بقلم: مراسل جريدة البديل السياسي رشيد اخراز جرادة
في محيط مدينة جرادة، تتوالى فصول مأساة بيئية صامتة باتت تهدد التوازن الطبيعي للمنطقة بأسرها. فمنذ أشهر، لوحظت ظاهرة مقلقة تمثلت في موت جماعي لأشجار الصنوبر التي لطالما شكلت رئة خضراء لهذه الجهة الغنية بمواردها الطبيعية. مشاهد الأشجار الجافة، المتساقطة، أو التي فقدت لونها الأخضر وتحولت إلى كتل يابسة، أصبحت مألوفة لدى الساكنة، لكنها دقت ناقوس خطر لم يعد من الممكن تجاهله.
وبحسب خبراء البيئة والغابات، فإن هذه الظاهرة نتاج تراكم عدة عوامل طبيعية وبشرية. فمن جهة، تعرف جهة جرادة منذ سنوات تراجعًا مهولًا في معدلات التساقطات المطرية، يقابله ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، ما جعل أشجار الصنوبر، التي تعتمد على توازن دقيق في مناخها، عرضة للجفاف والإجهاد المائي.
من جهة أخرى، اجتاحت غابة جرادة موجات من الحشرات الضارة، على رأسها “سوسة الصنوبر” و”حشرة السونة”، التي تستهدف الاشجار من الداخل ، مما يسرّع في موتها بشكل جماعي. هذه الآفات وجدت بيئة خصبة للتفشي في ظل ضعف المراقبة وقلة التدخلات الوقائية.
وإلى جانب العوامل الطبيعية، لم تسلم الغابة من تأثيرات الأنشطة البشرية العشوائية، كلها ممارسات أدت إلى استنزاف الغطاء النباتي وزادت من هشاشة التربة، مما جعل من غابة جرادة مسرحًا لانهيار بيئي تدريجي.
وقد أشار أحد نشطاء البيئة المحليين، في تصريح خص به الجريدة، إلى أن “الساكنة تعاني اليوم من تداعيات هذه الأزمة، ليس فقط بيئيًا، بل حتى اقتصاديًا، حيث أن كثيرين يعتمدون على الغابة كمصدر رزق، سواء في جمع الأعشاب أو تربية المواشي.”
كما أن استمرار نزيف أشجار الصنوبر يعني فقدان الحاجز الطبيعي الذي يحمي التربة من الانجراف، ويحد من زحف الرمال والتصحر، فضلًا عن دوره في تنقية الهواء وتثبيت الكربون، وهو ما يزيد من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري محليًا. كما أن تدهور الغطاء النباتي قد يتسبب في هجرة أنواع حيوانية عديدة، مما يعمق من أزمة التنوع البيولوجي بالمنطقة.
في ظل هذا الوضع المتدهور، يطالب الفاعلون المدنيون والبيئيون بضرورة تدخل عاجل من قبل السلطات المختصة، من خلال إطلاق برنامج وطني لإنقاذ الغابة. هذا البرنامج، بحسب المتتبعين، يجب أن يتضمن حملات تشجير واسعة باستخدام أنواع مقاومة للجفاف، مع تعزيز المراقبة البيئية، ومحاربة الآفات بأساليب بيولوجية، وإشراك الساكنة المحلية في جهود الحماية.
لأن الأمر لم يعد يحتمل الانتظار، نحن بحاجة إلى تدخل فوري، وبشكل منسق، لإعادة الاعتبار لغابة جرادة وضمان استدامتها للأجيال المقبلة.”
رغم سوداوية المشهد، لا يزال الأمل قائمًا في إمكانية إنقاذ غابة جرادة، شرط تضافر الجهود بين الدولة، المجتمع المدني، والخبراء، إضافة إلى وعي المواطنين بدورهم كخط الدفاع الأول ضد الكوارث البيئية.
ويبقى السؤال المطروح: هل تتحرك الجهات المعنية قبل أن يفوت الأوان، أم أن غابة جرادة ستضاف إلى قائمة الضحايا في سجل الأزمات البيئية المتلاحقة؟
تعليقات
0