جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار.
في لقاء جمع ياسر قنديل، المنسق الإقليمي لشبيبة الأحرار ورئيس جماعة المشرك، مع وزير الفلاحة بمدينة الجديدة، خرج الشاب السياسي ليعلن بجرأة أن «الشمندر يختنق، والآبار متوقفة، والشباب يهاجر».
كلمات بدت في ظاهرها موقفاً دفاعياً عن الفلاحين، لكنها دفعت الرأي العام إلى طرح سؤال أكبر: إذا كان هذا هو وضع الإقليم اليوم، فمن المسؤول عن السنوات التي أوصلته إلى هذا المنحى؟ فالسيد عبد القادر قنديل، والد المتحدث، ليس اسماً عابراً في المشهد الفلاحي والسياسي بسيدي بنور.
الرجل راكم حضوراً يمتد لسنوات، من خلال مناصب حساسة ومؤثرة، في مقدمتها رئاسته لجمعية منتجي الشمندر السكري بدكالة–عبدة، وهي جمعية تمثل آلاف الفلاحين الذين يعيشون اليوم تحت ضغط أزمة المياه، ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع مردودية الأراضي. هذا المنصب وحده يضعه في قلب معادلة القرار الفلاحي، لأنه الجهة الأولى المعنية بالدفاع عن مصالح الفلاحين والترافع باسمهم لدى المؤسسات الحكومية.
وإلى جانب ذلك، ظل اسمه مرتبطاً عبر سنوات طويلة بأدوار سياسية رفيعة داخل الإقليم، ما يمنحه تأثيراً مباشراً في النقاش الفلاحي ومناهج التدبير المحلي. فهل يمكن لرجل بهذه المواصفات أن يكون بعيداً عن حقيقة ما يجري اليوم في القطاع الذي يترأس أهم مؤسساته التمثيلية؟ حين يقول ياسر قنديل إن “الشمندر يختنق”، تتبادر إلى الأذهان معطيات الإنتاج التي عرفها الإقليم خلال المواسم الماضية. فحسب بيانات رسمية، بلغ إنتاج الشمندر في بعض المواسم أزيد من 700 ألف طن، وهو رقم يعكس قدرة الإقليم على الإنتاج حين تتوفر الظروف.
لكن خلف هذا الرقم تختبئ تفاصيل أكثر إيلاماً: الاعتماد الواسع على الآبار الخاصة بسبب ضعف الموارد السطحية، ارتفاع تكاليف السقي، صعوبات جلب اليد العاملة، وغياب تنظيم فعّال لمسالك التسويق.
هذه الإكراهات ليست طارئة، بل تراكمت لسنوات. ومن المنطقي أن يتساءل المواطن اليوم: ألم تكن هذه الإشكالات واضحة بما يكفي ليترافع بشأنها من يترأس جمعية المنتِجين؟
الأمر نفسه ينطبق على مسألة هجرة الشباب. فحين يصرح الابن بأن شباب الإقليم يغادرون بحثاً عن فرص أفضل، يظهر سؤال آخر: أين كانت البرامج الفلاحية والاقتصادية التي يفترض أن تُخلق فيها فرص العمل؟ ومن كان مسؤولا عن الدفع بمشاريع تنموية تستثمر ثقل القطاع الفلاحي لخلق قيمة مضافة؟
في منطقة تعتمد بشدة على الفلاحة، لا يمكن فصل البطالة والهجرة عن جودة التسيير المحلي والتوجيه القطاعي. فالهجرة ليست قراراً فردياً بقدر ما هي نتيجة منظومة غابت عنها الحلول.
وتتعمق التساؤلات حين ننظر إلى جانب آخر من المشهد: فالفاعل السياسي والفلاحي نفسه كان موضوع جدل في فترات سابقة، حين تحدثت فعاليات محلية عن تخصيص مبالغ مالية من جمعية منتجي الشمندر لدعم أنشطة داخل جماعة يرأسها الابن. ورغم أن ذلك يدخل في إطار الأنشطة المسموح بها قانونياً إذا كانت مبررة، إلا أنه يظل مثار نقاش حول أولوية صرف موارد يفترض أن توجه أساساً إلى دعم الفلاحين، لا الفضاءات الانتخابية أو الحلقات التنظيمية المحسوبة على أشخاص بعينهم.
هذا النوع من النقاش يفتح الباب أمام سؤال مشروع: هل تم استغلال ثقل هذه المناصب كما يجب لتحسين وضعية الفلاح، أم لتقوية النفوذ السياسي؟ إن تصريحات ياسر قنديل، مهما بدا فيها من روح المسؤولية، تكشف مفارقة واضحة: الابن يصف وضعاً مأزوماً، في حين أن الأب كان لسنوات جزءاً أساسياً من شبكة القرار التي يفترض أنها تشرف على القطاع نفسه. فهل هي شجاعة متأخرة في الاعتراف بالأزمة؟
أم محاولة لفصل المسؤوليات بين من تولّى التسيير ومن يتحدث اليوم باسمه؟ في كل الأحوال، فإن صرخة الابن لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن المناصب التي شغلها الأب، لأن الواقع الفلاحي الذي نعيشه لم يولد في يوم، بل هو حصيلة مسار طويل من التسيير والترؤس والتوجيه. ولذلك فإن السؤال الجوهري الذي يعود بقوة اليوم هو: ما هي حصيلة الأب؟
وما هي حصيلة الابن؟ إذا كانت هناك إنجازات، فلتُعرض للرأي العام بالأرقام والدلائل. وإذا كان هناك تقصير، فليتحمل كل طرف نصيبه من المسؤولية.
فلاح سيدي بنور لا تهمه الخطابات، بل يريد ماءً يسقي به أرضه، وسوقاً يبيع فيه محصوله، وفرصة عمل لابنه حتى لا يهاجر. وهذا لن يتحقق بالكلام، بل بالفعل. والسؤال الذي تركه اللقاء الأخير هو: إذا كان المتحدث اليوم يعترف بالأزمة، فهل يملك الشجاعة ليعترف أيضاً بمن صنعها؟



تعليقات
0