روبورتاج و تحقيق

إقليم سيدي بنور “الما حلو؟ مول السواني جا عود ثاني!”… أزمة مياه سيدي بنور وتهافت المواطنين على حلول مؤقتة تكشف ضعف الرقابة وتفاقم معاناة السكان

جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار.

 

 

تعيش ساكنة إقليم سيدي بنور أزمة مائية حادة باتت تهدد حياتهم اليومية، إذ يعانون من انقطاع المياه المتكرر، فضلاً عن تدهور جودتها إلى درجة أن الكثير من المواطنين باتوا يفضلون شراء المياه من الباعة المتجولين رغم شكوكهم حول مصدرها وسلامتها الصحية.

“الما حلو” و”مول السواني جا عود ثاني”، كلمات يرددها الباعة الذين يبيعون المياه من عرباتهم، لكنهم أصبحوا في نظر الكثيرين الخيار الأقل ضررًا مقارنة بمياه شركة تسيير المياه ” الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء سطات ش. م” التي تزداد جودتها تدهورًا يوماً بعد يوم.

أزمة المياه: من “الماء الحلو” إلى المياه الملوثة تشهد مدينة سيدي بنور انقطاعًا متكررًا للمياه يمتد في بعض الأحيان من الساعة الثامنة مساءً حتى الثامنة صباحًا، مما يؤثر بشكل كبير على حياة السكان.

لكن المشكلة الأكبر تكمن في تدهور جودة المياه، حيث يجد المواطنون أنفسهم أمام مياه غير صالحة للاستهلاك في كثير من الأحيان، سواء بسبب الطعم أو اللون أو حتى بسبب الملوثات التي قد تؤثر على صحتهم

المياه التي تصل إلى المنازل عبر الشبكة العامة أصبحت محل شكوك، إذ يعاني السكان من مشاكل صحية مختلفة مثل الأمراض الجلدية بسبب تلوث المياه. ورغم أن التعهدت بتحسين الوضع، إلا أن الوضع لم يتغير بشكل يذكر، مما جعل السكان يضطرون إلى اللجوء إلى حلول بديلة مثل شراء المياه من الباعة المتجولين الذين يبيعون “مياه السواني” أو “مياه الآبار”، رغم أنهم لا يملكون أية ضمانات حول مصدرها أو جودتها.

السلطة المحلية: دور رقابي مفقود السلطات المحلية في سيدي بنور تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه الأزمة، حيث يتعين عليها فرض رقابة صارمة على جودة المياه المقدمة للسكان من جهة، وعلى الباعة المتجولين من جهة أخرى. في هذا السياق، تبرز التساؤلات حول دور السلطة في ضمان سلامة المياه وفرض القوانين المتعلقة بذلك. ورغم وجود قوانين تحظر بيع المياه غير الصالحة للاستهلاك، إلا أن الباعة المتجولين لا يزالون يشكلون جزءًا من الحلول التي يعتمد عليها المواطنون، مما يضع السلطة المحلية في موقف حرج.

يبدو أن غياب الرقابة الكافية على هؤلاء الباعة يزيد من تعقيد المشكلة، حيث يتعرض المواطنون للمخاطر الصحية بسبب شراء مياه غير معروفة المصدر.

الشركة الفائزة بالصفقة: بين الوعود والخدمات المتردية في عام 2023، تم التعاقد مع شركة خاصة لتسيير قطاع المياه والصرف الصحي في سيدي بنور، على أمل تحسين جودة المياه والخدمات المقدمة.

لكن للأسف، لم تلب هذه الشركة تطلعات المواطنين، بل إن الخدمات تدهورت بشكل ملحوظ.

مياه غير صالحة للشرب، وانقطاع متكرر، وجودة مائية منخفضة، كلها مشاكل تضع الشركة في دائرة الاتهام. العقد المبرم بين الشركة والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب كان من المفترض أن يضمن توفير مياه ذات جودة عالية وباستمرارية تامة، لكن الواقع الحالي يوضح أن الشركة لم تلتزم بما تعهدت به، مما أدى إلى استفحال الأزمة. تساؤلات عديدة تُطرح حول أسباب هذا التدهور، خاصة وأن هذه الشركة تحصل على أموال من المواطنين مقابل خدمات لا ترقى إلى المستوى المطلوب.

المواطن البنوري: الضحية الأولى أمام هذه الوضعية الصعبة، يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة أزمة حقيقية، فبينما تتراجع خدمات المياه، يضطر البعض للجوء إلى شراء المياه من الباعة المتجولين، رغم عدم ضمان سلامتها.

“مول السواني جا عود ثاني”، هذا التعبير أصبح مألوفًا لدى سكان سيدي بنور، في إشارة إلى أن خيار مياه الآبار أو السواني بات أفضل بكثير من مياه الشركة التي تزداد سوءًا.

إن المواطن البنوري الذي كان يعول على الحلول التي طرحتها الشركة الخاصة وتوقع تحسنًا في الخدمات، فوجئ بتدهور الوضع، ما يزيد من حجم معاناته. ويبقى السؤال الأبرز: ماذا تنتظر السلطات المحلية والشركة لتحسين الوضع وتقديم مياه صالحة وآمنة للاستهلاك؟ مسؤولية مشتركة بين السلطة والشركة تتطلب الأزمة الحالية في سيدي بنور تدخلًا سريعًا من جميع الأطراف المعنية.

يجب على السلطة المحلية تكثيف جهودها في مراقبة جودة المياه سواء تلك التي تقدمها الشركة أو التي يبيعها الباعة المتجولون، والعمل على اتخاذ إجراءات قانونية رادعة ضد كل من يساهم في تعريض صحة المواطنين للخطر.

من جانبها، يجب على الشركة المعنية بتوزيع المياه الوفاء بالتزاماتها تجاه السكان وتقديم مياه ذات جودة مقبولة، وإلا فإن التعاقد معها سيكون مجرد إجراء شكلي يعكس فشلًا كبيرًا في مواجهة الأزمة.

إن المعاناة المستمرة للمواطنين في سيدي بنور تتطلب اتخاذ حلول عاجلة تضمن لهم الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة، وتحفظ صحتهم من الأمراض الناتجة عن تلوث المياه.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار