جريدة البديل السياسي- بقلم: [ رشيد اخراز ]
كان هذا النفق يوماً ما شرياناً نابضاً في جسد المدينة، يعج بخطى العمال وهدير القطار.
هو النفق ذاته الذي كان يربط بين مناجم الفحم وقلب المدينة، حيث تمر القاطرات محملة بالفحم، والقلوب محملة بأمل الغد، والوجوه ملطخة بالسواد لكنها مشرقة بعزيمة لا تخبو.
كان العمال يتوافدون كل صباح، بخطى ثابتة رغم تعب الأمس، يدخلون النفق وهم يعلمون أن ما بعده لقمة عيش، وقصة كفاح جديدة. كان صوت القطار وهو يشق طريقه في ظلمة النفق يوقظ المدينة على يوم جديد، يوم تحركه السواعد وتنبض فيه الحياة.
أما اليوم، فقد بات النفق صامتاً. توقف صوت القطار، وخفتت ضحكات العمال، وغابت الخطى التي كانت تترك أثراً على أرضيته. أصبح النفق، الذي كان ينبض بالحياة، موطناً للغبار، والجدران المتآكلة، والذكريات المتراكمة.
تسكنه الآن أنفاس المدينة المثقلة، وتحوم فيه أشباح البطالة، والفقر، والنسيان. تتراكم في جنباته المخاوف، وتنسكب فيه أحزان جيلٍ لم يعش مجد النفق بل ورث عبء تاريخه.
لم يعد النفق ممراً للعمال، بل أصبح رمزاً لوضع مدينة بأكملها. مدينة كانت تقاتل لتعيش، لكنها الآن تصارع كي لا تُنسى. صدى الماضي لا يزال يتردد بين جدرانه، لكنه صدى محاصر بصمت الحاضر.
ربما سيعود النفق يوماً ليحمل الحياة، وربما تخرج من ظلمته شرارة أمل جديدة. لكن إلى أن يحدث ذلك، سيبقى شاهداً صامتاً على زمنٍ كان فيه العمل شرفاً، والنفق حياة.
تعليقات
0