جريدة البديل السياسي
تحولت العديد من الأحزاب التي كان يراهن عليها المغاربة، من أجل قيادة التغيير والمساهمة في التنمية الشاملة وتكريس الديمقراطية الداخلية، ليصل إشعاعها إلى المؤسسات العمومية عند تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام، إلى أحزاب الأتباع والمقربين والروابط والعلاقات العائلية، عوض نهج سياسة التقاطع في نفس الأهداف بالنسبة إلى المنخرطين، ووضع برامج انتخابية تغري بالمناقشة والبحث في سبل تنزيلها على أرض الواقع.
إن تبعات قتل الديمقراطية الداخلية بالأحزاب، تتجلى بشكل واضح في خلق زعامات ورقية لا يمكنها تقديم أي قيمة مضافة للمشهد السياسي، كما تعجز عن المساهمة في تجويد الخدمات العمومية وخدمة الصالح العام، وتنتج التفاهة وتمييع العملية السياسية، عوض الجدية المطلوبة في التدبير.
في هذه المرحلة بالذات، نحن في أمس الحاجة إلى أحزاب بزعامات تتوفر على كاريزما سياسية قوية، يمكنها مواجهة كافة التحديات المرتبطة بتبعات الحروب الاقتصادية والسياسية العالمية، ومعالجة الركود السياسي الذي تعيشه جل الأحزاب، وتحول الحلبة السياسية إلى ساحة للحرب الكلامية الفارغة والسب والشتم، ومحاولة البعض تحويل العلاقة بين القيادة والقاعدة إلى علاقة الشيخ بالمريد.
يجب أن تعلم الأحزاب السياسية أن من صميم مهامها الرفع من مستوى الحوار السياسي، الذي نزل إلى الحضيض، وقيادة النقاش العام ليصب في المصلحة العامة، والعودة إلى الجدية في التأطير وتوعية المواطن بالمرحلة التي تجتازها المملكة، وإقبالها على قفزة نوعية في جميع المجالات، شرط اليقظة الضرورية واستغلال الأحداث والتحولات الإقليمية والعالمية المتسارعة.
وبقرب الانتخابات التشريعية المقبلة 2026، توجد الأحزاب أمام اختبار الشفافية والنزاهة ومعايير الكفاءة في التزكيات، ما يمكن من تشكيل فرق برلمانية قادرة على الإنتاج التشريعي بما يواكب روح العصر، ويعالج التحولات المجتمعية، فضلا عن مواكبة التحولات الاقتصادية أيضا، بما يخدم تشجيع الاستثمار والتشغيل وخلق الثروة ومحاربة الفساد المتحور الذي يغير جلده، حسب المصلحة والأجندات الضيقة.
وعوض تباكي الأحزاب السياسية والمطالبة بالمزيد من الاختصاصات لفائدة المجالس المنتخبة، يجب أن تراجع إهمال المنتخبين للمسؤوليات الملقاة على عاتقهم من الأصل، وتهربهم من تنزيل القوانين التنظيمية، كما يجب على الأمانات العامة للأحزاب التوقف عن تزكية الفاسدين والمتابعين قضائيا وذوي السوابق العدلية، لما في الأمر من عرقلة مباشرة لعجلة التنمية، وتحويل الاجتماعات بالمؤسسات الرسمية إلى ما يشبه السيرك والممارسات البهلوانية وتبادل الاتهامات بالفساد والرشوة، ما يفاقم من أزمة الثقة بين المواطن ومؤسساته.
إن الأحزاب السياسية من الفضاءات التي يجب أن يحس فيها العضو المنخرط بحرية التعبير عن الرأي ومناقشة القرارات الداخلية بجرأة، والتداول في قضايا الشأن العام بدون طابوهات، أو خطوط مرسومة سلفا، تكرس لاستمرار القيادات بالمناصب وتمعن في تمجيد الأشخاص وليس البرامج، ومنح المسؤوليات على أساس علاقة القرب من القيادة، وليس معايير الكفاءة والقدرة على العطاء.
تعليقات
0