جريدة البديل السياسي
أكد تقرير أنجزته العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن الشباب المغربي يواجه تحديات كبيرة، تتعلق بالإقصاء الاجتماعي، وضعف المشاركة في مختلف المجالات، والبطالة، والإدمان، والجريمة، والهجرة غير النظامية، وهو ما بات يتطلب، وبشكل عاجل، سن سياسات تنتشل هذه الفئة من هذا الواقع السوداوي.
ورصد التقرير الذي نشرته العصبة تزامنا مع اليوم العالمي للشباب، تفشي البطالة في صفوف هذه الفئة، بما فيها حاملو الشهادات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على استقرارها الاقتصادي والاجتماعي. وتعكس الأرقام الرسمية الفجوة الكبيرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل. كما يعد القطاع غير المهيكل ملاذًا لعدد كبير من الشباب، رغم الهشاشة والظروف غير اللائقة، حيث إن 67% من الشباب العاملين يتواجدون في هذا القطاع.
وتوقف التقرير على الأرقام الرسمية التي تشير إلى أن عدد مناصب الشغل المطلوبة سنويًا في المغرب يبلغ حوالي 240,000 منصب، في المقابل، يكون جاهزا لدخول سوق العمل حوالي 350,000 شاب وشابة سنويًا، مما يخلق ضغطًا كبيرًا على فرص التشغيل المتاحة ويفاقم من مشكلة البطالة، ويتطلب تدخلات هيكلية وسياسات عمومية فعالة لتعزيز خلق فرص العمل، وتشجيع الاستثمار، وتنمية القطاعات الواعدة، بعيدا عن البرامج الفاشلة.
وأبرز التقرير أن تمثيلية الشباب في المؤسسات المنتخبة لا تزال ضعيفة، إلى جانب عزوفهم الملحوظ عن العملية الانتخابية، فنسبة الشباب المسجلين في اللوائح بلغت 20% من إجمالي الهيأة الناخبة وفقًا للأرقام المتاحة في مارس 2024، في ظل تغييبهم في الهيئات المنتخبة والقيادات الحزبية.
كما نبه ذات المصدر إلى أن النظام التعليمي والتكويني في المغرب يعاني تحديات كبيرة تؤثر على جودة التعليم وفرص الشباب في الحصول على المهارات اللازمة، أو صقل مهاراتهم البيضاء، في ظل تزايد الهدر المدرسي والاكتظاظ في الأقسام، وضعف التغطية بالتكوين المهني، والمشاكل والتحديات التي تعاني منها الجامعة، من الاكتظاظ وعدم الملاءمة مع سوق الشغل إلى الجودة وغياب العدالة المجالية، وتفشي المحسوبية والزبونية، والتضييق على التنظيمات الطلابية.
وفيما يتعلق بالصحة، أكد التقرير الحقوقي أن الشباب المغربي يواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية ومكافحة الإدمان، مما يستدعي تدخلات عاجلة وشاملة. خاصة مع تزايد معدل الانتحار في صفوفهم.
وحذر التقرير من أن المخدرات صارت، في السنوات الأخيرة، من أخطر الآفات التي تستهدف طاقات الشباب وتعيق مستقبلهم، فوفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، يقر 9.4% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة باستهلاك “الحشيش” مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وذلك سنة 2023، وتزداد خطورة الوضع مع ارتفاع حالات الاستشفاء المرتبطة بالمخدرات الصلبة بنسبة 47% خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023، وهو مؤشر أكدته أرقام تقارير دولية من ضمنها تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لسنة 2025.
وفي جانب الأنشطة الرياضية والثقافية، اعتبر التقرير أنه وبالرغم من الجهود المبذولة لتوفير ملاعب القرب، إلا أن الحاجة لا تزال ماسة لتوسيع هذه البنيات وتعميمها على جميع المناطق، دون إغفال باقي الرياضات. مع توسيع الاستفادة من الأنشطة الثقافية المتاحة.
كما سلط التقرير الضوء على ظاهرة الهجرة غير النظامية، المتنامية، خاصة بين فئة الشباب، مدفوعة بعوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية؛ وتشمل البطالة، والإقصاء الاجتماعي، وضعف الآفاق المستقبلية، والشعور بالإحباط، إذ رغم الجهود المبذولة من قبل السلطات المغربية لإحباط محاولات الهجرة غير النظامية، حيث تم إحباط أكثر من 78,000 محاولة في عام 2024، وفقًا لوزارة الداخلية، إلا أن هذه الإجراءات لا تعالج الأسباب الجذرية للظاهرة، مما يتطلب مقاربة شاملة، لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تشمل أيضًا الجانب التنموي والاجتماعي، وتوفير بدائل حقيقية للشباب في وطنهم.
ودق التقرير ناقوس الخطر إزاء الجريمة التي فرضت نفسها كواحدة من التحديات الاجتماعية التي تتطلب مقاربة شاملة، لا سيما مع ارتفاع نسبة الشباب في السجون، وتورطهم في جرائم العنف، مما يشير إلى خلل في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، ويستدعي تدخلات عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظواهر.
وقدمت العصبة جملة من التوصيات، على رأسها مراجعة السياسات الموجهة للشباب، وتوفير العمل اللائق، و إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي الذي أصبح ضرورة دستورية وملحة في سياق التحديات الراهنة، وضمتن إدماج ومشاركة الشباب في مختلف المجالات، إلى جانب الأخذ بيد هذه الفئة لانتشالها من مظاهر الجريمة والإدمان وغيرها.
وخلصت العصبة في تقريرها إلى أن الشباب المغربي، على الرغم من كونه يمثل قوة ديمغرافية هائلة وإمكانات واعدة للتنمية، يواجه تحديات بنيوية عميقة في مجالات حيوية مثل التشغيل، والمشاركة السياسية والاجتماعية، والصحة، والتعليم، ومكافحة الآفات الاجتماعية كالهجرة غير النظامية والمخدرات والجريمة، بالإضافة إلى ظواهر العنصرية وخطاب الكراهية. وهو ما يتطلب حلولا متكاملة، تراعي أنه لا تنمية دون الاستثمار في الشباب.
تعليقات
0