علي الطويل: بين الهجرة والعمل الجمعوي في عالم تتقاطع فيه الآمال مع التحديات، تبرز شخصيات تصنع الفارق بين الاستسلام والكفاح.
بقلم جمال الغازي – جريدة البديل السياسي
علي الطويل: بين الهجرة والعمل الجمعوي في عالم تتقاطع فيه الآمال مع التحديات، تبرز شخصيات تصنع الفارق بين الاستسلام والكفاح.
علي_الطويل، ابن آيت شيشار، هو أحد هؤلاء الذين شقوا طريقهم وسط الصعاب، حاملين في قلوبهم حب الوطن وثقافته.
لم تكن الهجرة بالنسبة له هروبًا من الواقع، بل بحثا عن آفاق جديدة وتحقيق حلم امتزج فيه التمسك بالهوية والإبداع في بلاد الغربة.
وُلد علي الطويل في عام 1979 بآيت شيشار، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية في إقليم الناظور، حيث تشبع منذ نعومة أظافره بقيم الأصالة والهوية.
وككثير من شباب منطقته، كان مولعا بالرياضة، ولعب في فريق وفاق أزغنغان لكرة القدم، لكن ظروف الحياة قادته إلى اتخاذ قرار حاسم في عام 2002 بالهجرة إلى شمال شرق كاطالونيا في إسبانيا.
لكن كما هي حال المهاجرين، لم يكن طريق الاستقرار سهلا، إذ مر علي بظروف قاسية جدا خلال سنواته الأولى في إسبانيا.
بين بحثه عن فرصة عمل وتحديات الحياة اليومية، كان يواجه صعوبات قانونية ومعيشية حتى حصل أخيرا على الإقامة في عام 2005.
هذا الحدث كان نقطة تحول في حياته، إذ فتح له الأبواب للاندماج بشكل أفضل في المجتمع الإسباني، ومواصلة مسيرته نحو بناء مستقبله.
على الرغم من الصعوبات، لم يتخلَ علي عن هويته أو ثقافته الأمازيغية، بل ازداد تمسكه بها.
تأثره الكبير بالنشطاء الكطالان الذين كانوا يناضلون من أجل الحفاظ على لغتهم وثقافتهم، أشعل فيه الرغبة في تحقيق شيء مماثل لجاليته.
وبدافع هذا الحماس، أسس في عام 2007 جمعية “روساس للثقافة الأمازيغية”، لتصبح منارة للنشاط الثقافي والهوية الأمازيغية في كاطالونيا.
منذ تأسيسها، واظبت الجمعية على تنظيم احتفالات سنوية بمناسبة السنة الأمازيغية، حيث تجمع الجالية المغربية والأمازيغية في حفل يعكس قوة الثقافة وتماسكها.
كانت هذه الاحتفالات مناسبة لإحياء التراث وتعزيز الهوية الأمازيغية، في وقت كان الاندماج الثقافي مع المجتمع الإسباني يشكل تحديا مستمرا.
ان دور جمعية “روساس” لم يقتصر على الاحتفالات الثقافية فقط، بل توسعت أنشطتها لتشمل علاقات واسعة مع الإدارات المحلية والأحزاب السياسية في كاطالونيا، بالإضافة إلى التعاون المستمر مع القنصلية المغربية. وقد أصبح علي الطويل بفضل هذه الأنشطة، جسرا فعالا بين الجالية المغربية والإدارات المحلية، يساعد في حل المشاكل اليومية لمغاربة المنطقة ويطرح قضاياهم على المستوى المحلي
. ما يميز علي الطويل في نشاطه الجمعوي هو شغفه اللامتناهي بالدفاع عن الثقافة الأمازيغية.
في كل خطوة يخطوها، تظهر حرقته من أجل الحفاظ على التراث الأمازيغي ونقله للأجيال القادمة.
وكان دائما يسعى إلى توحيد صفوف الجمعيات الأمازيغية في المهجر، إيمانا منه بأن الوحدة هي مفتاح النجاح في الحفاظ على الهوية في بيئة تختلف ثقافيًا ولغويًا. أثناء جائحة كورونا، أثبتت جمعية “روساس” أيضا أن عملها ليس محصورا في المجال الثقافي، إذ بادرت إلى تنظيم أنشطة إنسانية لدعم المغرب خلال تلك الأزمة. هذه المبادرات الإنسانية أكدت مرة أخرى أن علي الطويل، رغم بعده الجغرافي عن وطنه، لم يتخلَ أبدًا عن إحساسه العميق بالمسؤولية تجاه أبناء بلده. اليوم، تستمر الجمعية في الترافع عن قضايا مغاربة العالم، وتلعب دورا بارزا في تقديم الحلول لبعض المشاكل التي تواجههم في كاطالونيا.
بفضل شخصيته العملية وتفانيه، أصبح علي الطويل شخصية بارزة في العمل الجمعوي، وحجر زاوية في الدفاع عن حقوق ومصالح الجالية المغربية. إن قصة علي الطويل ليست مجرد حكاية مهاجر بحث عن حياة أفضل، بل هي قصة نضال من أجل البقاء وفعل الخير. هو ذلك الشاب الذي رأى في الغربة فرصة لإحياء ثقافته الأمازيغية والدفاع عنها، جاعلا من إقامته في إسبانيا جسرا بين الماضي والحاضر، بين المغرب وكاطالونيا.
وعبر جمعية “روساس”، قدم نموذجا يحتذى به في العمل الجمعوي، حيث اجتمع فيه حب الهوية والتفاني في خدمة الآخرين، ليظل دائما رمزا للشباب الذي يجمع بين الانتماء والإبداع.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار