جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

قراءة في كتاب التقاليد والعادات الشعبية للريف للكاتبة كريمة بوعلال… بقلم سهام العبوسي

491185680_1458212682208026_9088431873229543365_n

 جريدة البديل السياسي -بقلم سهام العبوسي.

في ظل هيمنة العولمة وتنامي أنماط العيش الموحدة، أضحى التمسك بالهوية الثقافية والتراث الشعبي شبيهاً بالقبض على الجمر؛ فحاملو هذا الوعي في تراجع مستمر، إما خوفاً من التهميش أو تحت ضغط الحداثة الزاحفة. ومن هنا تبرز أهمية الدور الذي ينبغي أن يضطلع به المثقف والباحث في صون هذا الموروث والتعريف به، حفاظاً على استمراريته في ذاكرة الأجيال القادمة.

وهذا ما قامت به الأستاذة الدكتورة كريمة بوعلال في إصدارها الجديد والمعنون ب“التقاليد والعادات الشعبية للريف”، حيث قدّمت جهداً بحثياً قيّماً يوثّق ويُعيد إحياء الذاكرة الثقافية لمنطقة الريف.

وتكتسب هذه المبادرة طابعاً استثنائياً بالنظر إلى كون الكتاب صيغ باللغة الإسبانية، ما يفتح له آفاقاً دولية ويُسهم في تعريف القارئ غير العربي بثراء العادات والتقاليد الريفية، خارج الحدود الجغرافية والثقافية المعتادة.

الدكتورة كريمة بوعلال, من مواليد مدينة الحسيمة, هي حاليا استاذة جامعية في قسم الدراسات الإسبانية في الكلية المتعددة التخصصات بالناظور التابعة لجامعة محمد الاول بوجدة.

كانت منسقة لماستر المغرب والعالم الناطق بالإسبانية, اللغة والترجمة واللسانيات والتثاقف بنفس الكلية حاصلة على درجة الدكتوراه في اللغة الإسبانية وادابها من جامعة غرناطة، تنتمي لفريق البحث الثقافي وآداب البحر الأبيض المتوسط والعالم الإسباني.

وهي أيضا عضو في مختبر المجتمع والخطاب والاندماج واستراتيجيات الصناعة الثقافية والتواصل والبحث السوسيولوجي بجامعة محمد الأول بوجدة، وتشمل مجالات بحثها الرئيسية اللسانيات وعلم دراسة الامثال المقارن والدراسات الثقافية والتربوية.

شاركت في لقاءات ومؤتمرات في المغرب وعلى المستوى الدولي، ولها العديد من الأبحاث والمقالات في المجلات والكتب. تشمل منشوراتها الأعمال التالية: ❖ Usos de los tiempos verbales del español. Aspecto teórico (ed.Diwan Mayrit, Madrid,2021). ❖ Adivinanzas populares rifeñas. Recopilación, traducción y estudio (ed.servicio de publicaciones, Melilla,2021). ❖ Propuestas didácticas para la enseñanza y el aprendizaje de español en el ámbito universitario marroquí (ed..Diwan Mayrit, Madrid,2023). بالاضافة الى مؤلفها الاخير التقاليد والعادات الشعبية للريف Tradiciones y costumbres populares del Rif (ed.Diwan Mayrit, Madrid,2024). عمل مميز، استهلته الدكتورة كريمة بوعلال بابراز ملامح الحياة الثقافية والاجتماعية في منطقة الريف من خلال مقاربة أنثروبولوجية تروم توثيق العناصر المادية التقليدية والتفاصيل الدقيقة التي تعكس هوية المكان.

وينطلق هذا التوثيق من استعراض أدوات الحياة اليومية مثل الأواني الفخارية والفرن التقليدي، المعروف محليًا بـ ثاينورث, والرحى التقليدية ثاسياث, ليمتد إلى المواد الطبيعية المستعملة في البناء الريفي كالخشب، والطين، ثيحنايين والقصب غانيم .

باعتبارها مكونات تُجسّد علاقة الإنسان الريفي ببيئته، وتعكس انسجام المعمار المحلي مع المحيط الطبيعي ولا يقتصر تحليل المؤلفة على الجوانب المادية فقط، بل يتجاوزها ليشمل, في الجزء الثاني من الكتاب, الطقوس والعادات الاجتماعية المرتبطة بالمناسبات الدينية والاحتفالات الجماعية، مثل طقس رعنصاث, الذي يُنظّم لطرد الأرواح الشريرة، واحتفالات الختان المعروفة محلياً بـ طهاث، إلى جانب ليلة الحناء وما يرافقها من طقوس وممارسات رمزية.

وتُبرز هذه اللحظات الجماعية منظومة من القيم والتصورات التي تُشكّل الوعي الجماعي للمجتمع الريفي، وتُعبّر عن تماسكه الثقافي وارتباطه بتقاليده الراسخة بنفس الأسلوب الشيق والسلس، تختتم المؤلفة، ابنة الريف، كتابها بمنح القارئ تجربة غنية وماتعة، تأخذه في رحلة عميقة إلى قلب الموروث الثقافي الشفهي لمنطقتها.

وتُخصص في هذا الإطار فصلاً لافتاً تستحضر فيه الأغاني الشعبية المعروفة محلياً بـ إزران، بوصفها شكلاً شعرياً نابضاً يعكس الوجدان الجماعي، ويُؤرخ للمعيش اليومي بلغة رمزية ومعبرة.

كما تستعرض المؤلفة مجموعة من الأقوال والحِكَم المتداولة، سواء ثيحوجا اوثيقسيسين، مما يُبرز غنى هذا التراث اللامادي ويُساهم في توثيقه كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمنطقة.

وبهذا المسعى، لا تكتفي الكاتبة بالتوثيق، بل تُعيد إحياء ذاكرة جماعية مهددة بالاندثار، وتُشاطر القارئ عبق تاريخٍ شفهي زاخر بالتجارب والدلالات.

وبهذا ومن خلال قراءتي لهذا العمل، أجد أن كتاب التقاليد والعادات الشعبية للريف يشكّل عملاً توثيقياً رصيناً ومبادرة معرفية ذات قيمة ثقافية عميقة، تُعيد الاعتبار لتراث غني ومتنوع طالما عانى من التهميش والنسيان.

ومن خلال مقاربة أنثروبولوجية دقيقة، استطاعت الدكتورة كريمة بوعلال أن تسبرأغوار الحياة اليومية للمجتمع الريفي، كاشفة عن أبعاده المادية والرمزية، بدءاً من الممارسات المعمارية والتقليدية، مروراً بالطقوس الاجتماعية والدينية، ووصولا إلى الطب الشعبي، والشعر الشفهي، والحِكَم المتداولة.

ويكتسب هذا العمل بُعداً إضافياً لكونه موجهاً بلغة أجنبية (الإسبانية)، ما يتيح لهذا التراث المحلي الانفتاح على دوائر ثقافية أوسع، ويمنح موروثنا الثقافي والحضاري الريفي موقعاً مستحقاً داخل خارطة التعدد الثقافي العالمي. إنه عمل لا يكتفي بسرد الذاكرة، بل يمنحها صوتاً جديداً وقادراً على العبور نحو الأجيال القادمة.

صوت نسائي حر ودعوة لصون الموروث الثقافي الشفهي الريفي من خلال قراءة في كتاب التقاليد والعادات الشعبية للريف للكاتبة كريمة بوعلال

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي