التحالف العسكري-الأمني المغربي الإسرائيلي للحفاظ على الأمن القومي العربي
البشير الحداد الكبير،باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بطنجة
كما هو معلوم أن العالم العربي اليوم يشهد توترات، هناك العديد من المخاطر والتهديدات، حروب وإرهاب ومختلف أنواع الجرائم، إذ نجد في الشرق الأوسط النظام الإيراني الذي يريد تفكيك الوطن العربي وإحتلاله ويدعم التنظيم الإرهابي الحوثي، وفي المنطقة المغاربية نجد النظام الجزائري الذي يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي بشمال إفريقيا،حيث أنه خلال هذه السنة خصص ميزانية ضخمة للأسلحة وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحذيره،فالنظام الإيراني والجزائري وجهان لعملة واحدة فهما يشكلان خطرا على الأمن القومي العربي ككل،فإيران تدعم الجزائر في تسليح التنظيم الإرهابي البوليساريو، فكلا من النظامين يعيش أزمات داخلية ويعيش على حافة الإنهيار، عوض أن يركز على تحسين الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لشعوبهما فهو يركز على خلق تهديدات في الوطن العربي.
إن المغرب بصفته عضوا نشيطا وفعالا في المنظومة الدولية يسعى دائما لإحترام المواثيق الدولية ونشر الأمن والسلم الدوليين، وبعد إستئناف علاقته مع إسرائيل سنة 2020 لاحظنا أن هناك شراكات ثنائية بين البلدين تمت خلال سنتين، شراكات متميزة تصب في مصلحة الوطن العربي والإسلامي، شراكات هدفها بالدرجة الأولى الحفاظ على السلم والإستقرار، ركزت بالأساس على المجال العسكري، الأمني والإستخباراتي،بإعتبار أن كلا البلدين رائدين في هذه المجالات، وبالتالي إلى أي حد ستساهم الشراكات في الحفاظ على الأمن القومي العربي؟ للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد التقسيم التالي :
المحور الأول: سنتين من إستئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية :أي تحالفات عسكرية؟
بعد إستئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية بتاريخ 10 دجنبر 2020، تم فتح مكتب الإتصال، كما عرف كلا البلدين زيارات متبادلة بين مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، حيث تم توقيع في نونبر من السنة الماضية مذكرة تفاهم بهدف تنظيم التعاون الإستخباراتي والمشتريات الأمنية وتطوير الروابط الصناعية والتدريب المشترك ، وفي شهر مارس من هذه السنة كانت هناك أول زيارة عسكرية إسرائيلية للمغرب قصد إنشاء لجنة عسكرية مشتركة وذلك لتحديد خطة عمل مشتركة، وفي الفترة الممتدة من 20 إلى 30 يونيو من هذه السنة شاركت إسرائيل لأول مرة كمراقب في مناورات “الأسد الإفريقي” بقيادة المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وهنا نفتح القوس بأن مناورات الأسد الإفريقي ما هي إلا الثقة الدولية في القوة العسكرية المغربية ومن أجل تبادل الخبرات والتجارب.
وفي يوليوز من هذه السنة قام رئيس الأركان الإسرائيلي بزيارة للمغرب دامت 3 أيام همت إقامة علاقة تعاون في الميدان العسكري والأمني والإستخباراتي، من خلال الإهتمام بمجال التكوين ونقل التكنولوجيا وكذا تقاسم الخبرات بين القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة الإسرائيلية،كما قام السيد المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال “بلخير فاروق” بزيارة لإسرائيل خلال شهر شتنبر للمشاركة في مؤتمر دولي حول الإبتكار في المجال العسكري وتم التأكيد فيها على توسيع مجالات التعاون العسكري بين البلدين ليشمل التكنولوجيا والإبتكار، فالمغرب وإسرائيل يريدان إقامة توازن بالمنطقة ونشر السلم ومواجهة جميع التهديدات، وكما هو معلوم أن المغرب وإسرائيل لهما نظرة مشتركة بخصوص التهديد الإيراني، وما يؤكد ذلك أنه في القمة العربية المنعقدة بالجزائر مؤخرا في شهر نونبر، الديبلوماسية المغربية الناعمة فرضت على الجزائر إدخال نقطة “إدانة التدخل الإيراني” وهذا ما تم بالفعل،حيث أن النظام الإيراني لا يريد فقط تفكيك وتدمير الشرق الأوسط وإنما يريد أيضا التوغل في شمال إفريقيا من خلال الدخول للمغرب وبسط المد الشيعي، لكن يقظة المؤسسات الأمنية الإستخباراتية المغربية أحبطت هذه المحاولات اليائسة.
وتجدر الإشارة أن المغرب وضع أيضا خارطة طريق واضحة بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التعاون العسكري خلال العشرية 2020-2030 قصد النهوض بمشاريع مشتركة للإستثمار في قطاع صناعة الدفاع.
إن توجه المغرب لتنويع شراكاته هو قرار يعبر عن سيادة المملكة المغربية الشريفة،بالإضافة إلى كونه يعبر عن ترجمة فعلية لديباجة دستور 2011، ثم أنه خيار إستراتيجي لمواجهة المخاطر في منطقة غير مستقرة (منطقة شمال إفريقيا،والساحل الإفريقي وجنوب الصحراء)، ويجب ألا ننسى بأن توجه المغرب نحو إقتناء أسلحة متطورة وتنويع تسليحه وتطوير الصناعة العسكرية المحلية كان متوقعا، حيث أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية كان قد أكد في أمره اليومي للقوات المسلحة الملكية بتاريخ 14 ماي 2019 على هذا المعطى، حيث أكد فيه جلالته حفظه الله ورعاه أن القوات المسلحة الملكية ستهتم ببرامج البحث العلمي والتقني والهندسي والعمل على تعزيزها وتطويرها في جميع الميادين العسكرية والأمنية، على المستويين الإفريقي والدولي، من أجل تبادل الخبرات والتجارب ومواكبة التطور المتسارع في ميادين الأمن والدفاع.
وكما هو معلوم أن المغرب تحت القيادة الرشيدة للمؤسسة الملكية مهد للصناعة العسكرية المحلية من خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره في يوليوز 2021 تماشيا مع الفصل 49 من دستور 2011 ،ومباشرة بعده تم صدور القانون 10.20 المتعلق بالعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة،الذي حدد بشكل مفصل شروط التصنيع والاستيراد والتصدير للمعدات والتجهيزات العسكرية، وفتح المجال لأول مرة للمستثمرين والشركات المتخصصة من أجل اقتحام هذا المجال الحساس والحيوي تحت إشراف اللجنة الوطنية لعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة،ويترأس هذه اللجنة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني أو من يمثله، وتضم في عضويتها السلطات الحكومية ذات الصلة بالموضوع، وهي الداخلية، الشؤون الخارجية، المالية، الصناعة، التجارة الخارجية، علاوة على أربعة ممثلين عن القوات المسلحة الملكية، وممثل واحد عن كل من الدرك الملكي، والمديرية العامة للأمن الوطني، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
إن المغرب فتح المجال للتصنيع العسكري المحلي أمام الشركات والمستثمرين أولا لتعزيز وتقوية قدرته العسكرية الدفاعية والهجومية وكذا لتحقيق الإكتفاء الذاتي وتجنيب ثقل تكاليف الصفقات العسكرية.
إن المغرب من خلال هذا التحالفات سيعزز من دوره الإقليمي في الحفاظ على الأمن والسلم، لاسيما أن سياسته الخارجية مبنية على إحترام مبادئ ومقاصد ميثاق سان فرانسيسكو المحدث لمنظمة الأمم المتحدة ، وقد لاحظنا أنه ساهم بشكل قوي في الحفاظ على أمن وإستقرار الدول الإفريقية،وله مساهمات أممية في ذلك، وإستضافته للحوارات الليبية التي أنجبت إتفاق الصخيرات، فالمغرب يحافظ على السلم بالجوار المتوسطي والإفريقي وهذا ما أكد عليه جلالة الملك في الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب السنة الماضية،كما أنه يحظى بمكانة دولية مهمة حيث أنه استضاف في شهر أكتوبر “مبادرة 5+5 دفاع” والتي تضم رؤساء أركان القوات المسلحة لدول الضفة الجنوبية المتوسطية (المغرب، الجزائر، موريتانيا، تونس، ليبيا) والضفة الشمالية المتوسطية(البرتغال وإسبانيا ومالطا وفرنسا وإيطاليا) وهذا المنتدى تم إطلاقه سنة 2004 وعرف غياب كلا من الجزائر وتونس هذه المرة، حيث ركز على مجالات السلامة البحرية والأمن الجوي ومساهمة القوات المسلحة في تدبير الكوارث الكبرى وكذا البحث الأكاديمي والتكوين وبتعزيز تعاونهم أكثر من أجل النهوض بالأمن والاستقرار في المنطقة، ورفع التحديات المشتركة في هذا الفضاء الحيوي، وخاصة محاربة الاتجار غير المشروع، والهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والتلوث البحري.
وتجدر الإشارة قبل الإنتقال إلى المحور الثاني أن الحفاظ على الأمن القومي العربي لا يقتصر فقط على التحالف الثنائي المغربي الإسرائيلي بل يشمل أيضا التحالف المغربي مع دول الخليج الشقيقة.
المحور الثاني : التعاون الأمني المغربي الإسرائيلي
إن الشراكات المغربية الإسرائيلية لم تقتصر فقط على الشق العسكري بل شملت أيضا الجانب الأمني، ولعل الزيارة التي قام بها المفوض العام للشرطة الإسرائيلية للمغرب في شهر غشت من هذه السنة خير مثال على ذلك، حيث التقى بالسيد “عبد اللطيف حموشي” المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني،هذه الزيارة استمرت لخمسة أيام، وتم إبرام إتفاقيات التعاون الأمني الإستخباراتي،حيث همت الإتفاق على تسليم المجرمين والقيام بتدريبات مشتركة للموارد البشرية في مجال الإستخبارات والتكنولوجيا،بالإضافة إلى تقاسم الخبرات والتجارب وتبادل المعلومات في سائر المجالات الأمنية (مكافحة الإرهاب، مختلف الجرائم العابرة للحدود الوطنية)، وكما هو معلوم أن المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب والتطرف ولعل القمة العربية المنعقدة بالجزائر مؤخرا نوهت بالنموذج المغربي الرائد في محاربة الإرهاب.
إن المغرب لا يقتصر فقط دوره في الحفاظ على الأمن بإفريقيا بل يشمل أيضا حتى أوروبا، فالمغرب شريك إستراتيجي في الحفاظ على الأمن القومي الأوروبي، إذ أنه يفكك شبكات إجرامية تتاجر في البشر وشبكات المخدرات وشبكات الهجرة غير المشروعة بفضل مجهودات المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للدراسات والمستندات، كما أنه يفكك العديد من الخلايا الإرهابية، فكما هو معلوم أن الهجرة السرية أو غير المشروعة،هناك تدفق كبير للمهاجرين من مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو والسودان يذهبون عبر منطقة مغنية مرورا بالحدود الشرقية للمملكة المغربية للوصول إلى سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين، إذن ليس هناك تنسيق وتعاون أمني جزائري مغربي، فالجزائر تمتنع عن هذا التعاون رغم سياسة اليد الممدودة للمؤسسة الملكية تجاهها، ورغم أن الجزائر عقدت قمة أطلقت عليها “لم الشمل” إلا أنها في الواقع عبر سياساتها وعبر إغلاقها للحدود توضح بالملموس أنها تريد تفكيك الشمل،فجلالة الملك حفظه الله ورعاه في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2021 قال للجزائر بأنه لا هو ولا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا الرئيس الجزائري السابق مسؤولين على قرار الإغلاق وقال جلالته :”… ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على إستمراره، أمام الله، وأمام التاريخ وأمام مواطنينا… ” وأكد جلالته بأننا إخوة فرق بيننا جسم دخيل لا مكان له بيننا،ورغم أن هناك إرادة ملكية حقيقية وقوية للصلح والحوار والتفاهم مع الجزائر لطي ملف الماضي وإرساء قواعد جديدة تتماشى مع المبادئ المتعارف عليها دوليا ومع معاهدة مراكش لسنة 1989 المؤسسة لإتحاد المغرب العربي إلا أن النخب الجزائرية لازالت تفضل عدم الحوار وعدم التنسيق والتعاون ، وأمام التحديات الخطيرة قام المغرب بتنويع شراكاته مع مختلف دول العالم للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وفي الختام نقول أن الشراكات المغربية الإسرائيلية ستطعي أكثر فأكثر ثمارها وأكلها وستزداد هذه الشراكات مع صعود الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيسها بنيامين نتنياهو، فالأمن والإستقرار هم مشترك، ونفتح قوس قبل الختم بأن ما تحاول الجزائر ترويجه بأن المغرب تخلى عن القضية الفلسطينية، فلعل الإجماع العربي الأخير في القمة المنعقدة بالجزائر نوه بالمجهودات التي يبذلها رئيس لجنة القدس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده خدمة للقضية الفلسطينية، يعتبر أكبر جواب على الإشاعات التي تحاول الجزائر نشرها لتضليل الرأي العام الدولي،دون أن نخوض في الحديث عن القمة الأخيرة التي كانت فاشلة قبل إنطلاقها، من خلال غياب أبرز القادة العرب المساهمين الرئيسيين في صناعة القرار السياسي العربي كالسعودية والإمارات والأردن والبحرين والكويت وسلطنة عمان.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار