشفى يليق بكرامة البشر.
أي عار هذا أن ننفق الملايين على سهرات الرقص والغناء، بينما غزة اليوم تتضور جوعًا ويواجه أطفالها المجاعة والموت أمام صمت عالمي مخزٍ؟ أي عار أن نغني هنا على أنغام الطبول، فيما جراح الأمة تنزف هناك؟ جرادة لقّنت درسًا للجميع: الكرامة لا تُشترى بالأغاني، والتنمية لا تأتي من مكبرات الصوت، وإنما من العمل الجاد والعدالة الاجتماعية. لقد رفضت ساكنتها أن تبيع وهمًا اسمه “المهرجان”، وقالت بوضوح: “نحن لا نرقص على رفات أبنائنا، ولا نصفق على أشلاء غزة”
. إنه زمن السقوط الأخلاقي، وزمن المدن التي تصرخ طلبًا للعيش الكريم، بينما هناك من يريد تحويل أنينها إلى موسيقى. شباب جرادة لا يريد منصات غنائية ولا أضواء كاشفة، بل يريد بديلاً اقتصاديًا يحميه من موتٍ بطيء في أعماق “الساندريات”، حيث تُزهق الأرواح في صمت بعيدًا عن عدسات الكاميرات.
هذا الرفض لم يكن فقط موقفًا محليًا، بل رسالة وطنية تحمل الكثير من المعاني: جرادة قالت كلمتها بوضوح: “لا للغناء على جراحنا”.
فالفن الحقيقي هو ذاك الذي ينقذ إنسانًا من الهشاشة، ويعيد الأمل إلى شاب عاطل، ويضمن لقمة عيش كريم لأبٍ كابد سنوات تحت أنفاق الفحم. إنها صرخة مدينة ترفض أن تُختزل في مهرجان، وتطالب بحقها فيد ل العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
صرخة تجعلنا جميعًا نتساءل: ألسنا مخطئين حين نحتفي باللهو في زمن الألم؟
تعليقات
0