جريدة البديل السياسي
بورتري
رشيدة بنمسعود
الناقدة الرائدة في مقاربة الكتابة النسائية
(1)
“دعاة التقليد يراهنون
على محاربة النساء
خدمة لمشروعهم المجتمعي
المحافظ والمعادي
لكل نزوع تنويري وتحديثي”..!!
عسير إلى أبعد مدى، أن أتوهم أن يراعي قادر على الإحاطة بناقدة كبيرة، ما اكتفت بالعلو الحبري، بل أحرجت سدنة كل المعابد الذكورية بواثق عنادها في رهان تكريس كل تجليات المرأة، القادرة على قلب الطاولة على الرجل..!!
رشيدة بنمسعود، فخامة الاسم وشسوعه وذيوعه، يعيق كل وهم قد ينتابني في منحها حق الكتابة، هي الرائدة التي لا محيد عنها في التأسيس للنقد الأدبي النسائي.
لا يمكن تخيل مشهد الوعي الثقافي للمرأة، بدون استحضار هذا الاسم الكبير، الذي أضحى مرجعا لا غنى عنه لمن ابتغى إدراك مسيرة الحرف النسائي.
“لم تفز “المرأة”
إلا بما أراد الرجل
التنازل عنه.
لم تأخذ شيئا أبدا،
بل تسلمت ما أعطي لها”..!!
تلك مقولة سيمون دي بوفوار، التي يحلو لرشيدة ترديدها كي تبرز حجم المأساة، وتحث همم الأنوثة لخوض المعركة حتى الاعتراف الكامل..!!
(2)
مذ صافحت فيها، الكاتبة والناقدة، ذات لقاء إلى تحقيقه كم
كنت أرنو، وحتى ٱخر عبارة، لم أكف عن تصفح ما به يشرق قلمها، وتعلو قامتها، غير معني سوى بوضع نتاجاتها النفيسة نصب إعجاب يأبى أن يؤول إلى شيء سوى الإرباء.
على مرمى المصافحة الأولى، وفي بهاء التصفح التالي، أبدا ما راودني شك في أنني إزاء امرأة منذورة للعلياء، تبلغ في تميز شخصيتها حد القطيعة مع جاهز الصفات.
قد يبدو الأمر لسواي
باعثا على استحضار الدهشة،
أما لي فيتجلى جاهرا بالاستثناء،
يحض على تقدير
يقوى فيغزر.
كل من يشهر افتحاصه إزاءها، يحث لسانه صوب تعبير دال على جودة انطباع.
كل صفة نخلعها
على رشيدة بنمسعود،
تتسع لها برحابة،
وبها تليق عن جدارة.
(3)
“هناك كتب كلما انتبهنا إليها،
ومسحنا عنها
ما علق بها من غبار،
زادتنا بسخاء إدراكا لعمق السؤال…
سؤال المعرفة والاستنارة..”.
في زمن المخاض، إبان التطلع إلى الأوج، بدا كل شيء تقوم به رشيدة، يؤشر على ما ستكونه فيما بعد. لم تنجذب إلى ما يصرفها عن تنمية روحها الطلعة.
أما الكثير، فقد أمضته في نهم التحصيل، وخصصته لتشييد أرضية صلبة، منها ستنطلق لرسم صورتها الحاضرة، ثم نحت موقعها الٱن.
الذين عرفوها، خلال يفاعتها، أو أثناء بحثها عن فرادة الذات، بعضهم أكد أنها ما تعاطت حاضرها إلا باعتباره جسرا واصلا إلى المستقبل. فيما لاحظ ٱخرون، بيقين مرده استكناه جماع
خطاها البكر، أن مجموع الظروف، المحيطة بها، كانت تعدها بتؤدة، وتذخرها لٱت بعيد قريب ستوقد في أمدائه مصابيح يراعها، وستقبض على مفاتيحه، وتمارس تفصيل مجمله.
وباليقين إن هذا التحقق كان يكم وراءه جهد لم يعرف سوى المواظبة. وكان يغذيه إصرار لم يخدش عرامه كلل.
(4)
تشارك رشيدة النقاد شهوتهم إلى ملامسة اللباب، وبحثهم عن الأعمل والأشمل. وتنفرد بخصائص ذاتية فذة، تجعلها ممتدة في قلب تحولات الخطاب النقدي الحداثي، موصولة الذاكرة بالمصادر المشعة، القابلة للاستمرار والإخصاب، في المرجعية التراثية، في ٱن معا، دون قطيعة ولا انفصال.
من ثم، هي لا تؤوب من القلم، ولا توطىء للرضا أكنافها، ولا تكتحل بغمض، حتى ترجح عندها كفة اليقين بأنها استرفدت الحصيف، والثاقب، ثم استخرجت الخبء المستتر، بحيث لا يوثر المتلقي على صنيعها عوضا، ولا يبغي به بدلا.
لن يستنير ما مر، إلا إذا فصلت المجمل، وتوقفت، تباعا، عند المزايا التي تغذي تقديري لها، وتشدني إلى منطوق كتاباتها التحليلية.
أ – قراءة النص الإبداعي
انطلاقا من الخصوصيات
التي يحملها ويسفر عنها،
وعبر ٱليات تحليل
غير مستعارة من خارج بنيته.
لا تلجم رشيدة النصوص بمقاربات تتسع لكل نص لاعتمادها على “تطبيقات مدرسية” جاهزة. بل تعبر عن نفسها – نقديا – عبر إخضاع الإبداع لتقييم خلاق يجلي سواطعه وغوامضه التي تختص به.
ب – تخطي اللغة
التي تنادي الانتباه إليها
في معزل عن مقولات النص،
إلى لغة نقدية
تروم استكشاف أبعاد النص
ومكوناته،
بغير إسهاب دلالي.
ج – اعتماد أكثر من منهج في
التحليل،
بغية توفير جملة من الشروط
لإنتاج رؤية متماسكة، وازنة،
وثيقة الصلة بتحققات النص
الإبداعي.
عبر فلذات هذه المزايا، (لم أسجل منها إلا البارز)، هي تمضي إلى النقد النفاذ، فتؤوب أكثر تألقا ونضارة، وتبلغ من الإجادة ما تريد ونري.
(5)
وهبت رشيدة كل تفوقها لافتحاص مدلولات الأدب النسائي المغربي والعربي. وجاء انخراطها هذا متزامنا مع ما حققته مدونة هذا الإبداع من تراكم نوعي، كان نتيجة رهانات جد
فاعلة، تتخطى، تستبق، وتفجر في الٱتي سخي الموارد.
يصح، في هذا السياق، الاستشهاد بكتابها: “المرأة والكتابة: بلاغة الخصوصية / بلاغة الاختلاف”. هذه الدراسة الوارفة، التي دونها يظل الحديث عن الأدب النسائي المغربي ناقصا، كسرت الناقدة، بوعي دال على إحاطة بتفاصيل موضوعها، المنظور الذكوري الذي لا يرى في كتابة المرأة، مهما تبلغ في الاكتناز درجات، سوى صدى لما يكتبه الرجل، وإن لم يحقق في الإبداع المبتغى..!!
بلى. وضعت رشيدة المرأة / الكاتبة في سياق ما تنتجه من إبداع مغاير. ثم ما تطرحه من أسئلة تستنطق نوازع الذات، وتلامس من الحياة الجواني والجوهري.
“رغم تمييز الناقدة رشيدة بنمسعود
بين الكتابة النسائية والكتابة الذكورية،
فهي لا تدعو إلى الفصل بينهما
كما لو كانتا ظاهرتين مختلفتين في
الوجود،
وإنما تسعى إلى بيان الاختلاف بينهما
داخل وحدة إبداعية مشتركة
لمساءلة العالم،
ومحاولة فهم أسراره،
وفك ألغازه”
هكذا يضع الناقد محمد الداهي حبره على صلب الإشكالية التي وهبت رشيدة عمرا بأكمله لها. توحد في جبة اختلاف، ذاك العنوان المؤدي دوما إليها.
(6)
تكريس خصوصيات المنجز الأدبي للمرأة، أبلغ من أن أشير إليه، وأكبر من أن أحيط به. يكفي أن نتأمل عناوين زخمها المكتنز ببلاغة الاختلاف.
– “استراتجية الكتابة النسائية”.
– “عين المرأة: سيرة شهرزاد الزمن العربي”.
– “مقاربة تيماتيكية للسرد النسائي في
المغرب”.
– “الرواية النسائية المغربية: واقعية بلا
ضفاف”.
– “الكتابة بالجسد”.
– “الكتابة النسائية: مقدمة حول صحوة
المصطلح”.
– “شهرزاد الأدب: المرأة والكتابة علاقة
كونية”.
– “الكتابة النسائية والبحث عن الهوية”.
– “المرأة وسلطة اللغة”.
وهنا، تحديدا، تعلو دراستها الباذخة، المغايرة، حول “جمالية السرد النسائي”، هذا الكتاب الثر، الذي سأدع الناقد المغربي سعيد يقطين ينوب عني في إبراز مكامن إجادته.
“رشيدة بنمسعود، وهي تثير
انتباهنا
إلى العديد من قضايا المرأة،
في اتصالها ب، وفي ترابطها مع
مجال الإبداع السردي،
تتقدم إلينا ناقدة محللة للنص
الأدبي،
مبرزة بذلك أن المرأة العربية
عموما،
والمغربية خصوصا،
يمكنها أن تمارس الإبداع فقط،
ولكن أيضا يمكنها
أن تنبري للدرس الأدبي،
فتساهم في النقاش
المعرفي والمنهجي
حول النص والسرد والأنثى…”.
(7)
بمعية امرأة من طراز رشيدة بنمسعود، لن أبحث عن بداية خاتمتي. لأني وجدت خاتمة بدايتي.
كلما أبصرت حبلى،
تمنيت أن تلد
مثل رشيدة بنمسعود..!!
تعليقات
0