إعداد عبد المجيد طعام- جريدة البديل السياسي
شعار “تازة قبل غزة” قراءة نقدية
ضد الشعارات الزائفة المشرعنة للتطبيع.
في الآونة الأخيرة، طفا على السطح شعار غريب “تازة قبل غزة”، رفع من قبل فئة اختارت أن تجعل من معاناة تازة ( الوطن ) ، سلاحا لتبرير خيار سياسي مشبوه، يتمثل في التطبيع مع الكيان الصهيوني. لقد تم الإيهام بأن الشعار يعبر عن مطلب ، ولد من رحم الإحساس بالظلم، ليكون نداء صادقا ، للاهتمام بأوضاع المغاربة المنسيين، وصيحة احتجاج ضد غياب العدالة الاجتماعية ، ومنطق الخطابات الفارغة التي تتغنى بالقضايا الكبرى ، وتهمل الجراح اليومية للمواطن. لكن العكس ما وقع ، أصبح الشعار يرفع اليوم ، ضد الوقفات الشعبية الرافضة للتطبيع، وهذا ما جعل منه شعارا خادعا ومخادعا ، يحيل على خيانة مزدوجة: خيانة تازة ( الوطن) وخيانة غزة ( فلسطين) .
أصبح الشعار يستخدم بصورة لافتة، من قبل بعض الأصوات الداعمة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بغرض الطعن في مشروعية الوقفات الشعبية الرافضة له. إن هذا التوظيف السياسي لمأساة اجتماعية حقيقية يفرض قراءة نقدية معمقة، تميز بين الشعار كمطلب اجتماعي مشروع ، وبين التوظيف الإديولوجي ، الذي يخدم أجندات امبريالية صهيونية.
في الأصل، صيغ الشعار “تازة قبل غزة” لتوجيه الرأي العام نحو الاهتمام ، ولو شكليا ، بالفئات المهمشة، والتعريف بمعاناة مدن وقرى طالها التهميش والنسيان، في مقابل الانخراط في قضايا دولية ذات طابع إنساني ، كقضية فلسطين. لكن لماذا تازة بالذات ؟ وما علاقة المدينة المغربية بغزة المدينة الفلسطينية المدمرة ؟ يبدو أن تازة في الشعار توظف توظيفا رمزيا ، للإحالة على المشاكل الاجتماعية المتراكمة في الوطن ، لكن اختيار اسمها للتعبير عن موقف سياسي خطير ، جاء من قبيل الصدفة ، فرضته الضرورة البلاغية ، لأن توظيف السجع ، وهو أحد العناصر الجمالية في الشعار، سيستغل لتعزيز الرسالة وتعميق الأثر النفسي والسياسي، لأن السجع في الشعار ينسجم مع طبيعة الذاكرة الجمعية، التي تستسيغ كل ما كان سهل الحفظ والفهم والتأويل ، والتذكر والتداول بين الجماهير . كما أن الشعار في تركيبه وتناغمه البلاغي ، يلعب دورا نفسيا مهما، يخفف على الحشد الشعور بالذنب والخيانة ، وارتكاب المعصية الدينية ، بما أن فلسطين مرتبطة في وعينا الجمعي بالمقدس الديني ، بها المسجد الأقصى الذي صلى فيه الرسول بالأنبياء ، حسب سردياتنا طبعا .
لإبعاد الحرج ، عمل أنصار هذا الشعار على إفراغه من أي موقف عدائي تجاه القضية الفلسطينية، بل احتالوا على الحشد ليجعلوا منه تعبيرا خالصا عن الشعور بالخذلان الداخلي، تجاه سياسة غير عادلة ، ورغبة في إعادة ترتيب الأولويات بما يحقق الإنصاف الوطني والاجتماعي، لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة ، إذ أصبح يرفع اليوم ضد الوقفات الشعبية الرافضة للتطبيع، ورفع عنه قناع الخداع والاحتيال ، وظهر أنه يحيل على خيانة مزدوجة: خيانة لتازة وخيانة لغزة. فهل الدفاع عن فلسطين يعني التخلي عن هموم تازة أي الوطن ؟ وهل من يناضل من أجل الكرامة الإنسانية في غزة يعادي الكرامة الوطنية ؟
في الحقيقة ، إن من يقف ضد الاحتلال، أينما كان، لا يمكن إلا أن يكون حليفا ومناصرا لمن يقف ضد الظلم في كل مكان. لا يجب أن ننظر إلى التضامن مع فلسطين على أنه سلوك طوباوي، أوهروب من من الواقع وأزماته ، بل يجب أن ننظر إليه كإعلان مبدئي للانحياز إلى العدالة والحرية، داخل الوطن وخارجه.
إن توظيف هذا الشعار كأداة للنيل من الحراك الشعبي الرافض للتطبيع، يكشف عن انزياح خطير . حيث يتم استغلال معاناة تازة كرمز يحيل على الوطن، لا لمساءلة السياسات العمومية أو الضغط من أجل التنمية المحلية، بل لاستهداف التعبئة الشعبية المناهضة للتطبيع، وهي ممارسة تجمع بين الشعبوية السياسية والاستغلال الأخلاقي ، حيث يتم إيهام الرأي العام بوجود تعارض مصطنع بين الدفاع عن القضايا الوطنية الداخلية، والتضامن مع قضايا التحرر الإنساني عبر العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
إن استغلال الفقر بالتوظيف الإديولوجي للشعار لتبرير التطبيع ، وفرض الأمر الواقع ، لا يخدع إلا السذج والأغبياء. إذ لو كان الهدف من الشعار ، المطالبة بإنصاف تازة وغيرها من المدن المنسية،أو لفت الانتباه إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ، كالتعليم والصحة والبطالة والغلاء …إلخ لكان من الأجدر رفع الأصوات عاليا ، وصياغة مطالب اجتماعية مشروعة ، للضغط على صناع القرار ، لتحسين الأوضاع ، وليس صياغة شعار يسعى رافعوه إلى إسكات أصوات الضمير الحي ، وحظر الاحتجاج ضد التطبيع.
لا ينبغي لشعار ” تازة قبل غزة” أن يصبح ذريعة للتهرب من المسؤوليات الأخلاقية والتاريخية، بل يجب أن نعيد النظر في صياغته، لنوظفه في سياق النضال ضد التهميش ، وضد إبادة الشعب الفلسطيني. تازة كرمز للوطن بحاجة إلى العدل الاجتماعي، وغزة كرمز لفلسطين بحاجة إلى التضامن الإنساني، والاثنان جزء من معركة واحدة ، تستوجب النضال ضد كل أشكال الظلم والهيمنة.
على ضوء هذه القراءة ، يبدو واضحا أن توظيف شعار “تازة قبل غزة” لا يعبر عن انشغال حقيقي بمآسي التهميش، بل يوظف المعاناة الشعبية بشكل خطير ، من أجل الشرعنة الرمزية لمسار سياسي مفروض من طرف الامبريالية الصهيونية. من هنا، تفرض علينا المسؤولية الأخلاقية والسياسية ، أن نقاوم هذا النوع من التلاعب بمآسي الشعوب، وأن نعي بأن الدفاع عن القضايا الوطنية ، لا ينبغي أن يصرفنا عن الالتزام بالقضايا الإنسانية الكبرى، وأن مقاومة الظلم، محليا أو عالميا، تظل معركة واحدة لا تقبل التجزئة. فلا تازة تنسى، ولا غزة تباع.
تعليقات
0