جريدة البديل السياسي
حزب جبهة القوى الديمقراطية ينظم حفل توقيع ومناقشة كتاب ” البوليساريو وإيران:أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف” المؤلف والحقوق ب الجزائري أنور مالك.
شكل استضافة حزب جبهة القوى الديمقراطية للباحث والمفكر الجزائري أنور مالك، يوم الثلاثاء 9 دجنبر 2025، لتقديم وتوقيع كتابه “البوليساريو وإيران: أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف”، حدثًا ذا دلالة عميقة في المشهد السياسي والثقافي، خاصة في سياق النقاشات الدائرة حول قضايا الأمن الإقليمي والتدخلات الخارجية في المنطقة المغاربية.
هذا اللقاء لم يكن مجرد فعالية ثقافية عابرة، بل جاء كحلقة ضمن سلسلة ندوات استراتيجية أطلقها الحزب منذ عام 2021 تحت عنوان “علاقات المغرب مع جيرانه”، مما يؤكد الطبيعة الممنهجة والمستمرة لاهتمام الحزب بتحليل التحديات الجيوسياسية المحيطة بالمملكة.
إن تناول موضوع يربط بين جبهة البوليساريو، والجمهورية الإيرانية، ومسألة الإرهاب، يضع الكتاب ومناقشته في صميم القضايا الشائكة التي تؤرق الاستقرار الإقليمي.
يُعد أنور مالك شخصية مثيرة للجدل في الأوساط السياسية الجزائرية والمغاربية، حيث اكتسب شهرة واسعة من خلال كشفه عن جوانب خفية تتعلق بتنظيمات معينة وعلاقاتها بالدوائر الدولية. كتابه، الذي يتمحور حول ثلاثية معقدة هي البوليساريو وإيران والإرهاب، يقدم وجهة نظر تحليلية تركز على تفكيك شبكات الدعم والتنسيق التي قد تستغل الصراعات الإقليمية لتحقيق أجندات أوسع. هذا النوع من الأعمال البحثية، الذي يستند إلى خبرة شخصية أو معلومات متعمقة، يهدف إلى إثارة الوعي حول الأبعاد الخفية للنزاعات التي تبدو للوهلة الأولى محلية أو إقليمية بحتة.
إن اختيار حزب جبهة القوى الديمقراطية لاستضافة هذا الحدث يعكس توجهًا واضحًا للحزب نحو تعميق الفهم للقضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية والأمن القومي. فالحزب، من خلال هذه السلسلة من الندوات، يسعى إلى توفير منصة للحوار والنقاش المتخصص، بعيدًا عن الخطابات السطحية أو الانفعالية.
تركيز مالك على العلاقة بين البوليساريو وإيران يلامس نقطة حساسة تتعلق بتصدير الأيديولوجيات المتطرفة واستخدام بعض الأطراف الوكلاء لتحقيق مصالح دولية، وهو ما يمثل تهديدًا أمنيًا مباشرًا للمنطقة.
في سياق تحليل محتوى الكتاب المفترض، من المرجح أن يتعمق مالك في تحليل الأدوات التي تستخدمها هذه الأطراف لضمان استمرار الصراع، سواء كانت أدوات عسكرية، مالية، أو إعلامية.
يشير العنوان “أسرار الإرهاب” إلى أن المادة المقدمة ستكشف عن آليات تجنيد وتمويل وتدريب، قد تكون مرتبطة بشبكات دولية أوسع تتجاوز الإطار الجغرافي المباشر للنزاع في الصحراء.
فالتشبيك بين إيران، التي غالبًا ما يُنظر إليها كقوة تسعى لتوسيع نفوذها عبر “محور المقاومة” أو حلفائها الإقليميين، وبين جبهة مسلحة مثل البوليساريو، يمثل نموذجًا للكيفية التي يمكن بها تحويل نزاع إقليمي إلى مسرح للصراعات الجيوسياسية الكبرى.
سلسلة ندوات الحزب حول “علاقات المغرب مع جيرانه” توفر الإطار الأكاديمي المناسب لمثل هذه المداخلات.
فالمغرب، كفاعل رئيسي في شمال أفريقيا، يواجه تحديات معقدة مع جيرانه، أبرزها النزاع حول الصحراء الغربية. عندما يتم ربط هذا النزاع بعامل خارجي كالدور الإيراني، فإن النقاش ينتقل من مجرد خلاف حدودي إلى مسألة أمن إقليمي أوسع يشمل مكافحة التطرف والتدخلات الأجنبية.
هذا النوع من التحليل يخدم هدفًا استراتيجيًا يتمثل في بناء جبهة داخلية موحدة بفهم أعمق لطبيعة التهديدات المتعددة الأوجه. إن حضور شخصية مثل أنور مالك، الذي غالبًا ما يوصف بأنه منشق أو ناقد للنظام الجزائري من منظور مختلف، يضفي مصداقية إضافية على الطرح بالنسبة للجمهور المؤيد لهذا النوع من الروايات.
فعندما يأتي التحذير من مصدر لديه معرفة داخلية محتملة بالدوائر التي يتحدث عنها، فإن تأثيره يكون أقوى من التحليلات الخارجية المحايدة. هذا التوجه يعكس استراتيجية سياسية تستخدم الأدب والبحث الأكاديمي كأدوات لتعزيز الموقف السياسي والدبلوماسي للدولة المضيفة للمناقشة، أي المغرب، فيما يتعلق بقضية الصحراء.
على صعيد بناء الخطاب، يمثل تقديم مثل هذا الكتاب محاولة لتأطير الصراع في الصحراء ليس كقضية تصفية استعمار تقليدية، بل كجزء من صراع أوسع ضد النفوذ الإيراني ومراميه التخريبية في المنطقة. هذا التأطير يخدم مصالح الرباط بشكل مباشر لأنه يضع خصومها في خانة المجموعات المدعومة خارجيًا والمتورطة في أنشطة غير مشروعة مثل الإرهاب، مما يقلل من شرعيتهم السياسية ويصعب من تحالفاتهم الدولية.
لم تكن استضافة جبهة القوى الديمقراطية للباحث أنور مالك مجرد حدث عابر، بل كانت رسالة سياسية وثقافية مدروسة ضمن إطار استراتيجي أوسع للحزب لفهم وتوضيح تحديات العلاقات المغاربية. إن مناقشة كتاب “البوليساريو وإيران: أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف” تضع الأصبع على أهمية ربط النزاعات الإقليمية بالديناميكيات الجيوسياسية الكبرى، مسلطة الضوء على دور البحث والتحليل في تشكيل الوعي العام حول قضايا الأمن القومي والإقليمي في مواجهة شبكات التدخل الخارجي المزعومة.
يُشكل الكتاب في سياق العمل الفكري والأكاديمي تتويجًا لمسيرة طويلة من الدراسة المتعمقة والبحث الدؤوب والتحليل النقدي. وعندما يتعلق الأمر بملف استراتيجي بالغ التعقيد والحساسية، كملف الوحدة المغاربية في ظل التحولات الإقليمية الراهنة، فإن هذا التتويج يكتسب أهمية مضاعفة، إذ يمثل خلاصة لتراكم معرفي يهدف إلى إضاءة الدروب المستقبلية.
إن تناول هذا الموضوع، ضمن برنامج فكري منظم، يضعنا أمام ضرورة استعراض الأبعاد البنيوية والسياسية التي تحكم مسيرة هذا الكيان الإقليمي، استنادًا إلى الحوار المسؤول الذي يحتاجه المغاربة لتجاوز عقبات الماضي واستشراف آفاق التكامل. إن السياق الإقليمي الحالي في منطقة المغرب العربي يتميز بديناميكيات متضاربة؛ فمن جهة، تتزايد الحاجة الملحة إلى تضافر الجهود الاقتصادية والأمنية لمواجهة التحديات المشتركة، كالتغيرات المناخية، والإرهاب العابر للحدود، والضغوط الاقتصادية العالمية. ومن جهة أخرى، تظل الخلافات السياسية العميقة، وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية، عائقًا رئيسيًا أمام أي تقدم ملموس نحو التكامل الفعلي. هذا التناقض هو ما يجعل دراسة مستقبل الوحدة المغاربية ملفًا استراتيجيًا بامتياز.
الكتاب الذي يتوج هذه الجهود البحثية يقدم تقييمًا شاملًا لهذه المعطيات، محاولًا بناء جسور الفهم بين الرؤى المتباينة. افتتاح السلسلة الفكرية بمحاضرة لشخصية بحجم الرئيس الأسبق التونسي الدكتور منصف المرزوقي يمنح النقاش بُعدًا تاريخيًا وسياسيًا عميقًا.
فالتجارب الانتقالية التي مرت بها تونس، وموقعها المحوري في المنطقة، يجعلان رؤيته للمستقبل المغاربي ذات ثقل خاص. إن استشراف المستقبل لا يمكن أن يتم بمعزل عن تحليل جذور الأزمة البنيوية التي ضربت المشروع الوحدوي منذ سبعينيات القرن الماضي. هذه الأزمة لم تكن مجرد خلافات سياسية عابرة، بل كانت نتاجًا لتراكمات تتعلق بتعريف الهوية الوطنية لكل دولة، وتضارب المصالح الاقتصادية، وتأثير القوى الخارجية المتباينة على مساراتها التنموية.
أحد المحاور الأساسية التي يجب أن يتناولها البحث المتوج في كتاب هو التحديات البنيوية. هذه التحديات تشمل التفاوتات التنموية الهائلة بين دول المنطقة، حيث تتباين مستويات التصنيع، والتركيبة السكانية، ومستوى الانفتاح الاقتصادي.
فبينما تمتلك بعض الدول ثروات طبيعية ضخمة، تعاني أخرى من تحديات هيكلية في قطاعات التعليم والتوظيف. غياب التنسيق الاقتصادي الفعال يمنع نشوء سوق مغاربية موحدة قادرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الكبرى.
على سبيل المثال، يمكن ملاحظة كيف أن حجم التبادل التجاري البيني بين دول الاتحاد الأوروبي يفوق بكثير حجم التبادل بين دول المغرب العربي، رغم التقارب الجغرافي والثقافي.
هذا التباين البنيوي يتطلب رؤية اقتصادية مشتركة تتبنى سياسات متكاملة بدلًا من الاعتماد على المقاربات الوطنية المنعزلة. أما التحديات السياسية، فهي الأكثر حساسية وتعقيدًا.
إن الانقسامات الحدودية غير المفتوحة، والتوترات الدبلوماسية المستمرة، تعيق حرية حركة الأفراد ورؤوس الأموال والسلع، وهي الركائز الأساسية لأي وحدة حقيقية.
إن مسألة بناء الثقة بين النخب السياسية هي عملية بطيئة وتتطلب إرادة سياسية قوية تتجاوز الحسابات قصيرة المدى. يستلزم الحوار الموضوعي والمسؤول، الذي يسعى إليه هذا البرنامج الفكري، الاعتراف المتبادل بالتحديات الأمنية والسيادية لكل طرف، والسعي لإيجاد حلول إبداعية خارج الأطر التقليدية للمفاوضات.
إن استعادة زخم التعاون الأمني ومكافحة التطرف العابر للحدود يمكن أن يكون مدخلاً عمليًا لإعادة بناء الثقة المفقودة.
إن استشراف المستقبل، الذي يمثل الهدف النهائي للكتاب، يتطلب مقاربة براغماتية تركز على المصالح المشتركة العليا بدلًا من التركيز المفرط على القضايا الخلافية التي يصعب حلها في المدى القصير.
يمكن البدء بتفعيل هياكل الاتحاد المغاربي الموجودة نظريًا، مثل البرلمان المغاربي، وتحويلها إلى منصات فاعلة للمساءلة والتنسيق في مجالات غير سيادية بشكل مباشر، مثل الطاقة المتجددة أو إدارة الموارد المائية المشتركة.
هذا النهج التدريجي، المعروف بـ “التكامل التدريجي”، غالبًا ما يكون أكثر واقعية في البيئات التي تعاني من انقسامات سياسية عميقة. علاوة على ذلك، يجب أن يركز البحث على دور المجتمع المدني والأكاديمي في دفع أجندة الوحدة.
إن الحوار المسؤول لا يقتصر على القادة السياسيين؛ بل يجب أن يشمل الأكاديميين، والمثقفين، والشباب، الذين يمثلون مستقبل المنطقة. إن خلق مساحات مشتركة للحوار بين الجامعات والمراكز البحثية في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا يعزز الوعي المشترك بهوية المنطقة ويخفف من حدة الخطابات الانعزالية.
التجربة الأوروبية أظهرت أن التكامل العميق غالبًا ما ينطلق من شراكات غير حكومية قبل أن يتبناه السياسيون بشكل كامل. هذا وقد تميز حفل التوقيع بعدد هائل من المداخلات القيمة من قبل كتاب ومفكرين وأكاديميين وسياسيين وديبلوماسيين معتمدين لدى المملكة المغربية وعد من المهتمين بموضوع الكتاب ومن ابرز ها مداخلة سفير جمهورية إتحاد جزر القمر و مداخلة المفكر حسن اوريد والاستاذ الجامعي الشرقاوي الروداني إلى غير ذلك من مداخلات من لدن كل المهتمين؛ بالإضافة إلى الكلمة الإفتتاحية العميقة الدلالات الأخ الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية الدكتور المصطفى بنعلي والذي تولى تنسيق وتسيير أشغال الحفل؛ كما حضي حفل التوقيع هذا بمتابعة إعلامية واسعة سواء من الإعلام العمومي او الخاص يشفيه الإلكتروني والوردي. حضر إلى الأمين العام للحزب أعضاء من المكتب السياسي والمجلس الوطني وعدد من مناضلات ومناضلي الحزب.
يشكل الكتاب تتويجًا ضروريًا لجهود تحليل تعقيدات الوحدة المغاربية، وهو ليس مجرد سرد للماضي أو وصف للحاضر، بل هو بالأحرى خارطة طريق للمستقبل.
إن نجاح هذا المسعى يتوقف على قدرة القوى الفاعلة في المنطقة على تبني مقاربة جريئة تجمع بين الاعتراف بالتحديات البنيوية والسياسية القائمة، وبين الالتزام بحوار موضوعي ومسؤول يضع مصلحة الشعوب المغاربية فوق الحسابات الضيقة.
إن استشراف مستقبل الوحدة يتطلب شجاعة فكرية للتخلي عن الجمود التاريخي والعمل بجدية نحو بناء واقع إقليمي أكثر استقرارًا وازدهارًا، يوازي في طموحه وعمقه التحديات الإقليمية الراهنة يمثل الفضاء المغاربي كتلة جغرافية وتاريخية واقتصادية ذات أهمية استراتيجية كبرى، لكنه ظل لعقود طويلة محكوماً بتعقيدات سياسية واقتصادية حالت دون تحقيق طموحات شعوبه في التكامل والازدهار.
في خضم هذا المشهد، تبرز مبادرات القوى السياسية الرامية إلى إعادة بناء جسور التواصل والتفاهم المشترك كضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار الإقليمي المنشود. وفي هذا السياق، يتبلور مشروع حزب جبهة القوى الديمقراطية الذي يركز على “ترسيخ فضاء حواري هادئ ومسؤول، يهدف إلى تعزيز الفهم المشترك للتحديات الإقليمية، وتوطيد التعاون الفكري والسياسي بين مختلف القوى الفاعلة في المنطقة، بما يسهم في بناء مناخ مغاربي أكثر استقراراً وتكاملاً”.
إن هذا التوجه لا يمثل مجرد طرح سياسي عابر، بل هو استراتيجية عميقة تستهدف معالجة جذور التباعد وبناء أسس متينة لشراكة مغاربية فعالة. إن البداية المنطقية لأي مسار إصلاحي إقليمي تكمن في خلق بيئة حوارية تتسم بالهدوء والمسؤولية.
إن المناخات الإقليمية التي تسودها الاتهامات المتبادلة والتراشق الإعلامي، كما شهدنا في فترات سابقة من تاريخ العلاقات بين دول المغرب العربي، تعمل حتماً على تجميد أواصر التعاون وتعميق الانقسامات.
يشدد طرح جبهة القوى الديمقراطية على ضرورة الابتعاد عن لغة الصراع واستبدالها بلغة التفاهم البناء. الحوار الهادئ يعني الاعتراف المتبادل بالحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية، والاعتراف بأن مصالح الشعوب الخمس تتشابك أكثر مما تتفرق.
فالمسؤولية تقتضي أن تدرك القوى الفاعلة أن فشل جهود التكامل لا يضر بدولة واحدة بمعزل عن الأخرى، بل يعرض المنطقة بأكملها لمخاطر التبعية الاقتصادية وتفاقم التحديات الأمنية المشتركة. ويأتي الهدف الثاني لهذا المسعى، وهو تعزيز الفهم المشترك للتحديات الإقليمية، ليضع الإطار العملي للحوار. فالتحديات التي تواجه المنطقة المغاربية اليوم تتجاوز الحدود الوطنية الضيقة.
على سبيل المثال، يشكل الأمن الروحي والإرهاب العابر للحدود تهديداً مباشراً لاستقرار الجميع.
كما أن قضايا ندرة المياه، وتغير المناخ الذي يؤثر بشكل خاص على المناطق الصحراوية وشبه الجافة، تتطلب مقاربات جماعية وليست فردية. عندما تجلس القوى السياسية والمجتمعية من مختلف الدول المغاربية حول طاولة واحدة، لا للنقاش العقائدي أو التنافس الجيوسياسي، بل لفهم الأبعاد المتشابكة لهذه التحديات، فإن ذلك يفتح الباب أمام حلول مبتكرة تتناسب مع السياق المغاربي الفريد.
إن الفهم المشترك يعني تجاوز الروايات الوطنية المنعزلة وتبني رؤية إقليمية موحدة للأمن والتنمية. أما الجانب الثالث والمحوري في رؤية الحزب، فهو توطيد التعاون الفكري والسياسي بين مختلف القوى الفاعلة. لا يقتصر التعاون على المؤسسات الحكومية الرسمية، بل يمتد ليشمل الأكاديميين والمفكرين والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.
إن التعاون الفكري هو المحرك الأساسي لتوليد الأفكار التي يمكن أن تترجم لاحقاً إلى سياسات عامة فعالة. ففي مجال التعليم، يمكن تفعيل برامج لتبادل الطلاب والأساتذة لتوحيد الرؤى حول تاريخ المنطقة المشترك، وتصحيح أي مفاهيم خاطئة قد تكون ترسخت عبر عقود من القطيعة. سياسياً، يعني ذلك بناء شبكة من الثقة تمكن القادة من اتخاذ قرارات جريئة لصالح التكامل الاقتصادي، مثل تفعيل السوق المغاربية المشتركة التي بقيت حبراً على ورق منذ اتفاقية مراكش عام 1989.
إن تفعيل هذه الآليات يتطلب إرادة سياسية تتجاوز الحسابات الضيقة وتستلهم روح التعاون الذي ساد في مراحل تاريخية سابقة كفترة الكفاح ضد الاستعمار.
النتيجة المرجوة من كل هذه الجهود هي “بناء مناخ مغاربي أكثر استقراراً وتكاملاً”. الاستقرار والتكامل وجهان لعملة واحدة؛ فالإستقرار يزيل الحواجز أمام الاستثمار والتجارة، والتكامل الاقتصادي يخلق مصالح مشتركة تجعل العودة إلى الصراع أمراً مكلفاً وغير منطقي.
إن التكامل الحقيقي لا يعني فقط إلغاء الحواجز الجمركية، بل يشمل أيضاً تنسيق السياسات الكلية، وتسهيل حركة رؤوس الأموال والخدمات، وتوحيد المعايير الفنية والبيئية. وعندما يتم تفعيل هذا التكامل، يرتفع مستوى معيشة المواطنين، وتتعزز القدرة التفاوضية للمنطقة ككتلة واحدة أمام الشركاء الدوليين.
إن المنطقة المغاربية، بما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، قادرة على أن تكون قطباً اقتصادياً عالمياً إذا تضافرت جهودها تحت مظلة الاستقرار المتبادل.
تمثل دعوة حزب جبهة القوى الديمقراطية لترسيخ فضاء حواري هادئ ومسؤول إطاراً عملياً ومسؤولاً لإعادة تنشيط مشروع الوحدة المغاربية.
إنها رؤية تدرك أن البناء يبدأ بالعقل قبل الجدران، وأن الفهم المشترك للتحديات هو البوصلة التي توجه مسار التعاون الفكري والسياسي.
إن الاستجابة لهذه الدعوة، وتحويلها إلى برامج عمل ملموسة، هو الاختبار الحقيقي لإرادة القوى الفاعلة في المنطقة لترك إرث من التكامل والازدهار للأجيال القادمة، بدلاً من إرث التشرذم والخلافات غير المجدية. إن نجاح هذا المسار يمثل رهاناً حاسماً لمستقبل الشعوب المغاربية ككل.



تعليقات
0