جريدة البديل السياسي – فاطمة العوام / متابعة
بعد وضع الأصفاد في يد “شناق” الماستر، الذي كان يختفي وراء قبعة الأستاذ الجامعي والقيادي الحزبي، صار المطلوب أن نعرف لائحة زبائنه، لأن الحديث يدور عن أسماء تتصدر المشهد بعد أن تسللت إلى عدد من المؤسسات والهيئات التي تتحكم في المال العام وفي مصائر الناس، في هذا البلد الذي صار فيه الفساد مثل بحيرة بلا ضفاف.
الخوف هو أن يكون مصير التحقيق في هذا الملف مشابهاً لمحاكمة الوزراء في السبعينات، حينها تم فرملة البحث، وصار المحققون يطلبون من بعض المتهمين والشهود أن يقتصدوا في الكلام حتى لا تسقط المزيد من الرؤوس.
من باع الدبلومات صار معروفاً، لكن “الكلْيَان ديالو” لازالوا مجهولين… وبالتالي، المطلوب هو أن نعرف “الشلاهبية” ونُخب الكرطون الذين ركبوا على ظهر “الماستر فود” والدكتوراه تحت الطلب من أجل تولي مناصب مهمة… وهذا هو الأهم، لأن استمرارهم في وظائفهم ومناصبهم هو جريمة أخطر.
من جهة أخرى، فإن الهزات العنيفة التي تعرضت لها الجامعة المغربية بفعل تفريخ عدد من فضائح البيع والشراء والملفات الجنسية، صارت تطرح أكثر من سؤال حول من له المصلحة في تكريس صورة الجامعة وكأنها “بورديل بدون بواب”.
اليوم، وبدل المبادرة للقطع مع هذه السلوكات الموجودة ووضعها في سياقها الذي يبقى من اختصاص العدالة، نعاين في كل مرة حرصاً شديداً على تسويقها كقضية رأي عام، على حساب أشكال الفساد القديمة، التي لم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على الاقتراب منها.
لقد تم في وقت سابق الإجهاز على مكانة واعتبار عدد من المؤسسات والمهن، ويبدو أن الدور قد حان لتحطيم صورة الأستاذ الجامعي، وهدم مكانة مؤسسة الجامعة، التي تدفع اليوم فاتورة باهظة من سمعتها، وبشكل يراد منه تحطيم ثقة المغاربة فيها، بعد أن نجحت العملية مع المدرسة العمومية، كما يراد منه نزع أي مصداقية عن خطاب النخب الجامعية.
في كل أزمة توجد فرصة للإصلاح، لكن ما يحدث اليوم من تمريغ لسمعة الجامعة في وحل الفضائح، وبشكل متزامن، يكشف أننا نتهرب فعلاً من عملية الإصلاح التي ادعت عدد من الحكومات أنها باشرتها، كما نتهرب من حقيقة أننا أصبحنا مثل أي ميكانيكي فاشل، نزيل قطع الغيار ونعيدها إلى مكانها، ونتجاهل مكان العطب الحقيقي.
لقد عانت الجامعة المغربية ولسنوات طويلة من أزمة طالت الجودة والإنتاج والإنصاف والشفافية، لعوامل متداخلة.
أزمة فضّلت عدد من الحكومات المتعاقبة أن تتعامى عنها، ما حول هذه المؤسسة من فضاء للمعرفة، والعلم، وخلق النخب، إلى سوق تسربت إليه الكثير من الممارسات التي انتهت بنا إلى عمليات بيع وشراء علنية للنقط والشهادات الجامعية، بما فيها “الماستر”.
سلوكات لم تجد من يتصدى لها، ما ضرب مصداقية الجامعة في مقتل، قبل أن يحين الدور على فضائح النقط مقابل الجنس.
فضائح توالت في ظرف زمني وجيز، وسط نفخ إعلامي، وبشكل لا يُفهم منه إلا الإجهاز على سمعة الجامعة، بعد أن تم التركيز على هذا الشكل من الفساد، دون غيره من أشكال الفساد الثقيل التي تم التعامي عنها، بل والتعايش معها لأغراض لم تعد تخفى على أحد.
اللافت أن كراج الإصلاح الذي تدخل إليه الجامعة في كل مرة، يرافقه جدل كبير في ظل التخبط والتضارب، وعدم بسط الحكومات ومعها الوزارة الوصية لأي رؤية واضحة.
رؤية تُسعف على إنصاف الأستاذ الجامعي والبحث العلمي، ورسم خارطة محددة في سقف أهدافها وأمدها الزمني.
جدل يرافقه أيضاً الكثير من التوجس من أن تتحول الجامعة بدورها إلى مصدر لتفريخ الكثير من الصفقات التي ترضي مصالح أطراف معينة تحت ذريعة الإصلاح، ولنا عبرة في ما حدث في خطط وصفقات إصلاح المدرسة العمومية، التي لا زالت جمعيات حماية المال العام تطالب بكشف المتورطين فيها، بل وعلى الأقل كشف نتائج التحقيقات التي بوشرت بشأنها.
الجميع يطالب بالإصلاح، ويُلِحّ على تطهير الجامعة من أي سلوك أو ممارسة لا علاقة لها بالبحث العلمي والأكاديمي، لكن الأمر لا يجب أن يتم بأجندة تقطر منها الكثير من علامات الاستفهام، خاصة إذا تعلق الأمر بمؤسسة لها حرمتها ووزنها ومكانتها الاعتبارية لدى عموم المغاربة.
مؤسسة لطالما أنجبت الكثير من القيادات والزعامات والنخب، قبل أن تصبح الآن، وبأكثر من إرادة، رحِماً يُنتج الفضائح، ومشتلاً للعطالة والعنف، ورهينة لمنطق “التبزنيس”، و”باك صاحبي” الذي غرقت فيه عدد من التعيينات.
تعليقات
0