نهايات تراجيدية هكذا عاش كوميديون أضحكوا الملايين أيامهم الأخيرة
جريدة البديل السياسي
تنسحب الابتسامات وتصادر الضحكات في الأيام الأخيرة للكوميديين الذين زرعوا في حياة الشعوب الضحك وخلقوا في نفوسهم انفراجا في عز الأزمات.
حسن البصري:
في آخر أيامهم تنسحب البسمة وتحل تقاسيم الغضب والألم إلى أن يلقوا مصريهم، حتى أصبح المشهد مألوفا في كثير من دول العالم.
لا يوجد فنان في التاريخ استطاع أن يدخل البهجة والضحك في نفوس المشاهدين مثلما فعل الفنان شارلي شابلن، إذ كان أول نجم في تاريخ السينما الصامتة، دخل نفق الأزمات حين ارتبط بزيجات مثيرة للجدل ومر ببعض العلاقات التي جلبت عليه حالة من التعاسة والبؤس والاكتئاب. قضى شابلن أيامه الأخيرة في المحاكم وحين توفي تعرض جثمانه للسرقة من طرف شبكة نبش قبور المشاهير.
رغم أن هؤلاء الكوميديين كانوا سببا في نشر البسمة على شفاه الملايين، فإن نهاياتهم في الحياة كانت محزنة حد البكاء، فما من أحد كان يتوقع أن تنتهي حياة “ملوك الكوميديا” بتلك الطريقة التراجيدية المؤلمة. بين المرض والإفلاس والجحود والنكران انتهت حياة نجوم السخرية الذين نشروا السعادة وانتزعوا الضحك من دواخل الناس في كل أنحاء العالم.
لا يوجد فنان كوميدي تمتع بشهرته أو حب الناس لأعماله التي تجد التجاوب نفسه حتى لو عرضت يوميا، مثل الفنان المصري إسماعيل ياسين، لكن في نهاية مساره انحسرت الأضواء عنه، وتبعها المال والأصدقاء، حاصرته الهموم والديون، إلى أن لقي ربه مهموما مكسور الوجدان. ليس هو الوحيد في السينما المصرية فقد عاش كوميديون آخرون نفس النهايات المؤلمة، بل إن عبد السلام النابلسي مات محروما حتى من مصاريف جنازته.
في المغرب تموت الضحكات في دواخل مبدعيها، حين ينصرف عنهم أقرب المقربين، فيعيشون في سجن العزلة الانفرادية لا يغادرون بيوتهم خوفا من نظرات إشفاق قاتلة.
في الملف الأسبوعي لـ “الأخبار” نعيد ترتيب المشاهد الأخيرة من حياة فنانين أضحكوا الناس وماتوا مهمومين.
مصطفى الزعري.. مات حين توفي رفيق دربه
حين توفي رفيق دربه مصطفى الداسوكين، قال الزعري وهو يحضر مراسيم الدفن بالرغم من وضعه الصحي المتردي: “ساقني القدر لأزور المقبرة وكأنني سأحجز قبري، الموت يقترب منا ونقترب منه”. قال رفاقه: “عفوا الأعمار بيد الله”.
في أيامه الأخيرة عاش مصطفى الزعري تحت قلق المرض يتحمل الدواء الكيماوي على مضض، أدخل على وجه السرعة قبل أشهر للمستشفى العسكري بالرباط بعد تدهور حالته الصحية بسبب معاناته مع مرض السرطان. قبل أسابيع، أعيد إلى منزله بمدينة الدار البيضاء بعد خضوعه لحصص العلاج الكيميائي التي أرهقت جسده وتسببت في إضعاف مناعته وفقدانه للشهية، بل وكان يجد صعوبة في التكلم.
توفي الفنان الكوميدي مصطفى الزعري، عن عمر ناهز 79 عاما بعد صراع طويل مع مرض سرطان البروستات، لتسقط ورقة الثنائي الأسطوري “الداسوكين والزعري”.
حياة مصطفى الزعري تستحق أن نتوقف عندها، ولد في درب لوبيلا أحد أحياء المدينة القديمة للدار البيضاء، لكن والديه سرعان ما انتقلا للاستقرار في درب السلطان وتحديدا بدرب مارتيني وعمره لا يتجاوز ست سنوات. قضى مصطفى جمال الدين، وهذا هو اسمه الحقيقي، طفولته وشبابه في درب السلطان متنقلا بين درب مارتيني ودرب كارلوطي ودرب بوشنتوف، وعرف بلقب الزعري بحكم أصول والده المنتمي لمنطقة زعير. لكن لقب الزعري سرعان ما ضاع وسط ألقاب رافقته في طفولته وشبابه، حيث كان معروفا بلقب النمس لشقاوته. توفي والده مبكرا وعمره ثلاث سنوات وتكلفت والدته بتربيته، لكنها عانت الكثير من ألاعيب ابنها الذي عرف بمقالبه بين ساكنة درب السلطان وشغبه.
شاءت الظروف أن يلتقي مصطفى الزعري برفيق دربه الفني مصطفى الداسوكين في فضاء خيرية الدار البيضاء، التي كان مقرها خلال الخمسينيات من القرن الماضي في حي المشور وتحديدا بدرب بياضة، هناك اشتغلا في المصلحة التربوية لهذا المرفق الخيري من خلال الإشراف على البرنامج اليومي للنزلاء.
كانت مسرحية الحراز بداية أول خيوط علاقة طويلة بين مصطفى الزعري والفنانة رشيدة مشنوع، شاءت الأقدار أن تجمع المسرحية الطرفين وتنسج بينهما علاقة كان مسكها زواج. في أيامه الأخيرة وبعد اعتزال الفن اضطرت رشيدة بدورها إلى الاعتزال لتتحول إلى ممرضة مداومة.
مصطفى الداسوكين.. حين يأتي الموت بخطوات متثاقلة
بقدر ما أحزننا خبر وفاة الفنان الكوميدي مصطفى الداسوكين، بقدر ما حز في نفس الحاضرين الوضع الصحي لرفيق دربه الفني مصطفى الزعري، لأن القدر حكم على هذا الثنائي الذي انتزع منا الابتسامة بالإقامة الجبرية فوق سرير المرض.
الداسوكين الذي كان يوزع الابتسامة على المواطنين في زمن بالأبيض والأسود، تجرح المعاناة طفلا وكهلا.عاش حياة اليتم مبكرا، حيث فقد والده عن سن السابعة من العمر، فتطوع خاله لسد الفراغ العاطفي والمادي، وطرق باب خيرية المشور بالدار البيضاء بمباركة من والدته المكلومة. رحب المدير “سي الوزاني” بالفتى اليقظ وألحقه بفضاء الرعاية الاجتماعية، ومكنه من زيارة والدته في درب كرلوطي في نهاية كل أسبوع.
برز الطفل مصطفى داخل “الخيرية” واشتهر بقدرته الخارقة على تقليد المطربين المغاربة والمصريين، مع إجادة العزف بـ”لارمونيك”، فأصبح عنصرا أساسيا في دار الرعاية.
قضى مصطفى ست سنوات في المرفق الخيري وعاد إلى درب كرلوطي لاستكمال الشطر الثاني من طفولته بعيدا عن صوت “الزواكة” والاصطفاف في الطوابير. لكن ما أن اشتد عوده حتى تلقى دعوة التجنيد الإجباري، وفي الثكنة العسكرية استكمل بناء شخصيته.
كان عبور مصطفى قصيرا في وظيفة بقطاع البريد، إذ سرعان ما انتفض ضد صرامة التوقيت الإداري، وعاد إلى “الخيرية” منشطا تربويا وهنا سيكون اللقاء مع مصطفى الزعري وسينسجان أولى خيوط علاقة ستدوم عقودا، في عين الشق سيضعان مشروع الثنائي الساخر وسيقرران خوض المغامرة خارج أسوار المؤسسة.
عاش مصطفى شبابه بين عين الشق ودرب كرلوطي، في معقل الرجاويين سيعلن تمرده على الأعراف وسيعتنق ملة الوداد. قضى فترة طويلة مع رفيق طفولته اللاعب الدولي مصطفى شكري، وظل يحثه على تغيير القميص الأخضر بالأحمر.
شاءت الأقدار أن يعيش مصطفى الداسوكين تراجيديا الموت بكل تفاصيلها المرعبة، فقد فوجئ بالوفاة الغامضة لصديقه “بيتشو” حين كان محترفا في نادي الوحدة بمكة المكرمة، قبل أن يموت في حادث لازال يلفه الغموض.
اعتزل الداسوكين السخرية بعد وفاة صديقه، وحين وصل الجثمان إلى الدار البيضاء، انخرط في نوبة بكاء طفولي. منذ ذلك الحين قرر مقاطعة ملاعب الكرة حدادا على لاعب لا يخلف الميعاد مع سهرات الثنائي الداسوكين والزعري.
ظل الموت يتربص بالداسوكين، فقد شاءت الصدف مرة أخرى أن تموت والدة مصطفى إثر حادثة سير مما أثر في نفسيته وأدخله نفس الحداد المظلم، وهي التي كافحت من أجله حين تحالف عليهما الفقر واليتم.
كانت الفاجعة الثالثة ثابتة إذ تعرض ابنه الأكبر لحادثة سير مفجعة وهو على متن سيارة أجرة بمنطقة عين السبع بالدار البيضاء، حيث لقي حتفه في الحين نتيجة تهور سائق شاحنة.
مات الابن في حرب الطرقات حين كان والده بصدد إنجاز عمل تحسيسي حول الوقاية من حوادث السير، فصرف النظر عن التحسيس. وقبل أن يلتئم الجرح سترحل زوجته ويبقى الداسوكين في قبو الألم.
عبد الرؤوف.. مات غاضبا من رفض مشاريع أعماله
حين انتهت الاحتفالات بأعياد الميلاد سنة 2023، استفاق المغاربة على خبر رحيل الفنان عبد الرحيم التونسي، الملقب بعبد الرؤوف، عن سن يناهز 86 سنة، لم يصدق الكثيرون الخبر لسبب بسيط هو أن الرجل قتل مرات عديدة في وسائط التواصل الاجتماعي. لكن حين أكدت عائلة التونسي الخبر تبين أن موته حقيقي، وأن الساحة الفنية والثقافية المغربية قد فقدت واحدا من ألمع نجومها باعتباره كان رائد فن الفكاهة في المغرب وأحد التشكيليين الذين رسموا البسمة على وجوههم لسنين طويلة.
عاش عبد الرؤوف أيامه الأخيرة بين مختبرات التحليل والصيدليات ووقف في طوابير التعاضديات، بعد أن استبدل تقاسيم الفرح بالحزن. ظل الفنان يراوغ الحزن الذي يداهمه كلما تذكر رفض عدد من مشاريعه الفنية من طرف القنوات المغربية. ظل التوتر يطبع علاقة الفنان الساخر عبد الرحيم التونسي، مع الإذاعة والتلفزة، منذ أن دخلها وهو يمني النفس بالسير على خطى فنان كوميدي آخر لطالما أضحك المغرب، وهو محمد القدميري.
كان الفتى عبد الرؤوف يقف مشدوها أمام الممثلين الذين يؤدون أدوارا كوميدية، ويتساءل كيف ينجحون في التخلص من الخجل وهم في مواجهة الجمهور الذي تضحكه هذه الأدوار.
ولد عبد الرؤوف، في المدينة القديمة بالدار البيضاء، في فجر يوم الخميس 27 دجنبر 1936 بدرب سيدي فاتح. عاش اليتم وهو لازال طفلا في سن الثالثة من العمر، حيث فقد والدته مما أدخله في دوامة التيه رفقة ثلاث إخوته، مما دفع والده إلى البحث عن زوجة لتربية الأبناء الأربعة، إلا أن زوجة الأب ظلت تعامله بقسوة مما اضطره إلى مغادرة البيت على سبيل الإعارة ليقيم عند خالته المتزوجة من جزائري.
استلهم عبد الرحيم التونسي لقب عبد الرؤوف من أحد زملائه في المدرسة، والذي كان يحمل اسم عبد الرؤوف وعرف ببلادته في الفصل الدراسي والتي كانت تثير استفزاز المعلمين وتبعث روح السخرية في الفصل. إلا أن ملامح اللقب بدأت من عرض مسرحي قدمه في مدينة الجديدة سنة 1958 حيث لعب دور الشيخ، وحين عاد إلى الدار البيضاء اكتشف أن زميله مصطفى نسي لباس التمثيل الخاص به في سيارة عبد الرحيم التونسي، وهو لباس فضفاض يشد إليه الكبار والصغار، حينها قرر ربط شخصيته بهذا اللباس وتقديم دور الأبله تجسيدا لشخصية رفيق طفولته الذي كان يصنع السخرية في الفصل الدراسي.
تعرض عبد الرؤوف لمحن كثيرة في عهد الحماية، حيث اعتقل في أكثر من مناسبة، لكنه ظل قريبا من أفراد المقاومة، خاصة خلية المدينة القديمة، مما أدخله سجن “اغبيلة” بالدار البيضاء سنة 1954، رفقة مجموعة من الوطنيين. خصصت له مندوبية المقاومة تعويضا شهريا قدره 742 درهما لا يكفي لاقتناء علبة دواء.
باعزيزي.. فنان رضي بمهمة مقدم الحي
قضى بوجمعة أوجود، المعروف بـ”باعزيزي” أياما طويلة في غرفة العناية المركزة، كلما قيل إن وضعيته الصحية قد تحسنت إلا وعاودته الغيبوبة. في بداية شهر يناير من السنة الجارية توفي الفنان المغربي عن سن السبعين من عمره، إثر صراع مع المرض في إحدى المصحات الخاصة بالدار البيضاء، حيث كان يعاني من جلطة دماغية وارتفاع كبير في الضغط، ينتظر استجابته للعلاج حتى يتمكن من الحسم في وضعيته الصحية.
أفصحت نجلة الفقيد عن تدهور الوضع الصحي لوالدها، بعد أن عاش بين المصحات ووصفات العلاج، بالرغم من اعتزاله الكوميديا في أيامه الأخيرة، وأصبح مجرد “معد للشاي” في كثير من السهرات.
ولد بوجمعة أوجود سنة 1940 بالدار البيضاء وتحديدا في المدينة القديمة درب بن حمان، من والد جاء إلى الدار البيضاء من منطقة حاحا بإقليم الصويرة. انقطع أوجود عن الدراسة مبكرا ووجد نفسه عن عمر الـ14 سنة منخرطا في الفرق المسرحية حيث كان يؤدي دور الخادم الذي التصق به لفترة طويلة حيث نال لقب “عزيزي”. في سنة 1953 في عز الاحتقان الشعبي، ظهر الفتى الأسمر مع فرقة بوشعيب رصاد في عرض تابعه أبناء المدينة القديمة في درب عرصة السطيحات، بجانب المقبرة الإسرائيلية، حيث تقمص دور الخادم، ليتحول إلى ممثل أساسي في فرقة البشير لعلج، ومنها عبر نحو التمثيل الإذاعي في أولى بداياته، مقابل 300 ريال عن كل مشاركة، وهو أول راتب يتقاضاه من الفن.
حين كان عمر بوجمعة 18 سنة، استفاد الشاب قوي البنية من عملية زفاف جماعي أطلقها الملك الراحل محمد الخامس بعد استقلال المغرب، إذ أنعم على أربعين زوجا بنفقة العرس، وتحمل جميع صوائر الزفاف الجماعي الذي شارك فيه بسطاء من الشعب المغربي.
حين عاد بوجمعة أوجود من الصحراء بعد مشاركته في المسيرة الخضراء سنة 1976، حظي إلى جانب عدد من المشاركين باستقبال في مقر عمالة الدار البيضاء، وفي أعقابه اقترح عليه مولاي مصطفى العلوي العامل السابق للمدينة أن يعمل ضمن أعوان السلطة، فرحب بوجمعة بالفكرة قبل أن يكتشف بأن المهمة التي أسندت إليه ستحوله من فنان إلى مقدم للحي، وسلمته العمالة دراجة نارية تعينه على تنقلاته من المقاطعة إلى مختلف دروب الحي.
نور الدين بكر.. عاش صامتا شهرين قبل رحيله
في شهر شتنبر 2022، فجع المجتمع الفني بوفاة الممثل الكوميدي نور الدين بكر، بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان الحنجرة. قال زميله محمد الخياري في تدوينة إن بكر كان خلال الفترة الأخيرة طريح الفراش، حيث إنه لم يعد يقوى على الكلام بسبب المرض. “كان يتواصل مع صديقه نور الدين بكر عن طريق النظرات فقط. بالرغم من شقائه وألمه فقد كانت آخر أعمال نور الدين بكر، سيتكوم “زنقة السعادة”، خلال شهر رمضان، حين جسد دور “شخص مريض”، علما أن إشاعة وفاة الفنان نور الدين بكر قد لاحقته طيلة الشهور الأخيرة، إلى أن أسلم الروح بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
اشتهر نور الدين بكر بأدواره الكوميدية مع فرقة مسرح الحي التي قدم معها أفضل المسرحيات، من بينها “شرح ملح” و”حب وتبن” سنة 1998، بالإضافة إلى مسلسلات عدة، أشهرها مسلسل “سرب الحمام” سنة 1998 ومجموعة من السيتكومات والمسرحيات.
نور الدين بكر ممثل مغربي من مواليد الدار البيضاء سنة 1952 من عائلة أمازيغية سوسية، نشأ وترعرع بشارع الفداء بحي درب السلطان بالبيضاء، دخل عالم التمثيل في سن مبكر لا يتعدى عشر سنوات، ولعه بالفن ازداد مع تواجد بيت الأسرة بجانب سينما الكواكب، فبدايته الفنية كانت سنة 1967 بمسرح الهواة ”الأخوة العربية” المتواجد بدرب السلطان والذي كان يشرف عليه الفنان الراحل عبد العظيم الشناوي، إلا أن مدرسته الحقيقية الأولى كانت هي مسرح الطيب الصديقي الذي تعلم منه الكثير.
ويعتبر نور الدين بكر من بين أفضل الكوميديين المغاربة حيث عاش أفضل فترات مشواره الفني في فترة التسعينات مع فرقة مسرح الحي التي قدم معها أفضل المسرحيات والتي اعتبرت الأفضل في تلك الفترة.
كانت لنور الدين بكر تجربة كبيرة في السينما والتلفزيون حيث قدم العديد من الأعمال الناجحة نذكر منها فيلم “الزفت”، فيلم “عباس اوجحا لم يمت”، مسلسل “سرب الحمام”، مسلسل “السراب”، مسلسل “المصابون”، سيتكوم “الهاربان”، سيتكوم “عنداك اميلود”، سيتكوم “طالع هابط”، مسلسل “مقطوع من شجرة”، فيلم “سطاجيير”، فيلم “غرام وانتقام”، فيلم “عمي”، فيلم “براكاج بالمغربية”، فيلم “الكونجي”…. وغيرها من الأعمال التلفزيونية والسينمائية الناجحة.
بلقاس ولوزير.. ختامه محن
منذ ولادته سنة 1932، ظل عبد الجبار لوزير يبحث يمينا ويسارا عن كسرة خبز، اشتغل ضمن فيلق للقوات المساعدة بمراكش، وعرج على دكاكين الصناعة التقليدية، وتحديدا في صناعة الحقائب التقليدية، “شكايري”، كما التحق بفريق الكوكب المراكشي لكرة القدم إبان تأسيسه سنة 1947، حيث لعب في مركز حراسة المرمى بفريق الشبان، وانضم إلى المقاومة ضمن خلية حمان الفطواكي، لكنه عثر على ضالته فوق خشبة المسرح.
رغم الداء وتنكر الأصدقاء، كان عبد الجبار الوزير (1928) يجابه مصيره بحس دعابة. هكذا عاش “شيخ المسرح المغربي”، رغم أن الأطباء اضطروا لإجراء عملية جراحية لبتر ساقه اليسرى في أحد مستشفيات مدينة مراكش. عملية جاءت للحد من آلام جراء إصابته بفشل كلوي حاد، وارتفاع في ضغط الدم، والتهاب البروستات، مع ارتفاع السكري، ما أفقده إحدى عينيه.
على غرار باقي الفنانين، انتشرت شائعة وفاة الممثل المغربي، قبل أن تكذب عائلته والمقربون منه الخبر. الممثل الفكاهي الذي أضحك الملايين من المغاربة رغم تقدمه في السن، ظل حيا صامدا يصارع المرض وحيدا، عاريا من دعم المسؤولين الحكوميين الذين لا يهمهم سوى التقاط صورة للاستهلاك الإعلامي.
في شتنبر 2020، لفظ الفنان المغربي عبد الجبار الوزير، أنفاسه الأخيرة، بعد معاناة من المرض الذي أدخله مرارا إلى المصحات الطبية من أجل الاستشفاء، كان آخرها بداية شهر يوليوز الماضي، عانى من مرض السكري المزمن الذي أصاب كليته، كما كان يعاني من أمراض الشيخوخة بسبب تقدمه في السن.
استمد عبد الجبار روح النكتة من قصة حياة عجيبة. لقد مر بتجارب مهنية عدة جمع فيها ما لا يجمع. لعب كحارس مرمى في فريق كرة القدم المحلي لمدينة مراكش (الكوكب المراكشي)، كما اشتغل في القوات المساعدة إلى جانب عمله في المسرح. هكذا ستكون بداياته المسرحية في أربعينيات القرن الماضي مع فرقة “الأطلس”، وتحديداً في مسرحية “الفاطمي والضاوية” التي منعتها سلطات الاستعمار الفرنسي لأكثر من ثلاث سنوات قبل منحها الترخيص. قضى أربع سنوات في صفوف “القوات المساعدة المغربية” قبل أن يتفرغ للمسرح والفن بشكل نهائي في بداية الستينيات، ويشكل مع رفيق دربه الراحل محمد بلقاس من خلال فرقة “الوفاء المراكشية”، ثنائيا يصعب تكراره في تاريخ الخشبة المغربية. شارك الوزير أيضاً في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي خلدت في الذاكرة الفنية المغربية من قبيل رائعة “الحراز” و”سيدي قدور العلمي” و”الزواج بالحيلة” و”حلاق درب الفقرا” و”دار الورثة” وغيرها من الأعمال التي أهدى فيها الوزير الكثير من اللحظات الجميلة إلى الشعب المغربي.
بعدما أمضى أكثر من ستة عقود في إضحاك المغاربة ببساطته وعفويته، ظل عبد الجبار الوزير يصارع وحده المرض الذي تكالب عليه في نهاية العمر.
قبله بسنوات مات رفيق دربه محمد بلقاس إثر مرض في شرايين القلب كان يعاني منه منذ سنوات، توفي عن عمر تجاوز السبعين عاما، من الرعيل الأول للمسرحيين المغاربة الذين أسسوا لفن الكوميديا مع نهاية الأربعينات من القرن الماضي صحبة الفنان عبد الجبار لوزير وبوشعيب البيضاوي والبشير لعلج وعبد الواحد العلوي وغيرهم.
كان آخر عمل مسرحي أداه الفنان الراحل بلقاس، هو مسرحية “عباس وبلقاس في لاس فيجاس” التي لعب فيها دور البطولة إلى جانب النجم الكوميدي المصري وحيد سيف. لكن للأسف فئة قليلة من الجيل الحالي من تعرفه، غير من عاصروه أو تتلمذوا على يديه.
محمد اليابوري.. مات وهو يحلم بامتلاك كرسي كهربائي متحرك
عانى الممثل الكوميدي محمد اليابوري طويلا مع المرض والإهمال، تعايش على امتداد 15 سنة مع الآلام، وظل يعاني من تحالف الفقر والتهميش من طرف المسؤولين والساهرين على الشأن الفني والثقافي في المغرب.
في عام 1996، بدأت أعراض المرض تظهر على الفنان اليابوري الذي بدأ يعتذر عن المشاركة في بعض المسرحيات الهزلية، خاصة وأنه كان من العناصر الأساسية في فرقة عبد الرحيم التونسي المعروف بلقب عبد الرؤوف.
اعتقد اليابوري أن مرض الروماتيزم يتربص به، وحين عرض نفسه على طبيب مختص كشف له عن إصابته بالفتق، عاد الرجل إلى بيته بحي سباتة درب قصر البحر يجر أذيال الخيبة وهو يتصفح وصفة دواء بدا عاجزا عن اقتنائها لاسيما في عز بطالته الناتجة عن مرض حال بينه وبين التمثيل.
اضطر للخضوع لعمليتين جراحيتين الأولى من أجل وقف آلآم داء الفتق، والثانية لتصحيح النظر بعد أن تعرضت عيناه لغشاء حجب عنه الرؤية، تحمل أشقاؤه نفقات العمليتين الجراحيتين، وما أن تماثل للشفاء حتى عاوده المرض من جديد وأصبح يتردد على المصحات الخصوصية والمستشفيات العمومية بعد أن أعلن لظروف صحية قاهرة القطيعة مع التمثيل والفكاهة خاصة وأن الأحزان سيطرت على الأفراح.
يحكي الفنان اليابوري جزءا من معاناته في منتدى الفنان حفيظ الخطيب الذي سلط فيه الضوء على محنة كثير من الفنانين: “ذات يوم اتصل بي الممثل عمر شنبوط وأشعرني بضرورة الاتصال بالصحافية نسيمة الحر، قصد عرض مأساتي في برنامج “بصراحة” على القناة الثانية، وحين التقيتها عرضت علي الاتصال بطبيب مختص في الجهاز العصبي بعد أن لاحظت أنني أعيش شبه شلل نصفي، استقبلني الطبيب وأخضعني لفحص مغناطيسي الذي أكد على ضرورة إجراء عملية جراحية ثالثة على مستوى الجهاز العصبي”.
حاول البحث عن مساعدات مالية لتسديد نفقات العلاج، لكنه عجز عن تدبير الأمر، فلجأ للمحسنين ولأشقائه الذين قاموا باكتتاب من أجل إجراء عملية باتت ضرورية بعد أن أصيب بشلل نصفي وأصبح يجد صعوبة في النطق.
على الرغم من خضوعه للجراحة إلا أن الوضع لم يزد إلا تدهورا، ما جعله عاجزا عن المشي، حيث كان يعتمد على أبناء الحي لمرافقته إلى المقهى، لذا التمس من القائمين على الشأن الفني تمكينه من كرسي كهربائي متحرك يساعده على الخروج من البيت، لكن نداءاته لم تجد صداها.
بالعودة إلى مسار اليابوري فإن هناك شبه إجماع على أن الرجل الذي أضحك المغاربة وانتزع الابتسامة منهم، كان قدره أن يعيش تعيسا يداري وحدة وقساوة الجحود. لكن بالمقابل هناك إجماع على قدرة الرجل على ارتجال أدواره وامتلاك سرعة البديهة.
فالرجل الذي قدم العديد من الأعمال الفنية الكوميدية بسخاء، وأسعد مغاربة المهجر في أكثر من جولة فنية بأوروبا، وساهم في التخفيف عن الجنود المغاربة في الجنوب مباشرة بعد استرجاع الصحراء، وجد نفسه في آخر أيامه تحت خط الفقر إلى أن رحل إلى دار البقاء عاجزا عن الحركة والكلام، بعد أن ظل ينتظر كرسيا متحركا دون جدوى.
فلتة لسان تقتل الفنان الساخر لحبيب القدميري
ولد الحبيب القدميري عام 1902 في بيت بسيط بدرب الخدامة في المدينة القديمة للدار البيضاء، وبالضبط في زنقة سيدي فاتح. كان والده ينحدر من قبيلة القدامرة بالشاوية ويرتبط بأصول صوفية مع ذرية الولي الصالح سيدي اعمر القدميري.
عاش وهو طفل صغير رعب الغارة الفرنسية على الدار البيضاء، فاضطر إلى الهروب بعيدا عن المدينة إلى أن توقف القصف القادم من بارجة فرنسية، نجا الولد من الموت بعد أن تحطمت بيوت عديدة في المدينة العتيقة، وتبين أن عمرا جديدا كتب للناجين.
ظل الولد حريصا على توزيع الابتسامة على أقرانه في الحي وأمام دور السينما وهو يبيع تذاكر ولوج قاعتي سينما فوكس والمامونية، كانت بنيته الجسدية القوية تحفزه على ممارسة الرياضة كحارس مرمى لفريق الحي، علما أنه كان عاشقا للفريق الأحمر عند تأسيه على غرار العديد من أقرانه في المدينة القديمة.
دعي الرجل لتقديم وصلاته في الإذاعة الجهوية للدار البيضاء، والتي كان مقرها خلف المسرح البلدي غير بعيد عن قصر العمالة، فانتشر صيته في مجال الفكاهة وأضحى واحدا من أوائل رواد السخرية في المغرب، سيما أنه صقلها حين انضم لفرقة الكواكب بقيادة البشير لعلج، والتي كانت تنشط عادة في سينما فيردان وتضم في تشكيلتها كلا من لحبيب القدميري وبوشعيب البيضاوي والمفضل الحريزي وإدريس عباس وعزيزي أوجود وأحمد بريك ثم عمر عزيز، الذي كان يلعب دور اليافع، وكانت هذه المجموعة تجمع بين أكثر من لون فني الغناء والمسرح الجاد ثم الكوميديا.
لكن مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، عاشت البلاد تحت وقع الجرائم السياسية، وأصبحت التصفية الجسدية وجبة يومية بين مغاربة قاموا بإجلاء المستعمر دون أن يتمكنوا من إجلاء الضغائن والأحقاد.
في بداية صيف عام 1957، تعرض لحبيب القدميري لتهديد حقيقي من طرف مجهولين، تعقبوه وخططوا لقتله بوضع قنبلة في بيته، لكن القنبلة لم تنفجر وفق ما خطط له محترفو التصفيات الجسدية ودعاة الصوت الواحد والرأي الوحيد. حين علم لحبيب بفشل المحاولة سخر من واضعي القنبلة فازدادوا غيظا وشراسة وصمموا على تعقبه.
في نفس السنة، تم اختطاف لحبيب، وظل أفراد أسرته يبحثون عنه دون جدوى، بل إن أعضاء فرقته تجندوا بدورهم للبحث عن متغيب، قبل أن يعثروا عليه مقتولا بالقرب من شاطئ “مريزيقة” بالدار البيضاء، وسط أكوام من الجير وقد اخترقت جسده عيارات نارية.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار