كتاب وآراء

الكلاب غير الضالة/ قصة قصيرة.. بقلم الأستاذ عبد المجيد طعام

بقلم الاستاذ عبد المجيد طعام 

الكلاب غير الضالة/ قصة قصيرة.

 

وهو يصنع فرص الجلوس على كرسي المجلس القروي ، بعد أن حُمٍل والده على آلة حدباء في اتجاه مقبرة الشهداء بالمدينة المجاورة للقرية المنسية ،

سطر ” ولد الحاج” مشروعا انتخابيا يُبْقي له كل الفرص للحفاظ على كرسي والده .

كانت أولوية أولوياته أن يقتني سيارة رباعية الدفع، سوداء اللون ، مرتفعة الثمن ..

شاع الخبر بين السكان… ابتهجوا في صمت، ثم أسرتهم متعة الانتظار ..

منذ أن خلق الله قريتهم ووضع عليها جدهم الأول، لا يتذكرون أنهم انتظروا في يوم ما شيئا ما إلا المطر… كانوا ينتظرون المطر كل سنة، وكان يغيب عنهم كل سنة كذلك ، ثم لم يعودوا يهتمون بحركة السحب ، كل الرياح الساخنة التي هبت على قريتهم كانت تجري بما يشتهون ، كانت تبدد كل بارقة أمل ، لكن ولد الحاج جعلهم يذوقون حلاوة الانتظار من جديد، كانوا يستيقظون قبل طلوع الفجر يجلسون القرفصاء أمام مقر الجماعة ، يترقبون قدوم رئيسهم بالسيارة الرباعية الدفع.

بعد أسبوعين من الانتظار والترقب، وهم مُقَرْفِصون تحت لهيب شمس حارقة، بدت لهم ملامح سيارة سوداء ضخمة تقترب منهم لتقف بالموقف الخاص بالسيد الرئيس، وقف الجمع وقفة رجل واحد.. تحلقوا حول السيارة… حاولوا عبثا أن يروا شكلها الداخلي لكن زجاجها الأسود كان يعكس شحوبهم ويأسهم وتعاستهم وابتسامة منهكة بجفاف وجوع طال أمدهما… قال بعضهم: “الحمد لله قريتنا حتى هي عندها طوموبل كحلة كبيرة”.

وهم منشغلون بتفحص سيارة الرئيس ،كانت تتساقط من أفواههم كلمات فقيرة وابتسامات تائهة، وكانت كلاب القرية تتوافد من كل فج عميق ومن وراء التلال والجبال ، وقفت بجرائها هُنَيْهَةً تتفحص الفرحة الشاحبة والسيارة السوداء المتعجرفة… نبحت ثم انصرفت. …

في عز فرحة أهل القرية بما جاد به عليهم رئيسهم، غادرت الكلاب القرية، فرت من خمس سنوات عجاف أخرى… اختارت أن ترحل إلى المدينة، سمعت أن بها حاويات قمامة توفر حظا أوفرَ من الحياة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار