صوت المواطن

تحليل لأبرز عوامل فشل الزواج مؤسساتي للأسرة المغربية

الكاتبة : حليمة صومعي- جريدة البجيل السياسي 

إن ظاهرة الطلاق بالمغرب أصبحت من أكبر المعضلات المجتمعية التي تهدد الترابط الأسري والاستقرار داخل المجتمع، خصوصا أنها تحولت إلى حالة فاقت جميع الأرقام منذ أجيال عديدة بل جعلت الكثير من الباحثين والمختصين يتساءلون عن السبب، سأتكلم عن شقين رئيسين:

*الأول حول أسباب الطلاق.

*الثاني حول نتائجه على الأبناء واستقرار المجتمع.

يقول المتخصص في علم النفس والاجتماع محسن بنزاكور:

إن ارتفاع حالات الطلاق كان قبل جائحة ‘كورونا’، وبالضبط مع فتح المشرع المغربي الباب أمام الرجال والنساء لطلب فسخ الزواج (طلاق الشقاق)” .

فإذا كانت المعاشرة تقوم على الاتفاق بين الطرفين والاعتماد المتبادل بينهما، فإن فك الارتباط أحادي الجانب، وقد اكتسب كلا الطرفين استقلالا ربما كان يرغب فيه على الدوام في الخفاء حيث لم يعد الناس في عصرنا يريدون ما هو أبدي وثابت ومستقر بل يميلون دائما للتبديل والتغيير الذي يشمل كل ما في العالم الحالي، وأصبح التفكير في حياة أساسية كريمة هو تفكير في عمل مربح ومستقبل غامض وسوق متقلب” .

فهذا الدور الذي يقوم به الزواج كعامل مؤسساتي للأسرة نزلت كل معاييره ولم يعد صامدا أمام المتغيرات الجديدة التي تشهدها مجتمعاتنا وأغلبها حداثية، ومن أهم أسباب تفاقم الظاهرة فيعود بشكل أول إلى عوامل اجتماعية وأخرى تشريعية، كما أن الظاهرة لفتت انتباه كثير من محللي النفس والاجتماع، وحاولوا دراستها ووضع رؤية صحيحة لها لمعرفة عوامل الخلل، حيث لاحظ أغلبهم أن العامل التشريعي يبرز بقوة خصوصا وأن حالات الطلاق قد ارتفعت بشكل لافت بعد تعديل مدونة الأسرة:

“عدد من المحللين النفسانيين والاجتماعيين ارتفاع حالات الطلاق في المغرب مؤخرا بجائحة “كورونا”، التي أدت إلى انفصال الأزواج وعدم الاستمرار تحت سقف واحد؛ بينما يظل المتزوجون حديثا من الفئات الأكثر إقبالا على الطّلاق بسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية “تعصف” ببيت الزوجية وتُظهر الإحصائيات الرّسمية الأخيرة أن حالات الطلاق تتزايد بشكل مثير للقلق في المغرب، لاسيما بعد التعديلات التي شملت مدونة الأسرة، ووفقا للمعطيات ذاتها، شهدت مدينة الدار البيضاء وحدها 15956 حالة طلاق العام الماضي” .

فهذا الهدم الأسري تؤدي إليه عدة أسباب ولعل أهمها انعدام التفاهم بين الزوجين سواء لظروف مادية أو معنوية، بحيث ينتج عنه خلافات سرعان ما تتطور إلى اعتداءات مختلفة مما يجعل الهوة تكبر بين الزوجين ويكون الطلاق بالنسبة لهم هو الحل الوحيد، خصوصا وأن الأجيال الحالية لا تتوفر على صبر أو رؤية حكيمة لواقعهم. فهذا التدهور الذي وصلت إليه الظاهرة على مستوى المغرب مثلا لا يبشر بالخير أبدا، بل أصبح يزعج الجميع، خصوصا وأن الطلاق هو هدم بليغ في جدار الأسرة تتهدم معه عدة قيم، فحسب الأرقام فإن الوضع كارثي ولا زال مستمرا :

“وشهد عدد قرارات الطلاق النهائية الصادرة عن المحاكم زيادات مقلقة، إذ انتقل من 44408 عام 2014 إلى 55.470 عام 2019. فيما بلغ عدد حالات الطلاق، وهو فسخ شرعي للزواج جاء أصلاً بقرار من الزوج فقط، 26914 حالة، وفي مجموع حالات الطلاق بالمغرب، انتقل العدد من 26914 حالة في 2004 إلى 25852 في 2018، وارتفع إلى 55470 حالة في 2019. كما تظهر المعطيات أن حوالي 78٪ من الحالات كانت عبارة عن طلاق رضائي وتتعدد أسباب الطلاق في المغرب، بينما تظل الإساءة الجسدية والإهمال المالي أهمها” .

فبالغوص في الأسباب من جوانب أخرى نجد أن جيل اليوم مختلف عن الأجيال السابقة، إذ أنهم رغم نضوجهم الجسدي والعمري غير ناضجين على مستوى الفكر وتحمل المسؤولية، بحيث يصبحون أمام أول مشكلة يتخبطون وتحدث بينهم أزمات تتطور إلى ما لا يحمد عقباه. وتسهم في هذا غالبا ظروف اجتماعية هشة ووعي أخلاقي ضعيف وعدم وجود رؤية صحيحة لمفهوم الصبر والتعايش. وهذا كله بؤدي قرارات خاطئة من أزواج ليس لهم تجربة ولا صبر على الأزمات التي تعد شيئا لا يتجزأ من حياتنا وتصبح مدة الزواج قصيرة جدا:

” انعدام التكوين القبلي على تحمل المسؤولية وكيفية المعاملة الحسنة بين الأزواج، التسرع في اتخاذ قرار الانفصال دون البحث عن أسبابه ومحاولة معالجته عن طريق الحوار وطلب السمح والمغفرة وعدم العود من طرف المخطئ من الأزواج، عدم الفهم والتطبيق الصحيح لمدونة الأسرة، فقدان خصلة الصبر التي أهم دعائم استمرارية الزواج وهذا ما نراه في قصر فترة الزواج للطلاق”.

وسأمر هنا إلى التحدث عن الشق الثاني من البحث، ويتعلق الأمر بتأثير الطلاق على الأبناء وهو له نفس النتائج على مختلف الأسر العربية، حيث وجد الخبراء أن الطلاق لا يؤثر على الزوج والزوجة بقدر ما يؤثر على الأبناء، بحيث أن كثيرا من الإحصائيات أبانت أن الهدم الأسري يهدم الطفل بالدرجة الأولى ويفقد استقراره النفسي والمعنوي وتؤدي به إلى مضاعفات كبيرة:

“تشير الإحصائيات أنه ما يقارب من نصف اطفال المملكة المتحدة يعانون من تبعات طلاق اباءهم , ففي عام 2001 كان حوالي 147000 طفل ابائهم مطلقون وحوالي ربع هذا العدد هم تحت سن الخامسة من العمر، فعندما يقرر الآباء الانفصال يسبب فتور العواطف بينهما فإن الطفل تكون الصدمة عليه كبيرة وكأن العالم أنقلب رأسا علي عقب، وهناك عدة عوامل تؤثر على درجة الصدمة التي يتعرض لها الطفل، عمر الطفل، طريقة الانفصال، مدي الفهم وإدراك الطفل لموضوع الانفصال والدعم الذي يتلقاه من الأصدقاء والعائلة”.

ومن أهم الأشياء التي تؤثر عليه هو الاحساس بفقدان أحد الوالدين وغالبا ما يكون الأب لأن الزوجة تأخذ حضانة الأطفال. الشيء الذي يجعل الطفل يفقد الأمان والسند المتمثل في والده، فتنتابه الهواجس والاكتئاب ومعاناة التشتت بين الوالدين مما يضعف شخصيته، وتقول الأبحاث أن كسر الطفل عند طلاق والديه شيء كارثي بحيث يصعب التعافي منه حتى بعد رجوعهما، إذ أن هذا يجعل الطفل يضعف على المستوى النفسي مما يجعله يتعرض لأمراض وعادات غير محببة وتقول الجمعية العراقية للصحة النفسية للأطفال

“وتظهر هذة المشاكل بوضوح لدى الاطفال عندما يكون آباؤهم فى خصام دائم أو عندما يتحقق الانفصال الذى يجعل الطفل لا يشعر بالأمان وقد ينزع الطفل أو المراهق إلى سلوك طفولى عادى إلى مرحلة عمرية أدنى (النكوص) مثل التبول الليلي، الحدة والقلق والعناد وعادة يحدث هذا السلوك قبل أو بعد لقاء الأب المنفصل أو الذى يعيش بعيدا عن الطفل، والمراهقون يظهرون سلوك مضطرب مثل الانطواء اضافة الى صعوبة التركيز على المواد الدراسية” .

فالنتائج المترتبة عن ظاهرة الطلاق تعتبر هادمة للأبناء بشكل كبير، وتترك آثارها على حياة الطفل ويمكن أن تؤدي إلى أمراض مختلفة، لأن له آثار جانبية وأخرى مباشرة على الأبناء وأيضا قد تؤثر عليه مستقبلا بحيش يصبح ذا شخصية مهتزة. ويفسر هذه الأسباب بشكل علمي الدكتور أرتيوم تولكونين الاخصائي ومدير معهد علم النفس الجسمي لصحيفة “إزفيستيا” فيقول:

“الطلاق هي حالة عاطفية جدا للوالدين والأطفال، وبما أن الطفل يشعر بالعواطف أكثر من البالغين، لذلك يعتبر الطلاق دليل على عدم الحاجة إلى وجوده ويعتقد أنه السبب بتفكك العائلة، ويصاحب الشعور بالذنب العميق الطفل في حياته، وقد يعاني عند بلوغه من متلازمة اكتئابيه أو اضطرابات عصبية أو مرض نفسي جسدي، وغالبا ما يعاني الطفل بعد طلاق والديه من الصدفية والربو القصبي وأمراض مزمنة أخرى، التي أساسها الصراع العاطفي، لأن البيئة التي كان يعيش فيها الطفل لم تعد موجودة ويترك الطلاق آثارا سلبية في حياة الطفل حتى وإن حصل وهو في سن مبكرة، حيث يمكن لعقله الباطن تخزين هذه الذكرى” ..

وهذا التأثير على الأبناء ينعكس بشكل مباشر على المجتمع، بحيث تصبح الأسر المهدمة التي تعرضت للطلاق تصدر للشارع وللمجتمع أبناء انطوائيين وانعزاليين ذوي شخصيات مهزوزة مما يؤثر على كفاءاتهم كعنصر فاعل في المجتمع الشيء الذي يجعله مجتمعا هشا يعج برجال ونساء يفتقدون الإرادة والجرأة وصنع القرار.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار