إقليم سيدي بنور: ظاهرة الأشخاص المختلين عقلياً في مدينة الوالدية: خطر يهدد السلامة العامة ومسؤوليات غائبة
نورالدين عمار – جريدة البديل السياسي
تعد مدينة الوالدية، المدينة الساحلية التي تجذب العديد من الزوار بسبب مناظرها الطبيعية والمرافق السياحية، واحدة من الوجهات التي تعاني مؤخراً من ظاهرة تزايد حالات الأشخاص المختلين عقلياً، والتي بدأت تهدد سلامة وأمن السكان والزوار على حد سواء. هذه الظاهرة، التي أصبحت تمثل تحدياً حقيقياً للسلطات المحلية، تثير العديد من الأسئلة القانونية والاجتماعية والأخلاقية حول كيفية التعامل معها وحماية المجتمع من أخطارها.
الأضرار المادية والجسدية:
تتجلى هذه الظاهرة بشكل واضح في تصرفات أحد الأشخاص الذي يشتبه في أنه مختل عقلياً. هذا الشخص، الذي يُشاهد متجولاً في أحياء المدينة، يُثير الفزع بين السكان والزوار، حيث يقوم باستخدام قضيبه الحديدي وعصا لتخريب الممتلكات والاعتداء على الأشخاص. حالات عديدة من الاعتداءات المادية والجسدية سُجلت جراء تصرفاته العدوانية، حيث تم تهديد سلامة السيارات التي تتعرض للتخريب، بالإضافة إلى تضرر المحلات التجارية والمقاهي التي أصبحت هدفاً له. في بعض الحالات، أُصيب الزوار والمواطنون بجروح متفاوتة الخطورة نتيجة للضرب المتعمد.
العديد من المواطنين، الذين تضرروا من هذه التصرفات، توجهوا إلى مركز الدرك الملكي لتقديم شكاواهم. ولكنهم صُدموا بتكرار نفس الجواب: “مختل عقلياً، ما عندنا ما نديرو ليه”. هذا الرد يبرز حجم المشكلة، حيث يتضح أن الجهات المسؤولة لا تتعامل بجدية مع هذا النوع من القضايا، ما يزيد من معاناة المتضررين ويعزز شعورهم بالعجز أمام الظاهرة.
التعامل مع حالات الاختلال العقلي: غياب الإجراءات الفعالة
بحسب تصريحات بعض السكان، يُقال إن باشا مدينة الوالدية قد قام بإرسال الشخص المختل إلى مستشفى الأمراض العقلية. لكن المفاجأة تكمن في أن المستشفى رفضت قبوله بحجة أن الطبيب الذي فحصه لم يتبين له أنه يعاني من مرض عقلي. هذه الحادثة تثير العديد من التساؤلات حول مستوى التشخيص والعلاج المقدم في المؤسسات الصحية، وتطرح سؤالاً حول فعالية الإجراءات الطبية المتعلقة بحالات الاختلال العقلي.
إن رفض المستشفى احتجاز الشخص المختل، رغم تصرفاته العدوانية، يعكس إشكالية كبيرة في التعامل مع الأشخاص الذين يُشتبه في معاناتهم من اضطرابات عقلية. إذا كانت السلطات المحلية والمستشفيات تتعامل مع الحالات بعشوائية أو تباطؤ، فإن ذلك يعني أن الأضرار ستستمر وأن الناس سيظلون عرضة للخطر.
هل هو مختل عقلياً أم مجرد محاولة للتهرب من المسؤولية؟
إحدى الروايات التي يتداولها البعض في المدينة تشير إلى أن هذا الشخص قد لا يكون فعلاً مختلاً عقلياً، بل قد يكون يتظاهر بذلك بهدف التهرب من العقوبات القانونية نتيجة لمشاكل قانونية سابقة. بعض سكان المدينة يعتقدون أن تصرفاته العدوانية قد تكون مدفوعة بأسباب أخرى، مثل محاولته الهروب من عقوبات قانونية، ما يزيد من تعقيد الموقف.
هذه الاحتمالية تفتح المجال للتساؤل حول ما إذا كان الشخص يتعمد التظاهر بالمرض العقلي أو أن هناك نقصاً في آلية الفحص والتشخيص الطبي. في كل الأحوال، فإن غياب حلاً حاسماً لهذه الظاهرة يترك المدينة في حالة من عدم الاستقرار الأمني ويزيد من شعور السكان بالخوف والقلق.
مسؤوليات الجهات المختلفة في التعامل مع الظاهرة
تتعدد الجهات التي يقع على عاتقها التعامل مع مثل هذه الحالات، بدءاً من السلطة المحلية، مروراً برجال الدرك الملكي، وصولاً إلى المستشفيات التي تختص في علاج الأمراض العقلية. إلا أن جميع هذه الجهات تبدو عاجزة أو متراخية في معالجة المشكلة بشكل فعّال.
السلطة المحلية:
يقع على عاتق السلطة المحلية، ممثلة في الباشا والقيادة المحلية، مسؤولية اتخاذ الإجراءات الفورية للتعامل مع هذه الحالات، سواء من خلال التنسيق مع الجهات الأمنية أو الصحية. يجب على السلطة المحلية أن تعمل على توفير بيئة آمنة للساكنة والزوار، عبر فرض الرقابة على الأماكن العامة ومراقبة الأشخاص الذين يُحتمل أن يشكلوا تهديداً للسلامة العامة.
رجال الدرك الملكي:
إن رجال الدرك في مدينة الوالدية يواجهون تحدياً في التعامل مع حالات الأشخاص المختلين عقلياً. فهم مسؤولون عن ضمان الأمن والسلامة، ولكن في حالة الأشخاص المختلين عقلياً، يحتاجون إلى أن يكون لديهم فهم أعمق حول كيفية التعامل مع هؤلاء الأفراد، سواء من حيث الاحتجاز أو تحويلهم إلى الجهات الطبية المختصة. إن التهاون في التعامل مع مثل هذه الحالات يعرض حياة المواطنين للخطر.
المستشفيات والمؤسسات الصحية:
من الضروري أن تُبدي المستشفيات المختصة في الأمراض العقلية درجة أعلى من الحرص في فحص الحالات. إذا كانت هناك شكوك حول صحة التشخيص، يجب على الأطباء إجراء فحوصات أكثر شمولاً أو إحالة الحالة إلى أطباء مختصين آخرين. كما أن هناك حاجة لتوفير طرق علاجية طويلة الأمد للأشخاص الذين يتم تشخيصهم فعلاً كمصابين باضطرابات عقلية، وليس فقط تشخيص سريع يُحيلهم إلى الشوارع مجددًا.
التحديات القانونية والأخلاقية:
في هذا السياق، تبرز العديد من التحديات القانونية والأخلاقية التي تحتاج إلى مناقشة جدية. فمن الناحية القانونية، هل يُعتبر الشخص المختل عقلياً غير مسؤول عن تصرفاته؟ هل تُعفى الجهات الحكومية من مسؤوليتها في توفير الرعاية والعلاج له؟ وإذا كان يثبت أنه يتظاهر بالمرض العقلي، هل يكون هناك عواقب قانونية واضحة على هذا التصرف؟
أما من الناحية الأخلاقية، فإن المجتمع بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية. ينبغي أن يتم توفير الرعاية الطبية اللازمة والتعامل مع هذه الحالات بروح من الإنسانية، بحيث يتم حماية المجتمع دون الإضرار بحقوق الشخص المعني.
تتفاقم ظاهرة الأشخاص المختلين عقلياً في مدينة الوالدية، وتؤثر بشكل كبير على سلامة المواطنين والزوار. إن غياب التنسيق بين الجهات المحلية والأمنية والصحية يعقد المشكلة، ويزيد من معاناة سكان المدينة. من المهم أن تتخذ السلطات خطوات جادة ومؤثرة لمعالجة هذه الظاهرة، وأن يتم تقديم الدعم الطبي والنفسي للأفراد المختلين عقلياً، بما يضمن سلامة المجتمع وحمايته من المخاطر المحتملة.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار