البديل الثقافي

الحفاظ على ذاكرة الأغنية الأمازيغية الملتزمة: #نداء_لإنقاذ_إرث_خالد

بقلم الاستاذ جمال الغازي – جريدة البديل السياسي

الحفاظ على ذاكرة الأغنية الأمازيغية الملتزمة: نداء_لإنقاذ_إرث_خالد

جمال_الغازي

في أعماق الذاكرة الريفية المغربية، تشع أغنيات السبعينات والثمانينات كشموع خالدة تُضيء ماضيا زاخرا بالأمل والآلام. إنها الأغنيات الأمازيغية الملتزمة، التي خرجت من رحم معاناة وواقع صعب، لكنها كانت نبضا صادقا لجيل حمل هموم الأرض وأحلام الإنسان بالحرية والكرامة.

كانت هذه الأغنيات، بما تحمله من آهات شجية، أشبه بالقصائد التي وثّقت وجع المرحلة، وجسدت أحلام شعبٍ يواجه التحديات. ألحانها، رغم بساطتها الظاهرة، استُلهمت من التراث الأصيل، من إيقاع الدفوف وزغاريد النساء، ومن أهازيج الحقول وصدى الجبال. ولأنها انبثقت من عمق الواقع، لامست القلوب وظلت محفورة في الذاكرة الجماعية للريف الأمازيغي. نجاحها لم يكن محض صدفة؛ بل لأنها نُسجت بدماء الروح وأُلّفت بنبض الحياة.

لكن الزمن لا يرحم، وأغنيات تلك الحقبة التي عكست معاناة جيل بأكمله بدأت تذوب في غياهب النسيان. شباب اليوم، في معظمهم، لا يعرفون عن تلك الكنوز الفنية شيئًا، وإن لم نتحرك سريعًا، قد نفقد هذا التراث الثمين إلى الأبد. هنا يبرز دور الجيل الذهبي، أولئك الذين عاشوا تلك المرحلة وأبدعوا فيها، لجمع شتات ذكرياتهم وإعادة توثيق هذا الإرث حتى لا يندثر برحيلهم. إنهم مدينون لأنفسهم وللأجيال القادمة بحفظ هذا التراث الذي صاغته المعاناة والإبداع والوجدان الجماعي.

وفي ظل هذا المشهد، يفرض واجب آخر نفسه، واجبٌ إنساني تجاه الفاعلين الأمازيغيين من فنّانين وشعراء، خصوصًا أولئك الذين عاشوا تلك الحقبة وأهدوا حياتهم لحمل رسالة الكلمة واللحن. اليوم، أو ربما في الغد، قد يجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة تدهورٍ صحي أو أزمات نفسية ومالية تُلقي بظلالها الثقيلة على حياتهم. هنا نتساءل: لماذا لا نبادر إلى إنشاء منتدى أمازيغي في أوروبا، يكون ملاذًا لهؤلاء المبدعين في أوقات ضعفهم؟ منتدى يضمن لهم الدعم والرعاية، يحفظ كرامتهم، ويكرّم عطاءهم الذي أسهم في تشكيل هوية أجيال كاملة.

إننا بحاجة إلى جسر يمتد بين الماضي والحاضر، يحمل على أكتافه عبق تلك الأغنيات ويعيدها كما كانت، بأصالتها وروحها وكلماتها التي صادقت القلوب. أرشفة هذه الأغنيات وإعادة غنائها بنفس الصياغة والتلحين هو واجب إنساني وثقافي وأمازيغي، لأنه يعيد صياغة مرحلة مهمّة من تاريخ المنطقة. فلنُبقي هذا التراث حيا، شاهدا على حقبة ملأتها الأحلام والآهات، لأن الحفاظ على هذا الإرث هو نداء للإنسانية بأسمى معانيها.

وسأظل أناضل ما دمت حيا من أجل تحقيق مشروع الثقافة الأمازيغية الإنسانية في المنطقة، باعتباره شعارا وهما يرافقني حتى آخر يوم في حياتي.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار