ضيف البديل

تأملات في مفهوم “الشَّنَّاقة” كل فرد من المجتمع هو مشروع”” شَّنَّاق.

عبد المجيد طعام –  جريدة البديل السياسي 

مع اقتراب عيد الأضحى ، كثر الحديث عن ” الشَّنَّاقة ” les speculateurs إلى درجة أن هذه اللفظة أصبحت الأكثر تداولا واستعمالا بين كل شرائح المجتمع ،على اختلاف مرجعياتهم الفكرية ومستواهم التعليمي ، كل المواطنين يستعملون اللفظة على الأقل مرة أو مرتين في اليوم ، هذا الاستعمال المكثف يفرض علينا أن نقف وقفة تأمل ، للنظر في طبيعة اللفظة وسلطتها التداولية ودلالاتها الرمزية.

“الشَّنَّاقة” مفردها “الشَّنَّاق” un speculateur ، في لغتنا اليومية نستعملها جمعا وليس مفردا ، للتعبير عن سلطتها وقوة فعلها ، كما أنها عصية على تكون مذكرا آو مؤنثا ، لتفصح عن انزياحها وصعوبة فهمها والكشف عن طبيعتها ، ومعلوم أن استحالة تحديد الجنس لشيء ما ، يدخله في دائرة اللغز الذي قد يثير فينا مشاعر الخوف والقلق ، جاء في المعجم الوسيط .

الشَّنَّاق يستوى فيه المفردُ وغيرهُ والمذَكَّرُ والمؤنَّث . تحيل اللفظة على جماعة غير محددة،غير معروفة ، تثير الخوف والهلع ، ويمكن أن نشتق منها فعل ” الشنق” الذي يعتبر هو الجامع المشترك بين عناصر هذه الجماعة الشبح ، أما على مستوى الميزان الصرفي للفظة ، فقد جاء اللفظة على وزن الفَّعَّالة والفَّعَّال ، بالتشديد على فاء وعين الفعل.

حسب معجم المعاني هذا الوزن جاء على صيغة مبالغة من فَّعَّل وهو يعني كثير الفعل، نافِذ، مؤثِّر، سُلطة ووسيلة فعل ،قَوِيَّةٌ، نَافِذَةٌ ، وهو العلَّة الفاعلة والسَّبب المحدث للأشياء, والشَّنَّاق هو من يستخدم الشِّنَاق لممارسة فعل الشنق ، والشِّنَاق هوالحَبْلُ أَو السَّيْرُ يُشَدُّ به الشيءُ ويُعَلَّقُ.

و الشِّنَاق وتَرُ القَوس كذلك وهو أداة إطلاق السهم على الضحية ، اسم الفاعل “الشَّنَّاق ” يفرض وجود طرفين ، الشَّنَّاق والمشنوق وبينهما فعل الشنق . على ضوء ما سبق ، يبدو أننا أمام ظاهرة لغوية ذات دلالات رمزية مهمة ، تحيل على أننا أمام مفهوم قائم بذاته ، يتجاوز مستوى إدراكنا السطحي للظواهر الاجتماعية ، بمعزل عن بعدها الثقافي ومرجعيتها الفكرية والنفسية والسياسية وعلاقات الاستغلال التي تقوم عليها.

لا تشير لفظة الشَّنَّاقة إلى مجموعة أفراد متحيزين في الفضاء الفيزيقي ، وإنما تدل على جماعة مطلقة غير متحيزة ، لها سلطة التجلي والاختفاء حسب الظروف ،و قد نكون نحن أيضا ضمن عناصر مجموعة الشَّنَّاقة ، كل فرد يحتمل أن يكون شَّنَّاقا ، بما أن المفهوم يحيل على سلوك غير محدد ،له تمظهرات كثيرة ، متعددة ولا متناهية ، يتميز بالسلطة و قوة الجاذبية والاستقطاب ، لهذا وعن طريق الانزياح ستتزحلق اللفظة نحو الميتافيزيقا ، لتشير إلى مجموعة بشرية تنفلت من أي تحديد ،إلى درجة أصبح الشَّنَّاق يعادل الغول في مخيالنا ، أصبحنا نعتقد أنه غول يملك جبروت الفعل وقوة التأثير في مصير الناس ، ونتيجة قوة الجاذبية التي تميز مفهوم الشَّنَّاقة ، أصبح كل فرد من المجتمع شناقا / غولا محتملا.

 

من هنا نخلص إلى أن لفظة الشَّنَّاقة تجاوزت أن تكون لفظة نتداولها ، لوصف شخص أو مجموعة أشخاص ، تجاوزت أن تكون مجرد لفظة لها صورة سمعية ثابتة وواضحة ، في الحقيقة العقل يعجز على أن يرسم صورة سمعية للفظة une image acoustique ، بمجرد ما نسمع لفظة الشَّنَّاقة نشعر باضطراب ،لأن المخ سيفرز هرمون الكورتيزول وهو المسؤول عن التوتر ، خاصة وأنه غير قادر على تحديد صورة سمعية ، لهذا قلنا إن اللفظة تعبر عن مفهوم وليس معنى يرتبط بسياق محدد ، وهذا ما جعل اللفظة تتزحلق نحو الميتافيزيقا .

وما ساهم في هذا التزحلق ،أنها تدل على سلوك تحمله كل الفئات الاجتماعية ، على اختلاف مرجعياتها الثقافية والفكرية ، وانتماءاتها الطبقية ومستواها المادي ، قد نجد الشَّنَّاقة بين الأغنياء والفقراء والمتعلمين والأميين  ، بين المتدينين وغير المتدينين ،بين المزارعين والرعاة ،وبين الأطباء والمهندسين ورجال التربية والتعليم ،وسائقي الطاكسيات وبائعي الغنم والخضر ، وبين المسؤولين والمواطنين الذين يرغمون على بيع جهدهم العضلي مقابل أجر لا يحقق لهم الكرامة ، لكن الغريب الصادم أن كل فرد من هذه الفئات هو شَّنَّاق محتمل. إن لفظة الشَّنَّاقة لا تحيل على أشخاص محددين .

وإنما تحيل على سلوك عام انتشر في كل مجالات الحياة اليومية ، وأصبح سلوكا اعتياديا بعد التطبيع معه ، ولكنه في نفس الوقت يعبر عن أعلى درجات الفساد المستشري في كل المجالات ، إنه نوع من السرطان الذي ينخر جسم المجتمع ، بسببه غابت القيم ، وانهارت المنظومة الفكرية الثقافية التي يعول عليها لتأسيس مجتمع وإنسان متوازن.

إن نظام الفساد المؤسس يهدم المجتمع ويضرب كل مؤسسات بناء الفرد والمجتمع : الأسرة ، المدرسة، الجامعة، جمعيات المجتمع المدني ، الأحزاب ….. الخ ” الشَّنَّاقة ” les speculateurs هم نتاج طبيعي للأنظمة الكليبتوقراطية والبلوتوقراطية ، لا يمكن أن نقضي على السلوك الشَّنَّاقة إلا بالإدراك العقلاني للمجتمع ، وعلاقات الاستغلال وهذا الإدراك ضروري لإنضاج الوعي ، الأداة الحقيقية لأي تغيير ، أما إذا غضضنا الطرف.

وقبلنا باستمرار نفس ظروف الحياة ،فذلك يعني أننا نقوي قرص أن يصبح كل فرد مشروع شَّنَّاق ، وكل فرد مشروع ضحية… النتيجة : سنعيش في مجتمع شَّنَّاق يشنق شَّنَّاق … لا داعي للتباكي … علينا ان نتغير …

 

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار