النرجسي/ قصة قصيرة الأستاذ .. عبد المجيد طعام
جريدة البديل السياسي :
النرجسي/ قصة قصيرة
عبد المجيد طعام
الثامن مارس فرصة ليراجع الرجل نرجيسيته ..
” ألو أين أنت ؟..اسرع يا حبيبي…لقد حان الموعد …إنها ليلة الثامن مارس …أنسيت ؟؟”
كان سعيد لا يزال بالمطبعة يعطي تعليماته الأخيرة ،ليخرج مولوده الأول إلى الوجود في أحسن حلة ،لكن تحت إلحاح زوجته سعيدة غادر المكان وهو يلتفت إلى الوراء ،يقاوم رغبة تغريه بالمكوث حتى يرى أول نسخة من ديوانه الشعري ” قوامة أنثى..” تشرق من ألة التصفيف .
فتح باب الشقة، اتجه نحو غرفة النوم أين كانت سعيدة ممددة على السرير تعلن بآهاتها عن بدايات المخاض، فقال لها بنبرة جد حادة : ” في الحقيقة الوقت غير مناسب للوضع !!! ” دون أن يهتم بأوجاعها استرسل في حديث عن ديوانه الشعري, وعن حفل التوقيع وبكثير من التعالي فسر لها رؤيته الشعرية العميقة ذات النزعة الحداثية الثورية، فتوهجت شفتاه بابتسامة نصر مبين وقال بصوت مرتفع : ” أكيد أن ديواني الذي سيصادف الثامن مارس سيكون دعامة قوية لنضال المرأة من أجل تحقيق مطالبها العادلة !!!”
أوقفت سعيدة سيله الجارف من الكلمات التي يغرفها من مختبر نضاله الصالوني ،و قالت له بجهد جهيد :”حبيبي الحداثي الثوري .. في ليلة الثامن مارس لدي مطلب واحد.. أريد فقط أن أصل إلى المستشفى حية! …آلام الوضع تنهكني!.. تقطع أحشائي !! ” كمن استفاق من أحلام اليقظة، اتجه بزوجته خارج الشقة ..لكن سرعان ما استبدت به أحلامه مرة أخرى، وعاد إلى ديوانه الشعري ليتحدث عن عدد قصائده وصورة وألوان الغلاف وعن المطبعة و حفل التوقيع …
استمر شلال كلماته هادرا لا يعبأ بآهات وأوجاع زوجته ،وهو يسير عبر الشارع الواسع وقبل أن يقف أمام بوابة المستشفى قال لها :” آه !! قبل أن أنسى هل حضرت لي العشاء ؟ و أين هي بذلتي السوداء و ربطة العنق سأكون غدا عريس الحفل …إنه حفل توقيع ديوان شاعر ثائر ملتزم بالدفاع عن قضايا المرأة.! ”
في طريقها إلى غرفة الولادة و هي ممددة على سرير متحرك دانه على مكان البذلة ،وأوصته بأن يسخن عشاءه ، وهو يهم بالانصراف نادت عليه الطبيبة وقالت له ” عليك أن تبقى إلى جانب زوجتك ..إنها أقل هدية تقدمها لها ليلة الثامن مارس ” وافق سعيد على مضض واختار أن يبقى في غرفة الانتظار ، لم يفوت فرصة تحفيز الطبيبة على الاسراع في عملية توليد زوجته لأن مهاما جسيمة تنتظره .
بقاعة الانتظار عرض سعيد أمام عينيه كل السيناريوهات الممكنة والمفاجئة لحفل توقيع ديوانه ،وكان في كل سيناريو يوجه عدسات الكاميرات نحوه ،لم يعبأ بمرور الوقت إلى أن سمع صوت ممرضة تناديه وتخبره بأن الطبيبة تطلبه…هناك على مكتبها وجد صورا لفحوصات بالأشعة وتقارير كثيرة مبعثرة ودون مقدمات قالت له:” زوجتك – وأظن أنك تعرف ذلك – تحمل في بطنها توأم إلا أن هناك إشكالا عويصا … لوضعية الصحية للجنينين جد حرجة … ” قبل أن يلتمس منها المزيد جالت في ذهنه أفكار سوداء رددها مرغما في صمت مخيف :” يبدو أنني سأتأخر عن حفل توقيع ديواني !! يبدو أن عين حسود ستحرمني من فرحة التميز على الأعداء !!!”
ظنت الطبيبة أن سعيد قلق على مصير زوجته و التوأم، فأرادت أن تضع حدا لقلقه وقالت :” سي سعيد .. زوجتك حامل بذكر وأنثى وضعيتهما داخل البطن غريبة ونادرة ، لقد بات من الصعب … بل من المستحيل أن نضمن الحياة لهما معا …. سي سعيد …الأمر صعب … أنت وزوجتك أمام خيارين أحلاهما مر ..عليكما أن تضحيا بأحد الجنينين ليعيش الآخر..!!”
لم يستفت سعيد زوجته سعيدة ودون أن يتعثر القلم بين أصابعه كتب على صفحة بيضاء : “أنا الموقع أسفله السيد سعيد بن أسعد السعداتو ،وأنا في كامل قواي العقلية و النفسية أوافق على التضحية بالتوأم الأنثى ليعيش الذكر كما أوافق على منح جسدها لطلبة كلية الطب بمدينتنا ،للمساهمة في تطوير البحث الطبي بوطننا العزيز .”
التوقيع سعيد بن أسعد السعداتو
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار