اليوم العالمي للكتاب…بقلم ذ.محمادي راسي
بقلم ذ.محمادي راسي- جريدة البديل السياسي :
اليوم العالمي للكتاب
الكتابة مصدر والمصدر أصل صدر عنه كل المشتقات على مدرسة البصرة والفعل على مدرسة الكوفة، الاشتقاق في الأصل:أخذ شق الشيء وفي الاصطلاح أخذ كلمة من كلمة، والاشتقاق ثلاثة أنواع: الصغير والكبير والأكبر. والكتاب ما يكتب فيه ، يسمى بذلك لجمعه أبوابه وفصوله. / الصحيفة / القدر/…..
أهل الكتاب: الذين لهم كتاب منزل ..أم الكتاب :أصله أو الفاتحة منه ، والكتاب في اللغة اللاتينية يسمىliber وفي الاسبانية libro وفي الفرنسية: livre والأصل في تسمية الكتاب في اللغة الأوربية التسمية المشتقة من الكلمة الإغـريقية ببليونbiblion نسبة إلى المدينة الفينيقية ،لأن الإغريق كانوا يستوردون الورق البرديّ المصري عن طريق هذه المدينة،ومنها تسمية المكتبة ب :ّ bibliotheqµeأي خزانة الكتب جاءت من الإغـريقيةbiblion أي الكتاب و theke الخزانة.
إن الكلمة المدونة كانت ولا تزال لب الإنسانية و فكرها، وصارت في بلاد الرافدين تاريخا وأدبا وعلما . وكانت تدون في ألواح من الطين، والألواح المقطوعة من الحجر، وألواح العاج .ودخل استعمال الرقوق في العهود المتأخرة ولكنها تعرضت للتلف.
العـرب كتبوا على الجلود والعظام ،واعتمدوا على الحبر المستخـرج من العفص و الصمغ. وعلى أقلام القصب ذات رؤوس دقيقة، وقد منحوا بعض الأسماء للقلم كـ: الأرقم / المزبر / المدبر / اليراع / الملقاط…..
إن الكلمة الصوتية، رمز بها الإنسان الأول إلى الأشياء قصد التفاهم والتواصل بين أخيه الإنسان، ثم رمز إلى المعاني، وهكذا ولدت المفردة اللغوية الصوتية ثم الجملة اللثية الصوتية.والكتابة بدأت بالكتابة الصورية ثم الكتابة الصوتية. وقيل إن الحروف العربية وضعها أخنون وهو نبي الله إدريس عليه السلام.، يذكر البلاذري رواية عن عباس بن هشام بن محمد السائب الكلبي، عن جده وعن الشرقي بن القطامي يقول فيها : اجتمع ثلاثة نفر من طي وهم: مرامر بن مرة، وأسلم بن سدره، وعامر بن جدره، فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السـريانية ، ابن خلدون يرى أن الخط انتقل من اليمن إلى الحيرة، والمستشرق مورتيز يؤيد ابن خلدون: “إن اليمانيّين هم الذين اخترعوا الكتابة وهم الذين أهدوا الكتابة إلى الحيرة، ومن الحيرة عرفها الفينيقيون ، وعنهم أخذ الرومانيون والعرب”. ملحق الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون تعليق شكيب أرسلان.
وأقدم كتابة عربية يعرفها تاريخ البحث هي؛ رسم مشتق من خط المسند اليمني ، وأقدم نقش عرفه البحث عن تطور الخط العـربي ،نقش أم الجمال جنوب الأردن . قال رسول الله [صلعم] أول ما خلق الله القلم ،فقال: اكتب .قال: يا رب وما أكتب؟قال: اكتب كل شيء كائن إلى يوم القيامة، ثم قرأ؛ ن والقلم. رواه الطبراني.
نشأ الكتاب نشأة غريبة الأطوار من استعمال لفات ورق البرديّ، تحفظ في سلال وأوعية وتنضد في رفوف في البيوت والمعابد ….وكانت بيوت الألواح، عبارة عن دور للمكتبات ثم سيطلق عليها : بيت الحكمة أو الأكاديمية ،وأضخم مكتبة هي مكتبة الملك الأشوري بانيبال في ذلك العهد، كانت غنية اكتشفت في قصره بنينوى ، وكذلك مكتبة الاسكندرية الشهيرة أكبر مكتبة عرفها التاريخ ،أرسطو كان أبا لعلم المكتبات ،كما كان أبا للفلسفة، يعتبر علي بن يحي المنجم أول من أسس مكتبة على نفقته ،وأبو القاسم جعفر أنشأ مكتبة دار العلم، وبيت الحكمة أنشأها هارون الرشيد، ودار الحكمة أنشأها الحاكم بأمر الله. وهناك مكتبة الْإسكوريال الشهيرة باسبانيا أكثر من ألفي مجلد من المخطوطات العربية. وأول من تصدى لفهـرستها في الإسكوريال هو ميخائيل الغزيري المتوفى 879م. وهناك مكتبات من هذا القبيل في ألمانيا وفرنسا وبلغاريا والهند وإيران….. وغيـرها.
إن اختراع الكتابة عامل مهم في تاريخ الإنسانية، فازدهرت الحضارة وتقارب الناس بمبادلة الكتب والرسائل، وحقبة بداية الكتابة كانت تسمى: عصر بدء الكتابة أو عصر الكتابة، وقد بدأت على هيئة صور بسيطة ومن طور الصور إلى رموز وعلامات ، ثم مقاطع ذات قيم صوتية . وبدأ التدوين عندما تكاملت الجملة الكاملة مع إدخال الصيغة الفعلية ،وبالنسبة للخط العربي فقد وردت آراء كثيرة،؛ فمن قائل؛ إنه توقيف من الله[وعلم آدم الأسماء كلها] وروي عن
أبي ذر عن النبي [صلعم]، أن إدريس أول من خط بالقلم بعد آدم عليهما السلام، وعن ابن عباس أن أول من وضع الكتابة العربية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأول من نطق بها فوضعت على لفظه ومنطقه، والحروف أيضا لها دورها ومعانيها في الجملة. والعلماء والشراح والمفسرون، عجزوا عن فهم الحروف المقطعة الواردة في القرآن. ك: نون قال بعضهم: سمكة ، اسم من أسماء الـرب ، نون الرحمان ويقال الدواة، ولها من العدد الحسابي خمسون، ولها معان تشير إلى الأمور الأخروية. وكل حرف يحمل قيمة عددية ، وقد وظفت العلاقة بين الحروف والأعداد في علم السيمياء القديم . وهناك ترتيب للحروف هو الترتيب الأبجدي [ أبجد، هوز ،حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ] . والهمزة والألف هنا بمثابة حرف واحد.
فرمزوا بحرف إلى كل عدد مفرد ،واختراع الصفر كان له دور مهم في الحساب والرياضيات والمعاملات التجارية والتنظيم والترتيب في المؤسسات والمكتبات والأبناك وغيرها من الخدمات ، وقد تحول إلى دلالة ذات بعد ترميزي متعلقة بالكتابة السرية ، وأصبح يردد اليوم: كتاب العالم السري، وكتاب الطبيعة السري، والكتابة المصفرة أو المشفرة .
الكتاب، يرجع إليه الفضل في حفظ هذه المعلومات الهائلة، في جميع العلوم الإنسانية والدقيقة والتاريخ منذ ظهور التدوين وصناعة الكتاب ، في البداية كان قليل التداول و النشر إلى أن فكر الإنسان، في استنساخ واستخراج نسخ كثيرة من أصل واحد، مما أدى إلى ابتكار الطباعة بحروف متحركة، وإن كان الصينيون عرفوا استعمال الحروف المتحركة في أوائل القرن الحادي عشر كما يرى بعض الباحثين ، والمعروف والمتداول أن غوتنبر الألماني هو من اخترع الطباعة بالأحرف المنفصلة ، عام 1440م وباختراع الطباعة كثـرت الكتب وانتشرت بين الأقطار والأمصار، وربت المعارف ونمت المدارك بتوافر الكتب في جميع العلوم والفنون والآداب ،وإقبال الكتاب والمؤلفين على الطبع والنشر، وفي عصـرنا هذا؛ كثرت المكتبات العامة والخاصة التي تشتمل على أصناف من الكتب طبعت بطريقة فنية جيدة ، من مجلدات وموسوعات إلى كتاب الجيب، كما برزت صحف ومجلات وطنية ومحلية وأجنبية في حلل قشيبة ، ولا ننسى دور المواصلات الحديثة في الاطلاع على ما يجري في العالم. والأثير يحتل المرتبة الأولى في بث ما جد من جديد في العالم.
الدول اليوم قاطبة تهتم بالكتاب وخصصت له؛{اليوم العالمي للكتاب} الذي يصادف 23أبريل من كل سنة ، وفي معظم المدن الكبيرة تقام معارض للكتاب الجديد والمستعمل وكتاب الطفل ، وقد أصدرت هيئة [أبو ظبي] للثقافة أكبر كتاب للأطفال في العالم، كما تقام خلال المعارض عدة أنشطة ثقافية،، وتعقد قراءات شعرية وزجلية، وندوات في السرديات وغيـرها، وفي هذه اللقاءات الأدبية يتعـرف الجمهور أكثر على المبدعين والكتاب والمثقفين.
الجاحظ إمام الأدباء وحجة المفكرين الذي عاش في العصر العباسي الثاني، تحدث عن فضل الخط بقوله: وكانوا يجعلون الكتاب حفرا في الصخور ، ونقشا في الحجارة….
وعن فضل الكتب على البنيان في تأبيد المآثر بقوله:والكتب بذلك أولى من بنيان الحجارة، وحيطان المدر….وعن منافع الكتاب بقوله:…..ونعم الأنيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغـربة …… والكتاب وعاء ملئ علما ،وظرف حشي ظرفا، وإناء شحن مزاحا وجدا، إن شئت كان أبين من سحبان وائل, وإن شئت كان أعيا من باقل…]
وفيه أيضا قال المتنبي:
أعز مكان، في الدنى، سـرج سابح. ………..و خيـر جليس، في الأنام ، كتاب
وقال آخر: إذا استعرت كتابي وانتفعت به ……….. فاحذر وقيت الردى من أن تغيره
واردده لي سالما إني شغفت به…………لولا مخافة كتم العلم لم تره
وذهب البعض إلى عدم الاعتماد على الكتب؛ وعلى الطالب أن يتلقى العلم عن المعلم وقال بعضهم: [من أعظم البلية تشييخ الصحيفة] أي :.أن يتعلم الناس من الصحف . قال أحد الكتاب: من لا شيخ له فلا دين له ، ومن لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان.
قال مصعب بن الـزبير: [ إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون، ويحفظون أحسن ما يكتبون ، ويكتبون أحسن ما يسمعون ،فإذا أخذت الأدب ، فخذه من أفواه الرجال،فإنك لا تسمع إلا مختارا ولؤلؤا منثورا]، دون أن ننسى الكتب المنزلة والتي من بينها القرآن، الذي جاء كخلاصة للأديان السابقة ، فقد هذب الإنسان، وأرشده إلى الصراط المستقيم ، ووعظه بضرب الأمثال والعبـر ، وأخرجه من الظلمات إلى النور، وأنقذه من عبادة الأصنام والأحجار إلى عبادة الله الواحد القهار. ،والقرآن معجزة بكلامه وبيانه وبديعه ، وسعة علمه وكلماته .قوله تعالى [قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا]آية 104الكهف . كما ورد الكتاب مرات عديدة [ والطور وكتاب مسطور][إن كتاب الأبرار لفي عليين ، وما أدراك ما عليون، كتاب مرقوم،يشهده المقربون].[ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون] [ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون] صدق الله العظيم.
إن مشروع الكتاب يتطلب القلم والورق والكلمات والأفكار والخيال . والكتابة هويس وأحيانا هذيان ، تجد نفسك كأنك تنحت من صخر، وتارة تمتح من بحر، وأخرى تغرف من نهر ، وبين النحت والامتياح والاغتراف،تشعر كأنك في لحظة مخاض، أو قلق، وتحار حينما تنثال عليك الأفكار انثيالا، فكأنك في لحظة جنون وقال نتشيه: “واللغة نوع من الجنون العذب، وعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق جميع الأشياء”. وأندري جيد : “إن أجمل الأشياء. هي التي يقترحها الجنون ، ويكتبها العقل، ينبغي التموقع بينهما بالقرب من الجنون حينما نحلم ، وبالقرب من العقل حينما نكتب”.
المكتبة أو الخزانة عبارة عن متحف خاص بالكتب ، تحفظ جميع التراث الفكري والعلمي والأدبي والشعبي للأمة من التلف والضياع ، وكم من مكتبات دمرت ، وكتب أحرقت ،من جراء الحروب والتعصب، فالمكتبات عمران وحضارة وثقافة و تاريخ،في رفوفها المنسية أحيانا ، أفكار للعظماء والعباقرة وأسرارهم ، فأين جدالهم ومناظراتهم وتياراتهم الفكرية ومدارسهم الفنية والأدبية ؟؟ ،إن الإنسان يفنى ولكن أعماله تبقى من خلال مؤلفاته أثناء الاستقراء ،ومن جبلة الإنسان أنه يميل منذ أمد بعيد إلى تخليد أعماله وذكرياته بالولد، أو بغـرس شجرة،أو بتأليف كتاب.
ونحن نتحدث عن اليوم العالمي للكتاب،فأين نحن من الكتاب؟ ، بيوتنا مليئة بالزخرفة الحديثة ولكنها خالية من الكتب، فهي كالعقد بدون واسطة ،وبني انصار خالية من المكتبة العامة، حبذا لو شيدت مكتبة صغيرة للأطفال، لزرع فيهم حب القراءة وروح البحث والتنقيب ،إن أطفالنا اليوم؛ يميلون إلى الراحة واللعب، واستعمال الألعاب الالكترونية أكثر من الميل إلى المطالعة، إن مثل هذه التربية لا تؤدي إلى تكوين الطفل تكوينا صالحا منتجا مبدعا، سيبقى دائما مستهلكا كسولا خاملا.
وأخيرا؛ إن هذه الملاحظات حول غياب المشهد الثقافي وخصوصا المكتبات أشرنا إليها في مراسلات ترجع إلى القرن الماضي ، ولتجنب التكرار في القول ؛أقول ما قاله الشاعر القديم الحكيم زهير بن أبي سلمى :
ما أرانا نقول إلا معارا………………أومعادا من لفظنا مكرورا
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار