جريدة البديل السياسي
في سياق الورش الوطني لتعميم الحماية الاجتماعية الذي يشهده المغرب، تبرز الحكامة الصحية كإحدى الركائز الأساسية لإرساء إصلاح شامل وفعَّال للقطاع الصحي، خاصة في ظل التحديات المتعددة التي تواجهه.
فالحكامة في المجال الصحي تقوم على مبادئ احترام القانون والحياد، وضمان الفعالية والنجاعة، وترسيخ قيم الشفافية والنزاهة، وتعزيز الشراكة وخدمة المصلحة العامة، مع الالتزام بمعايير الجودة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما تستوجب ترشيد النفقات ومكافحة كل أشكال الفساد والرشوة، بما يكفل منظومة تستجيب بشكل أفضل لحاجيات المواطنين.
يستند الإطار العام لحكامة القطاع الصحي بالمغرب على مجموعة من المرتكزات، والتي تتمثل أساسا في الرؤية الملكية السامية، خاصة في خطابات جلالة الملك محمد السادس الداعية إلى إصلاح جذري للمنظومة الصحية، إضافة إلى ترسانة قانونية مهمة تتعلق بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، ومراجعة المنظومة الصحية الوطنية، وإحداث الهيئة العليا للصحة، والوكالة الوطنية للدم ومشتقاته، وبالوكالة الوطنية للدواء والمنتجات الطبية، والوظيفة الصحية، وبإرساء المجموعات الصحية الترابية.
من خلال القوانين الصادرة، قدَّم الإصلاح ضمانات أساسية تُمكِّن مهنيي الصحة من ممارسة جميع الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، مع التأكيد على منع أي شكل من أشكال التمييز بسبب الآراء أو الانتماءات السياسية والنقابية، أو على أساس الجنس أو اللون أو الأصل العرقي أو الوضع الصحي أو أي وضع شخصي آخر.
كما نصَّ على أنه لا يمكن أن يترتب عن الانتماء أو عدم الانتماء إلى حزب سياسي أو منظمة نقابية أو جمعية أي تأثير على المسار المهني لموظفي القطاع.
غير أن واقع القطاع الصحي بالرشيدية يكشف عن ممارسات تناقض هذه الضمانات وتفاقم المشاكل البنيوية للقطاع بالإقليم، وتنعكس سلبا على الولوجية وأداء المؤسسات الصحية، فالمسؤول الذي يشغل منذ أمد بعيد منصب رئيس المصلحة الإدارية والاقتصادية (قَضَّى بهذا المنصب أكثر من ضِعف المدة التي ينص عليها القانون، علما أن هذا الشخص حط “بالباراشوت” على قطاع الصحة نهاية التسعينات ذلك أن تكوينه الأكاديمي لا يمت بصلة للإدارة أو للصحة، ووجد ضالته في “عشرية” العدالة والتنمية ليعتلي هذا المنصب مستفيداً من رعاية خاصة من مُدِيَرَيْن جِهَوِيَيْن سابقيْن ينتميان لنفس الحزب السياسي، ورغم طول مدة مكوثه في هذا المنصب لم يكتسب أي كفاءة تُذكر، فهو مسؤول بلا رؤية ولا دراية له بالقوانين والمساطر الإدارية تنعدم لديه أي قدرة تواصلية، يُتقِن فَنَّ الاختباء خلف الآخرين في الأزمات، بينما يتصدر المشهد في المناسبات عند التقاط الصور)، إضافة لشغله حاليا منصب مندوب إقليمي بالنيابة، يُصِرُّ على السباحة عكس تيار الإصلاح المنشود.
فقد دأب على استغلال موقعه الإداري لاستهداف المناضلات والمناضلين المنتمين للاتحاد المغربي للشغل المنادين باحترام القوانين والمنددين باختلالاته التدبيرية، في خرق صريح للقوانين المعمول بها، وتجاهل تام لمبادئ الحكامة الجيدة التي تفرض الحياد والنزاهة على كل مسؤول إداري. وفي المقابل، يستغل هذا المسؤول موقعه الإداري للدعاية لصالح الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، من خلال تمكين أعضائه من امتيازات غير قانونية، (كالانتقالات غير القانونية خارج الحركة الانتقالية، وتوزيع دراجات نارية دون موجب قانوني، والتعيين في مناصب المسؤولية بطرق ملتوية دون احترام المساطر القانونية …)، مثل هذه الامتيازات تُوظف لاستقطاب الموظفين للذراع النقابي السالف الذكر بطرق غير مشروعة، مما يضر بمبدأ التنافس الشريف، ويؤثر سلبًا في قناعات الموظفات والموظفين، ويفسد العملية الانتخابية المقبلة، ويزرع التوتر داخل المؤسسات الصحية، والغاية من ذلك واضحة هي تمكين الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية من الهيمنة على القطاع بالإقليم، لضمان فوزه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ولتوضيح بعض مظاهر هذا التدبير العشوائي والتسيير الأحادي، الذي يجمع بين غياب الكفاءة واستهداف العمل النقابي الجاد، والمحاباة ومنح الامتيازات غير القانونية لفئة معينة، نعرض فيما يلي بعض النماذج الدالة: 1. عدم احترام الحريات النقابية المكفولة دستوريا، باستهداف العمل النقابي الجاد، مع تعطيل الحوار الاجتماعي وعدم الرد على المراسلات والطلبات الرسمية..
.
.2المزاجية في التدبير دون أي اعتبار للقوانين المُؤطِّرَةِ لعمل المرفق العمومي، حيث يعمل على عدم احترام المساطر في منح الرخص الإدارية (إذلال الموظفين في الحصول على حقوقهم الأساسية كالرخص، والتستر على تغيبات الموالين، مما يخلق بيئة عمل مسمومة ومحتقنة، ذلك أن بعض الموظفين يضطرون للتنقل مرات عديدة لمقر المندوبية ذهابا وإيابا لاستجداء حقهم القانوني في العطلة منه شخصيا، في حين يستفيد الموالون له من رخصهم بكل يسر وسلاسة وفق السلم الإداري)، بالإضافة لانتقائيته في التعامل مع الرخص المرضية (فهناك من تحال ملفاتهم مباشرة على اللجنة الطبية الإقليمية مع توصية بالانتقال العاجل لزيارة المعني بالأمر في منزله والتشدد معه، وهناك من يتم التستر عليهم بحفظ ملفاتهم الصحية في أدراج المكاتب أو إلقائها في سلة المهملات رغم طول مدتها ومشاهدة أصحابها بالمقاهي والأسواق)، هذا التعامل المزدوج يخلق احتقانا وصراعا دائما بين العاملين في نفس المصلحة من جهة، وبين الموظفين ومسؤوليهم المباشرين من جهة أخرى.
3بمصلحة شبكة المؤسسات الصحية الأولية، عدم احترامه للتنظيم الإداري المعمول به، بعدم تمكينه لكل منشطي البرامج الصحية من مذكرات المصلحة التي تحدد لكل واحد البرنامج المكلف به مما يجعل المهام متداخلة والفوضى عامة، ويخلق صراعا لا ينتهي بين الموظفين، في مقابل ذلك اختلاقه بمذكرة كتابية لمنصب لا وجود له بالهيكل التنظيمي لمصلحة شبكة المؤسسات الصحية المعمول به وطنيا.
- عدم تسليم الموظفين وثائق القيام بالمهام قبل تنقلهم (LES ORDRES DES MISSIONS)، واقتصاره على التعليمات الهاتفية فقط.
- القطع مع طريقة تدبيره الحالي لطلبات الحصول على الموافقة لإسناد للتدريس بالمعهد العالي لعلوم التمريض وتقنيات الصحة، وأن يكون هذا الإسناد بناء على إعلان مفتوح في وجه كل الموظفات والموظفين في إطار المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص والتنافس الشريف، مع تحديد المسالك والمواد المراد تدريسها والكفاءات والمهارات المطلوبة، وإبداء الموافقة من طرف لجنة تعتمد معايير واضحة ومُعْلَنَة: الشهادات والكفاءات وسنوات الخبرة في المجال المراد تكليف التدريس به، والمهارات الشخصية التي يمتلكها الراغب أو الراغبة في التدريس استنادا لسيرهم الذاتية وإجراء مقابلات معهم إذا اقتضى الأمر، كل ذلك باستحضار حس وطني، يهدف للحصول على أداء جيد من طرف المنتقين يؤهل الطالبات والطلبة المتدربين لتحمل المسؤولية لاحقا، والإعلان عن نتائج الانتقاء بشكل شفاف لضمان حق جميع المترشحين في معرفة مآل طلباتهم، وألا يكون سِرِّيًا استنادا على رأي فردي مزاجي من مسؤول ليس له معيار إلا الولاء الشخصي والحزبي ـ النقابي، إن وضع حد للقرارات الفردية القائمة على اعتبارات شخصية أو ولاءات حزبية ونقابية، يرسخ ثقافة الاستحقاق والكفاءة، ويحقق هدفا ساميا هو اختيار أفضل الكفاءات لضمان تقديم تكوين عالي الجودة للطلبة المتدربين، وتأهيلهم لتحمل مسؤولياتهم المهنية المستقبلية بكفاءة واقتدار.
- استغلال الوسائل العمومية ولوجستيك الدولة لأغراض شخصية ودعائية لفائدة أعضاء الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، وذلك باستخدامه لمصالح الدولة بالمندوبية وتسخير مقدراتها في منح الامتيازات غير القانونية (مناصب مسؤولية، دراجات نارية، إسناد مهام التدريس، التغطية على التغيبات، هواتف المصلحة …) لأعضاء في الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية قصد تسخيرها لخدمة مخططاته وترتيباته الانتخابية، لكن تبقى القشة التي قصمت ظهر البعير هو زرع أحد أعضاء الذراع النقابي في قلب مركز صنع القرار بتسويته انتقاله غير القانوي لمقر المندوبية ليتحول “لِعَيْنٍ” للجماعة داخل الإدارة، مما يمنحه وصولاً كاملاً للمعطيات مُطَّلِعا على كل المعلومات الحساسة المتعلقة بالشأن الصحي وملفات الموظفين، ورقيبا على القرارات المتخذة وليس شريكا فقط، وحوّل المرفق العام إلى مقر للقاءات التنظيمية لأعضاء جماعته، والرسالة الموجهة للموظفين أصبحت واضحة للجميع: “من أراد الحصول على حقوقه بسرعة، فلينخرط في جماعتنا”، هذا العبث يفرض حلاً جذرياً يعيد للإدارة هيبتها بإرجاع هذا الموظف لمقر تعيينه الأصلي، أو أصبح من العدل والإنصاف على الإدارة تخصيص مكاتب اتصال لجميع النقابات داخل المندوبية الإقليمية
. 7. غياب الحكامة في تدبير ميزانية المندوبية، مما يثير تساؤلات مشروعة حول طبيعة العلاقات التي تربط هذا المسؤول ببعض المقاولين وأصحاب الشركات، ويُخشى من أن يؤدي ذلك إلى إفشاء وتسريب للأسرار المهنية المتعلقة بالصفقات العمومية (أشغال، وتوريدات، وخدمات) أو حالات تضارب للمصالح، ومما يعزز ويزكي ما نشير إليه هرولته ودخوله في سباق مع الزمن في برمجة وإنجاز أكبر قدر من صفقات الأشغال بمقر المندوبية وبمصلحة شبكة المؤسسات الصحية، هاتين البنيتين معروف أنه سيتم التخلي عنهما في أقرب الآجال مع تنزيل المجموعات الصحية الترابية، الأمر الذي يطرح عدة استفهامات حول جدوى هذه النفقات.
- التمييز والكولسة في منح وصرف التعويضات وعدم صرفها وفقا للقوانين بكل وضوح وشفافية، وانتهاج التعتيم وحجب المعلومات المتعلقة بها، الشيء الذي يدعو للتساؤل، ويثير العديد من الشبهات حول هذا المسؤول.
- تجديد التنديد بالانتقالات غير القانونية، والدعوة لإيجاد حل لهذه المعضلة التي اختلقها (طيلة شغله لمنصب رئيس المصلحة الإدارية والاقتصادية، فرغم تعاقب المندوبين فإن رئيس المصلحة الإدارية والاقتصادية هو المسؤول المباشر عن تدبير الموارد البشرية) بما يكفل حقوق الموظفين، ويضمن القطع مع هذا السلوك اللاقانوني واللاأخلاقي.
- استعماله للمساكن الوظيفية، ومناصب المسؤولية، والانتقالات غير القانونية، وهواتف المصلحة وتغطيته على التغيبات…
لشراء ذمم وضمائر بعض المحسوبين على العمل النقابي، مقابل سكوتهم عن خروقاته وتجاوزاته، بل تحويلهم لأبواق تدافع عن فساده، إنه بهذه الممارسات التي تمثل انحرافاً خطيراً عن أخلاقيات المرفق العام يعمل على تقويض دور ومصداقية العمل النقابي.
- مده أشغال الاجتماعات التنسيقية للمديرية الجهوية بمعطيات، وأرقام مضللة، تخدم أطماع الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، مما يؤثر سلباً على جودة التخطيط واتخاذ القرار.
بناء على ما سبق نطالب الجهات المسؤولة والمعنية إعمالا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بإرسال لجنة افتحاص وتدقيق مالي وإداري للمرفق العمومي الواقع تحت مسؤوليته، للوقوف على حقيقة تدبيره، كما نطالب بالتراجع عن كل الامتيازات غير القانونية التي منحها هذا المسؤول في خيانة بينة للثقة التي حظي بها، لجعل هذا المرفق العمومي الحيوي في مأمن من التَّسْيِيس، وفي خدمة للصالح العام.
وإذ نعبر عن استمرارنا في فضح كل التجاوزات غيرة مِنا على الشأن الصحي بإقليمنا العزيز، نؤكد على عزمنا خوض كافة الأشكال الاحتجاجية الحضارية، في سبيل تحصين حقوق نساء ورجال الصحة وصون كرامتهم، والمساهمة في النهوض بالقطاع الصحي ليكون في مستوى انتظارات المواطنين، ولتحقيق الإصلاحات المرجوة. عاشت الجامعة الوطنية للصحة صامدة مناضلة عاش الاتحاد المغربي للشغل .
عن المكتب: وحرر بالرشيدية في 18/09/2025
تعليقات
0