جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار .
في عمق التجربة التربوية التي تخطها جمعية الشعلة للتربية والثقافة كل صيف، تتوهج قيم حقوق الإنسان كركيزة جوهرية، لا تكتفي بتأثيث مضامين الأنشطة، بل تؤطر الفلسفة العامة للمخيم، وتوجّه مناهج التأطير وأساليب التنشئة.
ففي مخيمات الشعلة، لا يقتصر الهدف على الترفيه أو الاستجمام، بل يتعداه إلى غرس وعي حقوقي نقدي، وصقل شخصية الطفل ليكون فاعلاً في مجتمعه، مدافعاً عن كرامته وكرامة الآخرين.
كان صيف 2025 موعداً جديداً لتجديد العهد مع التربية على القيم الكونية، من خلال برنامج متكامل ومتعدد الأبعاد، تداخل فيه ما هو تربوي وثقافي، بما هو إنساني وحقوقي. هدفنا: إعداد جيل جديد يتنفس العدالة والحرية، ويترجمها إلى سلوك يومي واعٍ ومسؤول.
من اللحظات البارزة التي تجسد هذا التوجه، تنظيم تجربة محاكاة برلمانية تحت عنوان “برلمان الطفل”، حيث عاش الأطفال تجربة انتخابية متكاملة: من تقديم الترشيحات وصياغة البرامج، إلى خوض الحملات والإقناع، فالاقتراع والتداول في قضايا تهم الحياة اليومية داخل المخيم.
لم تكن هذه التجربة مجرد لعب سياسي، بل تدريباً عملياً على المشاركة الديمقراطية، احترام الرأي المخالف، ومهارات الترافع الحضاري.
كما احتضنت المخيمات ورشات تفاعلية أطرها تربويون وحقوقيون، تناولت مواضيع جوهرية كحقوق الطفل، المساواة بين الجنسين، الحق في البيئة السليمة، حرية التعبير، ومناهضة التمييز والعنف.
تم اعتماد أساليب تربوية مشوقة كالألعاب التربوية، المحاكاة، والتعبير الفني، لتقريب المفاهيم الكبرى بلغة بسيطة تنبع من واقع الأطفال وتخاطب أحلامهم. وللفن أيضاً مكانته في هذه المنظومة الحقوقية، حيث عُرضت أفلام تربوية هادفة ذات مضامين إنسانية وحقوقية، فتحت شهية النقاش والتحليل لدى الأطفال.
ناقشوا الشخصيات، واستنطقوا الرموز، وتفاعلوا مع الرسائل، في لحظات فكرية تستفز العقل وتنمّي الحس النقدي.
كما أبدعت الأطر التربوية في تنظيم مسابقات معرفية حول حقوق الإنسان، جمعت بين الترفيه والتثقيف، وأسهمت في توسيع مدارك المشاركين الحقوقية بأسلوب تفاعلي يُعزز روح التنافس النزيه والعمل الجماعي. ما يميز تجربة الشعلة هو اندماج البعد الحقوقي في كل تفاصيل الحياة اليومية داخل المخيم، بدءاً من الاستقبال، مروراً بوجبات الأكل، فترات النوم، وحتى الأنشطة الرياضية والفنية.
كل لحظة عيش كانت تمريناً عملياً على حقوق التعبير، الخصوصية، الكرامة، الحق في الخطأ، وفي الاختلاف وتدبيره بوعي ومسؤولية.
إن جمعية الشعلة للتربية والثقافة تؤمن بأن الحقوق لا تُرسّخ بالخطب والشعارات، بل بالممارسة اليومية، وبتنشئة متواصلة تعزز القيم النبيلة في وجدان النشء.
والمخيمات الصيفية، بما تحمله من غنى في التجربة وعمق في التفاعل، تظل من أنبل المدارس التربوية التي تُعزز ثقافة الحقوق، في انسجام تام مع القيم المغربية الأصيلة، وانفتاح واعٍ على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
تعليقات
0