البديل الوطني

باحثون: الصحافة المغربية تعاني من انخفاض سقف الحرية وضعف العمل السياسي

جريدة البديل السياسي 

قال إدريس بنسعيد، عضو أول لجنة إدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان والأستاذ الجامعي لمادة علم الاجتماع، إن الصحافة المغربية باتت تعاني في ظل انخفاض سقف الحقوق والحريات وضعف العمل السياسي.

وأوضح بنسعيد في مداخلة خلال ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول موضوع “الإعلام والقيم الإنسانية في ضوء التطورات التكنولوجية”، أن الصحافة تعاني مشكلا كبيرا في ظل انخفاض سقف الحقوق والحريات وضيق رقعة العمل السياسي وضعفه وانخفاض صوت المؤسسات، بالإضافة إلى شح الأخبار والمعلومات، ما جعل من الصحفي أول المتأثرين، حيث أنه أصبح مهددا بفصول القانون الجنائي، وتسبب في إفلاس عدد من المؤسسات الصحفية المستقلة وضعف المبيعات وظهور التكنولوجيا الجديدة.

 

وسجل الأستاذ الجامعي، صعوبة تحديد هوية وصفة الصحفي في الوضعية الراهنة، في ظل انتشار المواقع الإلكترونية والمدونين والمؤثرين ومن أسماهم بمدعي الفكر والعلم، مؤكدا أن الوضعية الحالية تهدد الصحفيين بنفسهم الذين ضحوا بحرية في سبيل إرساء قيم الصحافة الحقيقية وتجعل من صفة الصحفي غير محددة.

كما تحدث بنسعيد، عن ضيق رقعة العمل السياسي ومجال اشتغال السياسيين، والذي يزداد تقلصا يوما بعد يوم، ما تسبب حسبه، في ضعف المؤسسات السياسية من نقابات وأحزاب وانخفاض سقف الحقوق والحريات وبشكل خاص سقف حرية التعبير وحرية الصحافة وانخفاض الثقة بالمؤسسات

واعتبر المتحدث، أن هناك تحولا ومرحلة يبدو فيها أن مشروع الدولة أصبح واضحا، يتميز بخاصيتين أساسيتين هما إضعاف المؤسسات كيفما كانت وتقوية الأجهزة في مقابل إضعاف المؤسسات، وتصريف السياسة في مجال الدولة ومجال إمارة المؤمنين ومجال الدولة العميقة أو المخزن، مشددا على أن الوضع الذي نعيشه حاليا يتسم بتحولات كبيرة، سيمتها الأساسية هي تضييق هوامش الحرية التي أصبحت أضيق حتى من سبعينيات القرن الماضي.

ومن جهته سجل الأستاذ الباحث بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد حفيظ، افتقاد الإعلام المغربي للحرية والتي لا يمكن أن نتصور ممارسة بدونها، بدون ديمقراطية في تنظيماتها المهنية والنقابية والمنظمة للمهنة.

وأشار إلى ضيق حيز الحرية إلى حد بعيد يوما بعد يوما، وتراجعه ليصبح أقل من ما كان عليه خلال سنوات الرصاص.

كما تحدث حفيظ، عن قيمة التضامن وتراجعها بشكل ملحوظ بالمغرب والجامعات المغربية بشكل خاص، مستشهدا بعدم تحرك وعدم تضامن الطلبة مع ما يحدث بغزة منذ تسعة أشهر، متسائلا عن سبب عن ما يحدث وغياب الطلبة عن الحراك التضامني الكبير الذي عرفه العالم مع قضية إنسانية تتعلق بحقوق الإنسان

وفيما يخص التطورات التكنلوجية، اعتبر حفيظ أن هناك أحكام مسبقة عن انحدار المشهد الإعلامي، مؤكدا أن التطورات التكنولوجية بريئة من الانحدار، مؤكدا أنها وسيلة فقط لإيصال المعلومة، سواء كانت ورقية أو إلكترونية، كما أنه ساعد على النقد والاحتجاج والتعبير عن الرأي وتبادل المعلومات وإيصالها بشكل أسرع وتعميمها بشكل أكبر، مشددا على أنها يمكن استثمارها لتعزيز حقوق الإنسان وإيصال صوت المظلومين.

وانتقد الأستاذ الباحث، القوانين المؤطرة للصحافة بالمغرب، معتبرا أنها غير عادلة، مشيرا إلى أن الاعتقالات والتوقيفات والمتابعات منذ 2016 ليومنا هذا، أكبر دليل عن ذلك.

وأضاف ذات المتحدث أن المنتسبين للصحافة بنسبة كبيرة منهم هم من يستهدفون الحريات بتنصلهم من قواعد الممارسة المهنية وانتهاك أخلاقياتها وقواعدها المتعارف عليها عالميا.

وأكد حفيظ أن الساحة الصحفية أصبحت تخضع لمراقبة كبيرة ولتحكل شديد لم يسبق أن شهدته حتى في “سنوات الرصاص”، مشيرا إلى أن المغرب عاش فترة انفتاح صحفي بالمغرب لأكثر من عشر سنوات بقليل، بظهور تجارب صحفية وُئِدَت خلال الفترة ما بعد ظهور حركة 20 فبراير وما رافقها من حراك.

ومن جهته، تطرق ادريس كسيكس، الكاتب والباحث ومدير مركز إكونوميا للبحث في قضايا الإعلام والثقافة، في مداخلته لمهنة الصحافة، والتي قال إنها تعتبر بالمغرب مهنة حديثة نسبيا مقارنة مع دول أخرى كالجزائر ومصر ولبنان.

وقال كسيكس، إن ما أتت به التطوارت الإعلامية يحمل في طياته، في ذات الوقت وبشكل متضارب بعدا رأسماليا مهيمنا، يظهر أولا من كون “الإعلام لم يكن له يوما هذا الزخم للرأسمالية المهيمنة”، ثانيا “لم يكن له يوم قدرة تعبيرة شاسعة” ما أدى إلى خلخلة مجموعة من الثوابت المرتبطة بالإعلام بشكل مباشر.

وفيما يخص العلاقة بين القيم الإنسانية والتطوارت التكنلوجية، أكد كسيكس، أننا حاليا أمام معضلة الفرق بين التحديث والحداثة، باعتبار أن الأولى ليست سندا للثانية كمفهوم، تنضاف إلى المعضلة الكبيرة التي بات يعيشها التكوين في الصحافة، والذي أصبح ينتج تقنيين فقط، وأزال من الصحفي صفته كفاعل حداثي.

وخلص مدير مركز إكونوميا للبحث في قضايا الإعلام والثقافة، إلى أن الإعلام أصبح بوتقة لتعابير متضاربة ولم يعد محددا بمعايير قيمية تتحكم فيها نخبة من الوسطاء الممتهنين للصحافة.

واعتبرت الإعلامية فاطمة الإفريقي، التي تحدثت في مداخلتها بشكل أساسي عن الإعلام التلفزي، أن ظهور قياس نسب المشاهدة أثر بشكل ملحوظ على الدور التثقيفي والاجتماعي والتربوي للتلفزيون، حيث أنه منذ ظهور قياس المشاهدة تخلى التلفزيون على دوره الأول وتقلصت مساحات المضامين الإعلامية والبرامج المعدة مسؤولية تحريرية وأخلاقية تراعي احترام القيم الإنسانية وتراعي المرجعات لصالح البرامج الترفيهية و”تالك شو” والبرامج الاجتماعية الحميمية الفضائحية التي تحقق أعلى نسب المشاهدة .

وأكدت الإفريقي أن قياس نسب المشاهدة أصبحت هو المتحكم في ما يعرض وأصبح هو هاجس الجميع من صحفيين ومنشطين ومنتجين ومديري المؤسسات.

وأوضحت المتحدثة، أننا “نعيش ثورة رقمية متشابكة متسارعة أحدثت تحولات عميقة في نموذج وسائل الإعلام، وفق قيم ومعادلات مستحدثة بدأت تتهاوى وتستنبت مكانها نماذج ثقافية إعلامية جديدة عابرة منفلتة ومتلاشية”.

وأشارت أن مواقع التواصل الاجتماعي من أهم تجليات ومحركات هذه الثورة التواصلية والثقافية، حيث شكلت مع بداية الألفية الجديدة أحد أهم فضاءات التعبير، وتبادل الخبرات والآراء وتفجير حركات التغيير، وأصبحت فضاءات إعلامية أفقية وأمكن لصناعة نماذج جديدة للصحفيين والمدونيين والمؤثرين، تنافس المؤسسات الإعلامية التقليدية في وظيفة النشر وإنتاج المحتوى والأخبار والتثقيف والترفيه وقف مزاج خاص يقوم على حرية النشر والولوج والطلب.

وشددت الإفريقي على أن التلفزيون وككل الوسائط الإعلامية، تأثر ولا يزال يتأثر بهذه التحولات الثقافية الرقمية والتواصلية، حيث أنه لم يعد الفاعل الوحيد في النشر السمعي البصري، ولم يعد الوحيد في صناعة القيم والنخب السياسية والثقافية، وفقد الكثير من إشعاعه ومصداقيته في ظل ظهور الفاعلين الإلكترونيين والمؤثرين.

وخلصت إلى أن المؤسسات الإعلامية ومالكيها لم تعد المتحكمة في مصادر الأخبار، وصارت فاعلا إعلاميا كباقي الفاعلين الفرديين أو الجماعيين، وتكسرت قيود الاحتكار، وأصبح معها العالم يكتب التاريخ بالصور،بعيد عن الكتابة والكلمة، بعد أن أصبحت الصورة هي المؤثر الأكبر، لاستجابتها لتطلعات الشركات الإعلامية القائمة على نسب المشاهدة والاستهلاك واللذة والمتعة العابرة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار