إطلالة على طلل الشارع الرئيسي: ذ : محمادي راسي
جريدة البديل السياسي.كوم / بقلم ذ.محمادي راسي
إطلالة على طلل الشارع الرئيسي
توطئــــــــــة :
قال سيد البشرية ذو الخلق العظيم ، والمحتد الكريم ، الرسول "صلعم" منذ خمسة عشر قرنا في حديثه عن حق الطريق ، سيبقى حكمة تجمع بين القانون والأخلاق والاجتماع والتواصل والتعارف ومحاربة المنكر ،قال :"إياكم والجلوس في الطرقات ،فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال :فإذا أبيتم إلا المجالس ، فأعطوا الطريق حقه ، وقالوا ما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وهناك روايات : إياكم والجلوس بالطرقات أو على الطرقات ، هذا الأمر نتركه لأهل الحديث واللغة وخصوصا معاني حروف الجر …
الشارع الطريق النافذ الذي يسلكه جميع الناس ، ويقال بيت شارع أي : قريب من الطريق ، وشرع الرجل أظهر الحق وقمع الباطل ، وشرع فلان علينا دنا وأشرف ، وضرب على الشرع أي الأوتار ، اشترع الشريعة سنها ومنه تثنية الاشتراع وهو السفر الخامس من التوراة ، وشرع من أفعال المقاربة يدل على بدء القيام بالعمل ،يتجرد خبرها من أن ، ويكون جملة فعلية فعلها مضارع ، والشارع اسم فاعل وهو صيغة فاعل بمعنى مفعول ، والتشريع عند البديعيين أن يبني الشاعر بيته على قافيتين يصح الوقوف على كل واحدة منهما ، أما التصريع فتقفية المصراع الأول .
إطلالة علـــــــــــــى طلل الشارع الرئيسي :
الشارع الرئيسي بمدينتنا هو الطريق الرئيسي الذي كان يؤدي إلى مدينة الناظور في عهد الحماية وبعد الاستقلال ، وشارع أخر مستحدث من ملتقى الطرق إلى" باصو " ، كان ممرا للقطارات التي كانت تنقل المعادن من وكسان منذ بداية القرن العشرين في فترة الحماية وبعدها بقليل إلى مليلية السليبة ، وبين الشارعين مساحة أرضية عريضة خصصت للحديقة ثلاثة أجزاء منها ؛ قفراء عفراء غبراء مهملة ، تمرغ فيها الدواب والكلاب ويجلس فيها رواد المقاهي ، أما الجزء الباقي ففيه أشجار النخيل ، وبعض الأعشاب غير متناسقة ، تداس بالأقدام وأرجل الكراسي والموائد ، لغياب المراقبة ، وتغريم كل من ارتكب مخالفة في الحديقة والشوارع وغيرها ، و الجزء القريب من محطة القطار كان فيه بناية ضخمة هدمت ، كانت مخصصة لخزن المعادن وشحنها ثانية ، كما هدم مرأب القطارات ولم يترك قطار واحد ، ليبقى ذكرى تاريخية ليزوره السكان والمارون ، معالم تاريخية حطمت في رمشة عين ، وقد استغرقت سنوات من حيث التشييد ، ومآثر أخرى مهملة بغياب ثقافة الحفاظ على الذاكرة ، بسبب الإهمال والجهل ، واليوم نلاحظ أننا جميعا نخرب فضاءات المدينة بأيدينا وأرجلنا وسلوكاتنا وأفواهنا بكلام ساقط صاخب سوقي، إننا نعيش انكسارا داخليا وخارجيا ، فملاعب القرب انتزعت سياجاتها ، وشوارعنا وأرصفتنا وحدائقنا محتلة بغير سند قانوني ، أزبال وأزبال أنى اتجهت ، نساهم فيها جميعا بثقافة "معليهش " ، وعدم القدرة على محاربة الإدد والاستبداد، بسبب الوجل والجبن ، كالصفرد ، حتى قيل ؛ "هم أجبن من صافر" ، فكثر أهل الشر ، وقل أهل الخير ،وكثر التغاوي والتجني ، والتكالب والإلب ، والنعر والتناحر .
في الشارع الرئيسي بالقرب من السوق المنتظر ، تحول اليوم إلى شبه مرحاض يتبول بجانبه منعدمو الضمير نهارا ، بالقرب منه أزبال تزكم الأنوف ، يمر بها مئات من المواطنين ، ومياه راكدة كدرة كالقار أو الزفت ، لا أدري ما نوع هذا الشارع الرئيسي المتواجد بقلب المدينة ؟ وما نوع هذه المدينة …؟؟ وما نوع بعض المواطنين القاطنين ؟ وما نوعنا نحن جميعا لأننا نساهم في خلق هذه الوضعية بسبب سوء الاختيار ، بل الرجل المختار الذي يريد أن يتحمل المسؤولية ليس في المستوى المطلوب ، لا يهمنا الحزب والتيار والاتجاه والتوجه …ااا ،إنه سوء التسيير والتدبير ، لذلك ننهار وكما قال الشاعر النمساوي راينر ماري ريكله :
"هذا العالم
نشيده فينهار
ثم نشيده ثانية
فننهار ثانية "
أين نحن من فناني شوارع باريس ؟ " فقد حولوا باريس ـــ كما كتب أحد الكتاب ـــ إلى فضاء من الأنغام الراقصة والاستعراضات الضخمة ، اختاروا الإبداع بحرية بعيدا عن قيود الزمان والمكان". في بروكسل بساط من الورود الطبيعية بسط على الشارع الرئيسي ، مما يدل على الاهتمام بالشوارع للمحافظة على جمالية المدينة ، وغيرها من الاهتمامات حتى بالشواطئ ؛ ففي اسبانيا مكتبات شاطئية ، أطلق عليها اسم :"بيبليو بلايا " للقراءة مجانا ، والتمتع والاستمتاع بأصوات البحر الساحرة ، في هذا تهذيب لحاسة البصر والسمع ، وتثقيف للعقل ، وتأمل في الكون ، وتحفيز على الإبداع والابتكار ، بغض النظر عن الألعاب الرياضية الشاطئية ، بينما نحن نثبت ذواتنا بالاستفزاز والمشازرة والمشارزة والتحرش والنجش والهمجية ، والتهجم على حريات الآخرين ، والتعويض والتصعيد ، والهرج والمرج ،والسلوكات المشينة ، نلوث البيئة صوتا وفعلا ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير…وينضاف إلى ما تقدم من تلوث ؛ضجيج بعض السائقين ليلا إلى الصباح بالصياح والمشاجرة ، وبأزيز محركات سياراتهم و صفير صفاراتها ، قرب منازل الجيران على طول الطريق /الشارع الرئيسي أزيد من كيلومترين ، لأجل الدخول إلى مليلية المحتلة للتبضع والتهريب المعيشي، إنهم يزعجون ويوقظون السكان من نومهم في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الراحة والهدوء …
فالاغتراب عن الفن ملموس ، والانفصال عما يحدث في الحياة واضح ، وغياب روح المواطنة جلي ، والغيرة على المدينة منعدمة ، لذلك جاءت شوارعنا وحدائقنا مليئة بحياة القبح والبؤس والعفن والأدران ، عمدا وسهوا ، وجهلا بقيمة الفن والجمال ودورهما في الحياة الاجتماعية والنفسية والصحية .
الشــــــــــــــــارع الرئيســــي ليــــــــــــــلا .
في الليل كأنك في مدينة الأنوار ، مدينة الجن والملائكة كما يقال لها ، المتشردون بمختلف أعمارهم ، والمتخلى عنهم ، والمتسكعون ، والشجراء ، يتأبطون الورق المقوى يتخذونه كالفراش ليناموا تحت أشجار النخيل في الشارع الرئيسي ، وآخرون يتخذون شجيرات الدفلى كمأوى ، ينامون بين أغصانها الملتفة ، وإذا أردت أن تلاحظ ذلك ، فاستيقظ صباحا لتر جسوما ملقاة على بساط العشب ، لا تتحرك ولا تحس ولا تشعر ولا تعي ، تنام مطمئنة بارتياح كأنها في فندق من خمسة نجوم ، وهي غائبة عن العالم وهمومه ومتطلباته ، بدون شهادة السكنى ، و لا مكان الازدياد ،وبدون البحث عن الأهل والأصل والفصل والأكل …..
في الشارع الرئيسي أمام المارين والجيران بعض المقاهي تبقى مفتوحة إلى الساعات الأخيرة من الليل ، بل إلى الثالثة صباحا ، ـــ أليس لها توقيت ؟؟؟ ـــ تتحول إلى ملاه بسبب بعض المدمنين على الميسر والحشيش والشيشة وبعض الصرعى والمصروعين الغلف الغلث …. وهم ذوو صرعين ، في الأرصفة والحديقة ، يقربون الكراسي إلى المنازل عمدا …. تصدر عنهم أصوات مرتفعة بسبب الاختلاف والمشاجرات تقلق راحة الجيران ، وتوقظهم وتحرمهم من النوم ، وبعضهم يتعمدون ذلك ويجدون فيه راحة ومتعة ، بسبب تأثيرات كحولية أوشيشية أوحشيشية أوقرقوبية ، أو دوليووية ….. للتعويض والتصعيد والافتخار والتبجح ، لإثبات الذات المنهزمة التي نخرتها السموم المختلفة …بل إنها ذات تهيجها تلكم السموم والمتع الفتاكة ، تريد البطش والفتك و"التشرميل" ، إن مناظر التراخي الأخلاقي لا يراها بل ، يتغافل عنها المسؤولون عن هذه المدينة وأهل الشأن المحلي ، والمجتمعات المدنية ، وهي تقع في قلب المدينة بالشارع الرئيسي ،لا ندري ما سبب التهاون وغض الطرف والتغافل ، والمصابيح الكهربائية التي تم إصلاحها أخيرا ، تكشف عن كل شيء ليلا ، وتبقى حجة ودليلا ..؟؟، عليهم أن يشرعوا ما يحدث بالشارع الرئيسي ….وما يقترف من إجرام وسرقات .. وما يلاحظ من السرعة المفرطة من طرف بعض السائقين المتهورين …..فإن النفوس أصابها القرف ، والقلوب كلت وعميت من شدة المصاخبة والهمرجة والهمرجان والهذيان والصنة والصنان …؟؟؟؟
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار