جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

مارتن لوثر كينغ… الرجل الذي حلِم أن تستيقظ الأرض بلون واحد.

images (14)

جريدة البديل السياسي -جمال الغازي .

في كل عام، حين يطلّ الخامس عشر من يناير، تتوقف أمريكا قليلا لتتذكّر وجها أسمر مضيئا، خرج من أزقّة الظلم يحمل في يده شعلة من الإيمان، وفي قلبه حلم يتّسع للعالم كله.

ذلك هو مارتن لوثر كينغ، الرجل الذي واجه العنصرية بلا سلاح، وانتصر بالكلمة على الرصاص، وبالحلم على الحقد. ولد كينغ عام 1929 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، في زمن كان اللون يحدّد قيمة الإنسان، وكانت الكرامة تمنح بدرجات البشرة.

في بيت مؤمن بالمحبة، تربّى الطفل الصغير على صوت التراتيل، لكن في داخله كانت ترتسم تساؤلات أكبر من عمره: لماذا يهان إنسان لأن بشرته داكنة؟ ولماذا لا تكون العدالة للجميع؟ كبر مارتن، وكبر معه الحلم. التحق بـكلية مورهاوس عام 1942، ثم واصل دراسته حتى نال الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن عام 1955. لكنه لم يكتف بعلم الكتب، فقد كان يبحث عن فلسفة تعيش في الشوارع، وتطهّر القلوب قبل أن تقنع العقول. من على منبر الكنيسة، وقف مارتن شابا يقول للناس:

“سيأتي يوم نحطم فيه القيود لا بالقوة، بل بالمحبة.”

ومنذ تلك اللحظة، بدأت مسيرته الكبرى. قاد حركة الحقوق المدنية، واختار أن يواجه العنف بالسلام، والكراهية بالصبر. لم يكن في يده سلاح سوى صوته، ولا في جيبه إلا إيمانه بأن العدل يولد من رحم المعاناة. قاد المقاطعات، ونظّم المسيرات، وكان صدى خطبه يهزّ المدن كما تهزّ الرياح أعمدة الظلم. وفي واحدة من أعظم لحظات التاريخ، صعد المنصة وقال كلماته الخالدة:

“لديّ حلم… بأن يعيش أبنائي في وطن لا يُحكَم عليهم فيه بلون بشرتهم، بل بمحتوى شخصياتهم.”

كانت كلماته ترتّل مستقبلا لم يأت بعد، وتوقظ ضمير أمة كانت تغطّ في سبات التفرقة. لكن طريق الحالمين طويل، محفوف بالأشواك. تعرّض كينغ للاعتقال، وهددوه، وضيّقوا عليه، ومع ذلك لم يتراجع. كان يقول:

“حتى لو متّ غدا، فإني أرى البذرة تنبت اليوم.”

وفي صباح من الرابع من أبريل عام 1968، امتدت يد الغدر لتغتال الجسد في فندق لورين بمدينة ممفيس. سقط كينغ، لكن الحلم لم يسقط، بل انتصب واقفا بين القلوب، ينادي الأجيال: لا تخافوا النور، فالنور لا يقتل أحدا. ترك لنا هذا الزعيم وصيّة خالدة: أن نقاوم بالحب، وأن نحلم رغم القهر، وأن نؤمن بأن الإنسان وُلد ليكون حرا. لقد علّمنا أن اللاعنف ليس ضعفا، بل حكمة وسموّ، وأن العدل الحقيقي لا يُنتزع بالصوت العالي، بل بالضمير الذي لا يسكت. كما قال محمود درويش يوما:

“على هذه الأرض ما يستحق الحياة.”

وأنا اقول اليوم: على هذه الأرض ما يستحق أن يحلم، لأن مارتن لوثر كينغ حلم قبلنا، ومات ليبقى حلمه حيّا فينا.

ليس علينا أن نكون مارتن لوثر كينغ كي نغيّر العالم، لكن علينا أن نملك حلما يشبهه، وإيمانا لا تهزّه العواصف. ابدأ بعدم السكوت على الظلم الصغير، لأن الصمت عن الصغير يولّد الكبير. وازرع في محيطك بذرة عدل، فكل شجرة حرية كانت يوما ضل للأجيال القادمة. احلم… حتى لو ضاق بك الطريق، فالحلم الذي لا يجد أرضا ينبت في القلوب النقية. عزيزي خذ هذا النور، فقد يحتاجه قلب آخر لا يزال يبحث عن فجره.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي