بدر شاشا – جريدة البديل السياسي
أبي كان كل شيء في حياتي، أغلى ما أملك.
كان إنسانًا يحب الوحدة والهدوء، ويبتعد عن المشاكل.
كان يتقاسم معنا ما يملك، قلبه أبيض وكبير.
من كثرة خوفه علينا، كان يتصل بنا يوميًا، وكان دائمًا مسامحًا.
الله يرحمه ويغفر له، ويسكنه فسيح جناته
تمرّ بنا الأيام، نسمع بعبارات الله يرحم فلان و رحم الله فلانة فنظنها عابرة، مجرد خبر آخر ضمن روتين الحياة. لكن حين يدقّ الباب على قلوبنا ويغيب أحد الوالدين، نكتشف أن ما كنا نسمعه لا يشبه أبداً ما نعيشه. حينها فقط، ندرك أن الفقدان الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، وأن الصدمة لا تطرق الباب بل تقتحمه دون إنذار.
ما أصعب أن تعيش شعور الندم على وقتٍ كان يمكن أن يُمنح، وعلى لحظات ضاعت بين الانشغال والغياب. كثيرون يملؤون أوقاتهم بالأصدقاء، بالسفر، أو حتى بالعمل، لكنهم ينسون أن أقرب الناس إليهم ينتظرون لحظة قرب، مكالمة دافئة، أو حضناً صامتاً.
أبي، سعيد شاشا،
ذلك الرجل الطيب الذي أحبّ الهدوء وابتعد عن كثرة الكلام، كان كل شيء في حياتي. كان رجلاً صادقاً، يحب الوحدة ولا يطلب من الدنيا شيئاً. الجميع أحبه لصفائه وطيبته، وأنا كنت أحبّه بصمت، وربما أحببته أكثر مما كنت أُظهر.
كنت بعيداً عنه، تركته في القنيطرة وأنا في طاطا، وتحدثتُ معه في عشية يوم الإثنين. وفي صباح الثلاثاء، جاءني الخبر كالصاعقة: أبوك مات. صدمة العمر. والطريق طويل، طويل جداً… وعند وصولي، كان كل شيء قد انتهى، دُفن أبي ولم أودّعه، لم أره لآخر مرة، لم ألمس جبينه، لم أقبل يديه.
لا شيء أقسى من أن يسبقك الزمن إلى لحظة الوداع. لا شيء أصعب من أن تفقد من كان لك الحياة، ولا تُمنح حتى فرصة البكاء عند قدميه.
رسالتي لكل من ما زال والديه على قيد الحياة: لا تنتظر لحظة الندم، لا تجعل الخلافات الصغيرة تكبر لتُبعدك عنهم. اذهب إليهم، اطلب رضاهم، سامحهم واطلب منهم المسامحة، وامنحهم من وقتك قبل أن يأتي اليوم الذي تتمنى فيه لحظة واحدة معهم ولا تجدها.
فالأبوان ليسا مجرد أشخاص… إنهما الحياة ذاتها.
تعليقات
0