جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

حديث يوم الجمعة حين يصمت المنطق وتتحدث الأخلاق … بقلم الأستاذ جمال الغازي

519495362_688905324148292_2233823855886661908_n

جريدةالبديل السياسي – بقلم الاستاذ   جمال الغازي

حديث يوم الجمعة حين يصمت المنطق وتتحدث الأخلاق

أعود للحديث عن المؤتمر الإقليمي لأحد الأحزاب، لا من موقع الفاعل السياسي ، ولا من زاوية المثقف الذي يحلل الأحداث ويقرأ ما بين السطور، بل من منطلق إنساني خالص، نابع من تربية وأخلاق تشبّعت بها منذ الصغر.

ما دار في المؤتمر وما تبِعه من ردود أفعال من شخصيات ناظورية متعددة، لا يهمّني في بُعده السياسي، لأنني لا أختلف كثيرا في فهم ما قيل وما حدث، لكن ما شدّ انتباهي وأثار في نفسي الكثير من التساؤلات هو ذلك المشهد الإنساني العميق الذي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام:

لا تزال عبارة “وبعاد مني” ترنّ في أذني، ولا تزال دموع ذلك الشيخ العفوي تهزني ثم تُحلل في داخلي بصفتي إنسانا قبل أي شيء آخر. دموع لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل كانت تعبيرا صادقا عن الألم، عن الغدر، عن الخذلان.

تمعّنت جيدا في لغة الجسد بين الشيخ والشاب؛ الأول كان واضحا عليه أثر الطعنات النفسية، منكسرا رغم وقاره، يتحدث من جرح نازف، أما الثاني، فكان بارداً،صامتاً، ووجهه لا يوحي بالطمأنينة، بل كان يحمل في ملامحه تناقضا بين الرغبة في التقدّم والضيق من صاحب الفضل.

الحقيقة أن ما قدّمه ذلك الشيخ الجليل لذلك الشاب الطموح ليس بالقليل. لولاه، ما كان عرف طريقه إلى الاتحاد، ولا تسلّق سُلم القيادة، ولا وصل إلى ريادة المدينة. الشيخ، رغم تقدّمه في السن، يحتفظ بجاذبية عفوية، وبقاعدة من الأنصار والمؤيدين، فمكانته كانت – ولا تزال – رصيدا لا يُستهان به.

قد يقول قائل: “لكن الشيخ المبجل لم يقدّم شيئا يُذكر للناظور!”

وأجيب: السبب لا يعود إليه وحده، بل إلى واقع حزبي يُقصي المناضلين الحقيقيين، ولا يُعطي أهمية لمن قدّموا، بل يركض وراء الكرسي والتمويل الانتخابي. نعيش زمن تفوّق فيه منطق المصلحة على منطق الوفاء، وغابت فيه النخبة الصادقة القادرة على نشر الوعي بطرق ذكية وواقعية، تجمع بين الجاذبية والفعالية.

لو كنت مكان ذلك الشاب، وعلمت أن رجلا ساعدني في أول الطريق، لما فكرت أبدا في منافسته، ولا في تجاوزه. بل كنت سأحفظ له الجميل مدى الحياة، لأن الوفاء قيمة،

والاعتراف بالفضل من شيم الكبار إن مثل هذه التصرفات كفيلة بأن تُضعف ثقة الناخب بالمنتخب بشكل كامل.

أنا إنسان، لي قلب يشعر قبل أن أكون سياسيا أو مثقفاً

قد أختلف معك فكريا، لكن لا أنسى وقوفك إلى جانبي حين كنت في أول الطريق.

قد أختار طريقا آخر، لكن لا أطعنك في ظهرك، ولا أتنكّر لجميلك.

لقد فقدنا شيئا أساسيا في واقعنا السياسي اليوم: الأخلاق.

فيا ليتنا نُعيد الاعتبار للمعاني التي لا تُقاس بالصناديق ولا بالأصوات، بل تُقاس بالوفاء، بالصدق، وبالرجولة.

يا ليت السياسة تعود إلى أصلها النبيل: خدمة الإنسان، لا خيانته.

وجمعة مباركة احبتي

جمال الغازي

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي