قضية و تعليق

إستعمال وثائق «مزورة» للسطو على أملاك الغير

مريم العطاف – جريدة البديل السياسي :

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة السطو على الأراضي السلالية بإقليم القنيطرة، من طرف أشخاص نافذين وسياسيين يستغلون علاقاتهم «المتشعبة» مع مسؤولين بالسلطة المحلية للتغاضي عن عمليات السطو، وتجاهل التوجيهات الملكية والدوريات الصادرة عن وزير الداخلية لحماية هذه الأراضي من «مافيا العقار».

وقام أشخاص نافذون بينهم منتخبون بمجالس جماعية وغرف مهنية بالسطو على مساحات شاسعة من الأراضي السلالية الموجودة بضواحي مدينة القنيطرة، وشيدوا فوقها قصورا فخمة و«فيلات» مجهزة بالمسابح وملاعب «التنس» وكرة القدم، حيث تحولت منطقة «الهماسيس» الموجودة بطريق طنجة إلى ما يشبه «محمية» خارج القانون لهؤلاء النافذين الذين يستفيدون من حماية جهات بالسلطة المحلية، علما أنهم استعملوا طرقا ملتوية ووثائق تحوم حولها شبهة «التزوير» للسطو على هذه الأراضي.

وأفاد مصدر مسؤول بوزارة الداخلية بأن «الفيلات» و«القصور» الفخمة المشيدة فوق الأراضي التابعة للجماعة السلالية «الهماسيس»، هي بنايات غير قانونية، ولم تخضع لمسطرة التفويت. وأكد المصدر أن مصالح المديرية وجهت إنذارات لهؤلاء «المحتلين» من أجل الإفراغ، لكن السلطة على المستوى المحلي لم تنفذ هذه القرارات. وتحدث المصدر عن وجود تواطؤ على المستوى المحلي، خاصة أن هذه البنايات شيدت في واضحة النهار وأمام «الأعين التي لا تنام»، مؤكدا أن الوزارة ستعمل على فتح تحقيق في الموضوع بإرسال لجنة مركزية إلى عين المكان لإنجاز تقرير مفصل حول الخروقات المرتكبة.

وحسب المصدر ذاته، فقد استعانت وزارة الداخلية بجيش من المحامين لمواجهة عمليات السطو على الأراضي السلالية من طرف «مافيا» العقار، حيث وجهت حوالي 8 آلاف إنذار لأشخاص يحتلون عقارات مملوكة للجماعات السلالية بطريقة غير قانونية، وأبرمت مصالح الوصاية على هذه الأراضي بالوزارة، 38 اتفاقية مع المحامين بمختلف جهات المملكة من أجل الترافع في كل المنازعات القضائية التي تهم الجماعات السلالية.

وقامت مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية بدراسة ومعالجة جميع الشكايات الواردة بخصوص الترامي والاعتداء على العقارات الجماعية، كما تكلفت بإمداد المحامين المتعاقدين معها بجميع الاجتهادات القضائية الصادرة لفائدة الجماعات السلالية لتوحيد العمل القضائي في مادة الأراضي الجماعية، وكذلك التمثيل الفعلي لمصالح الوصاية عبر الحضور في جلسات البحث التي تقررها المحاكم في مختلف الملفات، كما وضعت المديرية برنامجا معلوماتيا لتدبير الأراضي السلالية، وذلك لمواجهة أي محاولة للسطو أو الترامي على هذه الأراضي.

ومن جهة أخرى، فتحت المفتشية العامة لوزارة العدل تحقيقا موسعا حول توثيق عقود غير قانونية، استعملت في السطو على الأراضي السلالية بالعديد من المناطق، بعدما كشفت التحريات وجود تلاعبات خطيرة في عمليات لتفويت آلاف الهكتارات بدون سند قانوني، وباستعمال وثائق مزورة في بعض الحالات.

وأوضحت المصادر أن وزارة الداخلية توصلت بتقارير حول توثيق عقود التفويت والتنازل عن عقارات مملوكة للجماعات السلالية بكيفية غير قانونية، كما أن وزير الداخلية، وفق مصادر موثوقة، يستعد لاتخاذ خطوات أخرى لمواجهة هذه الظاهرة في انتظار توصله بالتقرير النهائي للجنة من المفتشية العامة لوزارة العدل، كلفها الوزير بإنجاز مهمة تفتيشية بعدد من الدوائر القضائية تخص بالأساس الاطلاع على كافة العقود الموثقة خارج القانون وضبط مختلف المتدخلين الذين يتواطؤون في هذه التلاعبات من أجل ترتيب الأثر القانوني عن ذلك.

وتوصلت وزارة الداخلية برسائل إخبارية تفيد بقيام بعض أعضاء الجماعات السلالية بالتنازل أو تفويت قطع أرضية استفادوا من الانتفاع بها، لفائدة أشخاص أجانب عن الجماعات السلالية التي ينتمون إليها في خرق واضح لمقتضيات القانون المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير ممتلكاتها، وقد تبين من خلال دراسة الوثائق المعتمدة في هذه العمليات العقارية أن العديد منها يتم توثيقها من طرف محامين مقبولين للترافع أمام محكمة النقض في إطار المادة 4 من مدونة الحقوق العينية.

وفي إطار الأبحاث التي باشرتها وزارة العدل استنادا إلى التقارير الإخبارية التي توصلت بها من طرف عدد من المسؤولين القضائيين بالمحاكم، فقد تم الوقوف على صحة هذه الوقائع والمعطيات، وتبين أن الأمر يتعلق بظاهرة أصبحت تكتسي طابع الخطورة البالغة، وتثير قلقا متزايدا، وتمس بالأمن القضائي، وثقة المواطنين في الأنظمة العقارية المنظمة بمقتضى نصوص قانونية لها طابع الإلزام، علما أن القانون المنظم للوصاية على الأراضي السلالية، ينص صراحة على عدم جواز تفويت أملاك الجماعات السلالية إلا في الحالات ووفق الشروط الواردة في القانون ونصوصه التطبيقية، وذلك تحت طائلة بطلان التفويت.

ووجه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، دورية إلى ولاة الجهات والعمال حول تدبير النزاعات القضائية المرتبطة بأملاك الجماعات السلالية، يحثهم من خلالها على حماية هذه الأملاك، فإذا كان الأمر يتعلق بالاستغلال غير القانوني من طرف الغير لأرض جماعية أو نصيب أحد أعضاء الجماعات السلالية فإنه يجب، بعد معاينة وإثبات واقعة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة قانونيا، كإثبات حال أو محضر المعاينة أو إشهاد السلطة المحلية ونواب الجماعات السلالية، وإذا كان العقار محفظا، يجب تقديم طلب الإفراغ عن طريق القضاء الاستعجالي مع مطالبة المستغلين غير القانونيين المدعى عليهم بأداء تعويضات عن الاستغلال غير القانوني أمام القضاء العادي (قضاء الموضوع)، وترفع دعوى الإفراغ مع التعويض أمام قضاء الموضوع في حالة وجود علاقة كرائية سابقة والحالات المماثلة التي يحتمل أن يصرح بشأنها القضاء الاستعجالي بعدم الاختصاص النوعي.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار