جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار.
في زمنٍ يُفترض فيه أن تكون السلطة حاميةً للعدالة وراعيةً لكرامة المواطنين، يتسلل إلينا مشهد عبثي من قلب مدينة سيدي بنور، حيث قرر باشا المدينة — وبعجرفة مفرطة لا تليق بمقام الدولة —
أن يتحول إلى الآمر الناهي، لا في إطار القانون، بل في استعراض فجٍّ للهيمنة.
خرجات الباشا الأخيرة لتحرير الملك العمومي، والتي يُفترض أن تكون مدروسة ووفق مساطر قانونية ومهنية تحترم فيها كرامة الجميع، تحولت إلى مسرحية سوداء بطلها رجل سلطة فقد البوصلة، وضحاياها موظفون بسطاء يؤدّون مهامهم بأمانة داخل الجماعة الترابية للإقليم.
سائق الجرافة أو التراكتوبيل وسائق الشاحنة — وهما من أكثر الفئات المطحونة وسط دواليب الإدارة — تعرضا لتعدٍ سافر أمام الملأ، من طرف من يُفترض فيه أن يكون قدوة في احترام الضوابط الإدارية. ما الذي فعله هؤلاء؟ هل رفضوا تنفيذ التعليمات؟
هل تمردوا على أوامر رؤسائهم؟ لا شيء من هذا. كل “ذنبهم” أنهم كانوا في مقدمة عمليات التحرك الميداني، ليجدوا أنفسهم فجأة في مرمى تهجم لفظي وإهانة مباشرة، وكأنهم خُلقوا ليكونوا شماعة لتفريغ حقد الباشا على الوضع العام.
وتجدر الإشارة إلى أن كل ما ورد في هذا المقال من تصريحات وأحداث هو نقلٌ مباشر لرواية المستخدمين المعنيين، وهما الأب والابن، اللذان يشغلان منصبي سائق التراكتوبيل وسائق الشاحنة على التوالي. وقد عبّرا عن استيائهما العميق من طريقة التعامل التي تعرضا لها، مؤكدَين أنهما شعرا بالإهانة والاحتقار أمام زملائهم وأمام المواطنين، دون أي مبرر مهني أو قانوني.
أي عقلية هذه التي تجعل رجل سلطة يعتبر أن مستخدمي الجماعة أدوات لا صوت لها؟
من أعطاه الشرعية لمخاطبتهم بلغة فوقية، وكأنهم خدم في بلاطه؟ ألا يدرك أن تصرفاته تلك تنسف روح التعاون بين الإدارات، وتزرع الخوف بدل الانضباط، وتغرس في نفوس المستخدمين إحساسًا بالذل بدل العزة؟
تحرير الملك العمومي ليس مبررًا للبطش، ولا حقلًا مفتوحًا للتسلط. نعم، نحن مع احترام الفضاء العام، ومع فرض النظام، ولكننا أيضًا مع صون كرامة الإنسان، خاصة حين يكون موظفًا عموميًا يُسهم في تنفيذ المهام اليومية التي تنهض بها بالمدينة.
وهنا يُطرح السؤال بصوت عالٍ ومباشر: ما الإجراء الذي ستقوم به رئيسة الجماعة الترابية إزاء هذا السلوك المهين؟
هل ستلتزم الصمت، وتتجاهل الإهانة التي طالت موظفي جماعتها؟ أم أنها ستتحرك، دفاعًا عن كرامتهم واعتبارًا لمؤسسة الجماعة التي تقودها؟ فالصمت في مثل هذه الحالات تواطؤ، والحياد خيانة للمسؤولية
فهل سيتحرك عامل الإقليم؟ هل ستقوم الجهات الوصية بفتح تحقيق في هذه السلوكيات السلطوية المتغطرسة؟
أم أننا سنكتفي، كالعادة، بالتفرج على صغار الموظفين وهم يُسحقون تحت أقدام الكبار باسم “الواجب المهني”؟ لقد آن الأوان لأن نقولها بصوت عالٍ: كفى من استغلال السلطة لإهانة من لا يملكون سوى شرفهم المهني. كفى من توظيف الشعارات الوطنية للتغطية على استعلاء مرفوض. فالكرامة ليست ترفًا… إنها حق
تعليقات
0