جريدة البديل السياسي/ رشيد اخراز جرادة
في قلب مدينة جرادة، تقف بناية صامدة، ولكنها تتهاوى في صمت موجع. إنها ليست مجرد جدران من إسمنت وحجارة، بل بناية شاهدة على حقبة صنعت تاريخ المدينة، وعلى ذاكرة جماعية كان من المفترض أن تُصان لا أن تُنسى.
كانت هذه البناية، في الأمس القريب، أول من احتضن عمالة جرادة عند تأسيسها، فكانت مركزًا لإدارة شؤون المدينة ومهدًا للقرارات الكبرى التي أرست دعائم الحياة الإدارية والسياسية بالمنطقة. وبعد أن تغيّرت خريطة التنظيم الترابي، تحولت إلى باشوية، لتواصل لعب دور محوري في التسيير المحلي، محتفظة بهيبتها ومكانتها .
اليوم، تُركت البناية تواجه مصيرها لوحدها. تشققات واضحة في الجدران، أجزاء من السقف بدأت تتساقط، والنوافذ المتهالكة تصرخ في وجه الإهمال. لقد أصبحت آيلة للسقوط، في مشهد يُختزل فيه حجم النسيان والتقصير الذي طال إرثًا معماريًا وإنسانيًا كان من الواجب الحفاظ عليه وترميمه.
ورغم الأصوات المتعددة التي نادت بضرورة التدخل لإنقاذ هذه المعلمة التاريخية، لم تُسجل أي بادرة جدية من قبل الجهات المعنية. لا مخطط ترميم، ولا إعلان عن تصنيفها ضمن المباني ذات القيمة التراثية، فقط صمت مريب وتجاهل غير مبرر.
في وقت تسعى فيه مدن أخرى إلى الحفاظ على ذاكرتها العمرانية كجزء من هويتها، تذوب معالم جرادة واحدة تلو الأخرى، وكأنها لم تكن.
أما البناية، فتموت واقفة، في انتظار من يقدّر قيمتها، ويدرك أن الحفاظ على التاريخ ليس ترفًا، بل مسؤولية جماعية.
تعليقات
0