البديل الوطني

المهن الموسمية تنعش جيوب العاطلين وتحميهم من بسط اليد طيلة السنة

جريدة البديل السياسي : فؤاد جوهر

 مع حلول فصل الصيف الحار والجاف في مناخه، ينتعش العديد من الشباب المغربي العاطل عن العمل، ويجدون فرصة ملائمة للعمل في مهن موسمية، قد تخرجهم من شبح البطالة، ولو لفترة زمنية قصيرة يتنفس فيها الصعداء، وتنقذهم من ويلات وآهات الجيوب الفارغة. وتتنوع المهن الصيفية بحسب المناطق، وميزة كل منها، للإستفادة من عائداتها، حيث يمتهن الالاف الشباب من مختلف الفئات العمرية، يمثلون طلاب ثانويات، أو جامعات، وحتى التلاميذ، مهنا أو " بريكول" يجدون فيه محطة مهمة تزاوج بين اﻹستمتاع بالعطلة، والكد من أجل على الأقل تأمين مصاريف الدراسة واللباس وغير ذلك من متطلبات الحياة، رغم المدخول البسيط في أغلب الحالات، والمرتبط بنوعية العمل الذي تتم مزاولته في العطلة الصيفية. في هذا الصدد، وبجولة قامت بها "جريدة البديل السياسي " الى شاطئ اركمان بالناظور تصادفنا مجموعة من شباب المنطقة أغلبهم طلاب وتلاميذ، لم ينهوا بعد دراستهم، يعرضون على المصطافين كراء "الشمسيات" و"الكراسي" و"الطاولات" بثمن يتراوح بين 60 درهم و100 درهم .

 

 

يعمل ايوب وهو طالب جامعي في تأجير الشمسيات والكراسي لرواد شاطئ اركمان، أمام زحمة المنافسة، ويقول أنه ظل حريصا على مزاولة هذا العمل منذ نعومة أظافره، وأن المدخول الذي يجنيه كل موسم، يساعده في توفير مستلزمات الدراسة، من كتب وثياب، ويساهم بقدر من الأرباح الى عائلته والحاجيات الضرورية بقية أشهر السنة. غير بعيد عن المكان، يتواجد طارق، وهو تلميذ، علامات العياء واضحة في ملامحه، بعد أن جال الشاطئ طولا وعرضا، يقدم للزبناء المشروبات الغازية، وكل المبردات الموازية في ثلاجة يدوية، يحملها بين ذراعيه المتآكلتين، اثر الثقل الزائد عن اللزوم الملتف حول عنقه وذراعيه طيلة اليوم، من أجل ارواء عطش المصطافين مقابل بعض النقود والأرباح التي يجنيها في هذه الأشهر. يجيبنا بعد أن التقط بعض الأنفاس، أنه يوفر ما يقارب 7000 الاف درهم أو 8000 درهم على أكثر تقدير، خلال العطلة، وهي التي يقتني بها بعض لوازم الدراسة وبعض مصروف الجيب طيلة الموسم الدراسي ولم يخفي رغبته في شراء هاتف ذكي ان كان هذا الموسم رائجا حسب تعبيره.

 

يروي "الملوكي" ل"جريدة البديل السياسي " وهو يمتطي أحد الأبراج العالية في شاطئ أركمان، وصفارة لا تفارق عنقه، أنه دائما على أهبة اﻹستعداد ﻹنقاذ أرواح المصطافين من خطر حقيقي، قد يداهمهم أثناء السباحة، ويقول أنه منذ أزيد من 10 سنين، وهو يزاول مهنة "ميتر ناجور" أو معلم سباحة، هذه المهنة الموسمية وصفها بأنها تشعره بمسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه، رفقة زملائه في العمل، ويتابع حديثه معنا، برغم أن صفيره لم ينقطع، يحذر المصطافين من مغبة التوغل كثيرا في البحر. "ميترناجور" مهنة صعبة للغاية "خبزها قاسح" على حد تعبيره، فالعمل يبتدأ من 8 صباحا، وينتهي عند 8 مساءا، ويجب أن تكون حذرا ويقضا لأسوأ الحالات، قد تحول لحظات اﻹستمتاع باﻹستجمام، الى كابوس مزعج للمصطافين، وتحت لهيب أشعة الشمس الحارقة، مقابل ما سماه "جوج فرانك ما تشدها حتى تكون مشات". من أمام برج اﻹنقاذ، يمر من أمامنا ثلاثيني وتبدو على محياه علامات التعب واﻹرهاق، الناجم عن الصولان والجولان على طول الشاطئ بعربته، معرضا فيها فاكهة "التين الشوكي" والتي استقدمها من منطقة اسمها "بوغريبة"،قصد تقديمها للزبناء بدرهم واحد للفاكهة الواحدة، وبسؤالنا عن أرباحه المحتملة، أجابنا بأن الرزاق هو الله، وكل يوم له رزقه، وذلك حسب الرواج ونوع المصطافين، وأكد لنا أنه سيخصص أرباحه هذه السنة، لمساعدة أبيه لشراء اضحية العيد، خصوصا وأنه مياوم، وطريح الفراش لمدة تزيد عن 6 أشهر. اذاننا التقطت هذه المرة عبارة "قهوة قهوة، بلدية ومعطرة"، ورائحتها المنبعثة من اﻹبريق الكبير سعته تفوق 6 لترات، منحتنا رغبة ملحة في تناول كوب منها، خصوصا وأنها حارة وساخنة ومنكهة بعشبة "القرفة" على مجمر متحرك أرهق صاحبه الأربعيني، الذي روى لنا أنه منذ ما يزيد عن 5 سنوات، وهو يمتهن هذه المهنة الصيفية على شاطئ البحر،

 

والتي توفر له ما يناهز 100 درهم في اليوم الواحد، تساهم في لملمة مصاريفه المتنوعة والكثيرة التي لا تنتهي حسب قوله طيلة السنة، خصوصا وأنه يعيل عائلة مكونة من 3 أفراد. شاطئ أركمان ليس الا مثالا لعشرات الشواطئ المغربية التي تشكل ملاذا في هذه الفترة من السنة لأفواج من العاطلين، حيث تظهر مهن كثيرة تمتص شبح البطالة المخيف والمدمر، وتستوعب طاقات الرجال والنساء على حد سواء خلال العطلة الصيفية، مقابل الحصول على عائدات مالية تحميهم من بسط اليد طيلة شهور السنة.

     
   

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار