كتاب وآراء

النفيحون والنفاجون… بقلم ذ.محمادي راسي

بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :

النفيحون والنفاجون

أيام الجبوة العشوائية ، والأتاوى الخاصة التي كانت تجمع في أوعية بلاستيكية سوداء ، أيام الغفلة والسيبة ، و من كثرة الجمع ، وقعت عمليات حسابية تتجلى في عملية الطرح ، وما هو مطروح يوجه إلى نشاط خاص ؛ كالجريالة والرقص والطبل ، في طنخ من الليل ، وخبز طميل ، للقضاء على الطليح ، وما لذ وطاب من الأكل .

يحسبونه حلالا ، ويخالونه بلالا ، ويبحثون عن اللذة والذات والمحرمات ، يتمسكون بالشماريج ، ولا يفكرون في يوم الرجاف والفصل ، فإذا ملكت فاسجح ، اليوم يتحسرون ويشتاقون إلى تلك الأياويم المغدقات، والليالي الكريمات بالكرميات ، من زرجون وصبوح وغبوق ، وكل ما هو مليء بالنفحات ، ومن جمة التشويق يرددون : ” تتطعم تطعم ” ، وقد أصابهم الخبل والهبل ، من كثرة الحنين .

بل الذل من المبالغة في الفشوش والانتفاخ والانتفاج ، وظنوا أن المنهل سريع المتح والغرف والمنح ، والأنهار والروافد والفراغ والوديان دائمة الجريان ، والفروع ستدوم ما دام الخافقان والدائبان .

وسيظلون على نفس الإجرياء ، من شره طعم وبيل ، وشرب الخندريس المعتق للقضاء على الغليل ، وأكل الحنكليس المشوي للقضاء على الطوى ، إلى أن أصابهم الوبال والويل ، والنئضل والضئبل ، لغياب الأعذبين ، والأخاضر الثلاثة، و الجبوة العميمة ، والغنيمة الباردة ، والمضغة اللذيذة ، وقلة الموارد المعهودة ، وندرة الفراطة ، وأفول الوجوه المألوفة التي أخناها كثرة الإغداق والكرم والمن ، بدون جدوى ، وتذهب حبوتها سدى ، وهباء منثورا .

فاشتد غضبها ، ووحرت سورة حنقها ، ووغر صدرها ، واغتاظ حيزومها ، وضاقت ذرعا الذي أبطرها ، وفار فائرها ، وفافت بقرع ظفر إبهامها على ظفر سبابتها ، من هول الابتزاز والاستفزاز ، ومنذ ذلك الحين ؛ ما ذاقوا فوفا ، وما أغنوا فوفا ، من كثرة الطمع والجشع ،”ومن أكثر التسآل يوما سيحرم “كما قال الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى ، الذي عاش قبل الإسلام .

ونحن في هذا العصر ما زلنا غافلين جاهلين ، بقلوب غير خاشعة ، وعقول غير واعية ، بدون غيرة ويقظة ، صم بكم عمي عمهون ، لصد ما يجري من كل سلوك سلبي ، وهذا ما تريده وتتعمده جهات تسير ضد النهج الصحيح ، والسبيل القويم .

لذا تفشت الأمراض الاجتماعية بأنواعها ؛ النفسية والعقلية والجسدية والمادية والمعنوية ، واستشرت السيبة ، و كثر الشر وقل الخير ، وكثر الطليف ، وقل اللطيف ، وكثر الفساد بأنواعه ، والدعر بأشكاله ، والخلع بأصنافه ، والمجح بألوانه ، والفشخ بصفاته ، والفحش ربا في الربى والسفوح والوهاد والنجاد ، والبله زاد انتشارا في الشوارع والحدائق والأحياء والأرجاء ، إلى أن انتشرت الفوضى ، واضمحل النظام والانضباط ، فصار الجاهل هو الحكيم العارف العالم المحدث الفقيه ، والأحمق هو العاقل الحاذق الصنديد ، والعاقل الواعي هو الرعديد ، لكل ما ذكر وما لم يذكر .

كثر النفيحون والنفاجون في هذه الضيعة ، وقد أضاعوها شكلا ومضمونا وصيغة وصياغة ، وقالبا ومعنى ومبنى ومغزى ، إلى أن تموت وستموت ضياعا وضيعا ، و الأعور هو الرئيس في ضيعة العميان ، والرويبضة الوضيع هو زعيم الجبناء والسفهاء والضعفاء والجهلاء ، والطماع إمام السماسرة والجشعاء المحبين لكل

ما يأتي هينا هنيئا مريئا ، بدون كلفة عن طريق الزبونية والألفة ، كالغنيمة الباردة ، والنفحة اللذيذة ، والجبوة الهينة ، والحبوة الهنيئة ، والمنحة المريئة .

إن الحرام في نظرهم لذيذ وطيب ، علاوة على صفقات ضخمة ، للحصول على امتيازات خاصة عن طريق البرطلة ، لهضم حقوق الفقراء وأكل السحت الخبيث ، والترامي على أراضي الغير بغير شرع وقانون وملكية …فقد قيل لأشعب الطماع ما بلغ من طمعك ؟فقال : “ما رأيت عرسا إلا ظننت أني صاحبه ، ولا رأيت جنازة إلا ظننت أن ميتها قد أوصى لي بشيء ، ولا رأيت اثنين يتناجيان حتى ظننت أنهما يأمران لي بمعروف “.

وإلى جانب أشعب الطماع من أهل المدينة ، وقيل فيه أطمع من أشعب ، هناك طفيل الكوفي ، وقيل فيه أطمع من طفيل ، وإليه ينسب الطفيليون ، وهناك الأشباح الذين يتقاضون أجورهم ولكنهم لا يعملون ، يتغيبون عن العمل ، يتجولون ولا يقدمون أي شيء للوطن ، بدون مردودية ولا جدوى ،يعيشون على الويمة ، وعالة على المجتمع ، تمر أيامهم سدى ، ولا أدري في أي إطار سيدرجون ؟.

وما طريقة ترقيتهم من حيث الدرجة والسلم ؟، وثمة المزورون والغشاشون في جميع الجهات والميادين والمجالات ، لا يوجلون من الله ، ولا يخافون من عذاب القبر.

من خلال السلبيات المذكورة ، والصفات الذميمة ، لا بد من تنقية الطفيليات ، ليكون المجتمع سليما خاليا من الطمع الذي يعتبر طاعونا فتاكا لا دواء له ، والذي يودي بصاحبه إلى التهلكة ، ويفضي به إلى الحضيض ، والضناكة من العيش ، ويصبح ملفجا مستقبلا ، بعد أن كان ينعم بعيش رحراح ، وهو بذخ وترف ورافه ، وفي رغد وبحبوحة من العيش ، يتبختر ويتجبر ، يفتخر وينتفج بمال غيره وما لحسه ولعقه مجانا ، وما كسبه جمعا ولما ، وهلم ضما ولفا ولملما وخلسة دسا وسرا ، ثم يعلن عن ذلك بدون شعور تبخترا ونفجا ، بدءا من المقاهي إلى الحانات والمطاعم الفاخرة ، والمواخير والملاهي والكرخانات والعلب الليلية والخانات ..

إلى أن ينتهي بتعرضه للتشرد والتسكع والأزمات ، بأنواعها المادية والنفسية ، وسيكون في وضعية المعتمد بن عبا د بسبب غروره ، وتهوره وسوء تدبيره ، وغيره من الأثرياء الذين تحولوا إلى معدمين معوزين ، يستجدون ، يتسولون ،يتوسلون ، .يستعطفون ..

جير ، لابد من التنقية كما يفعل الفلاح ؛ يهذب ويشذب مزروعاته ، ينقيها من الطفيليات لتكون سليمة ، لأجل غلة ثرة جيدة خالية من الأمراض والجراثيم ، صالحة للاستهلاك ، لما فيها من فوائد من حيث التغذية الصحية ، للقضاء على السغب أبن الفقر الذي قيل فيه :”لو كان الفقر رجلا لقتلته “، والمرض والجهل ، ونعوذ بالله كما كان الرسول صلعم يقول في دعائه :”اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر”، ونعوذ بالله من كل شر ممقوت ، وطاعون فتاك ، ومرض خبيث ، وسفيه طائش بدون وصفة علاجية ، وأمراض اجتماعية ومادية ونفسية ، وعقد معقدة ، وجهل بأنواعه المركب والمكعب .

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار