جريدة البديل السياسي بقلم: خالد قدومي
تجنب تهمة تسخير بعض الأقلام للهجوم على بنكيران وما يمثله من كاريزما لأنصاره في الاديولوجية الإسلاموية، هو الذي جعلني، من جهة، أتريث حتى تهدأ العاصفة التي غذتها تصريحاته الاستفزازية، وأيضا كي لا أصنف ضمن جنود الخفاء للمكاتب السوداء! رغم أن تهجماته المتكررة تمس، في مجملها،هويتي الريفية الأمازيغية، كما أنها تعادي موقفي المنحاز للدولة المدنية المعارضة للدولة المخزنية وللدولة الدينية المنشودة من قبله،والتي لا تخلو أيضا من استبداد متمثل في قدسية خطاب الزعيم أو المرشد أو الفقيه، بالإضافة إلى طهرانية أفعاله المنصبة في خدمة مملكة الرب على هذه الأرض! مما يجعله أحيانا في اصطدام مع المخزن الذي يعتمد بدوره على الدين،لكن بصيغ مختلفة ومعتدلة، مبنية على النسب الشريف كمرجع أساسي لكينونة كيانه.
ان السيد بنكيران يمثل النموذج الحقيقي للشعبوية،ويتقن استغلال اللحظة لإثارة ما يناسبها من دغدغة لعواطف الأتباع. نعم، أقول الأتباع خلافا لكلمة المواطن المرتبطة بالفكر العقلاني الذي ينشد الدولة المدنية الديمقراطية. أما الاديولوجية الشمولية،فترتكز على الرعية أو الأتباع، حيث لا جدال ولا نقاش ولا تشكيك..سوى الطاعة العمياء والولاء المطلق لسلطة الفقيه أو الحاكم. وقد استغل صاحبنا هذه السلطات لإثارة القضية الفلسطينية من منظور شوفيني( عرقي ديني = عربي إسلامي) يلغي عدالتها كقضية إنسانية تحتاج إلى مؤازرة جميع أحرار العالم، بمختلف عقائدهم وألسنتهم…وقد سعى خصمنا إلى استغلالها لمحاربة الهوية الامازيغية من خلال ربط بعض مناضليها بالصهيونية، حتى يتفادى اي محاسبة على جرم إقصاء وتهميش وعرقلة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، مع إستمراره في نهج سياسة عزل واضطهاد منطقة الريف أسوة بسياسات الحكومات السابقة، بل تجاوزها حين حارب حراكها المبارك.ولنا في الرد القتضب للبطل ناصر الزفزافي على ترهاته خير مثال في هذا المضمار.
في إعتقادي،قبل مناقشة تصريح ما ومدى مصداقيته، يتوجب علينا العودة إلى طبيعة قائلها، بمعنى أدق: من يكون هذا المخلوق الذي اعتاد على مهاجمة كل ما ينتمي إلى ثامزغا، من تراث وحضارة وتاريخ…ولم يستثن الإنسان؟.بنكيران هذا المورسكي الأصل ،احتضن الأمازيغ أجداده الذين طردوا من الأندلس وجعلوا منهم إخوة. للأسف، تنكروا لهذا المعروف وانحازوا للمعمر، بل باركوا له إنتصاره على المقاومة في الأطلس والريف، ثم رجوه بإصلاح المدن التي يقطنونها. ولعل المذكرة المدفوعة من علماء جامع القرويين بفاس بليغة وواضحة( هذه الوثيقة الدالة على تهنئة الإستعمار نشرها محمد شفيق).حتى الجنرال ليوطي نفسه كان يوصي ضباطه بالتعامل مع المورسكيين وتجنب الأمازيغ. وهي سياسة نهجها المخزن حين منحهم( للمورسكيين) امتيازات اقتصادية تحت ضغط المعمر،مما أدى إلى تحكمهم شبه الكامل في الاقتصاد الوطني إلى حدود الساعة.
أجزم أن السيد بنكيران فهم واتقن اللعبة منذ بدايتها، وأيقن ان الدين هو عنصر أساسي للتحكم بالعباد، سيرا على نهج أجداده الذين زاوجوا بين السلطة الدينية والسلطة المالية،خاصة مع تنامي وعي الشعب المغربي وادراكه لحقيقة الفوارق الإجتماعية وأسبابها، بفضل بروز الفكر اليساري في اوساطه،مع ما أفرزه من هزات اجتماعية انعكس صداها حتى على الجيش( الانقلابات الفاشلة ).لذلك سيقوم المخزن بتقوية أنصار الإسلام السياسي اقتداءا بسياسة أنوار السادات لتقوية الإخوان قصد مجابهة اليسار تلبية للاملاء الأمريكي. ولا يخفي بنكيران استجابته لأوامر وزير الداخلية إدريس البصري القاضية بانخراط جماعته في حزب خادم الدولة العميقة المرحوم الدكتور الخطيب صاحب فكرة التنصيص على صفة أمير المؤمنين للملك في دستور 1962م.هذا الحزب سيتحول إلى العدالة والتنمية، وباقي القصة معروفة بترجيديتها التي انتهت برئاسته للحكومة في صفقة مشبوهة إبان إنسحاب التيار الإسلامي، بشقيه العلني والسري، من حركة 20فبراير،دون أن نغفل طبيعة الموجة التي تحكمت في الربيع العربي المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان الذي سرق الثورة من الشباب بفعل تدخلات تركيا وقطر…كأجندة أمريكية.
يحز في النفس أن يتنكر البعض، من أمثال بنكيران،لدور الأمازيغ في خدمة القضايا العادلة، خاصة القضية الفلسطينية التي ازروها منذ انخراطهم إلى جانب صلاح الدين الأيوبي في التصدي للحملات الصليبية. وها هي أحياء القدس، التي يقطنها العديد من المغاربة،شاهدة على ذلك. كما لن ننسى مشاركة الشهيد حدو أقشيش الريفي الأمازيغي ورفاقه في حرب 1948م، بأمر وتوجيه من الأمير عبد الكريم الخطابي،ومذكرات المرحوم العقيد الهاشمي طود شاهدة.
يبدو لي أن خدعة ضرب الأمازيغية بالقضية الفلسطينية لم ولن تنطلي على احد، لسبب بسيط، كونها تتلاشى أمام حقائق التاريخ البعيد والقريب
تعليقات
0