12 ربع الأول..12 خصلة نبوية.. فما حظنا منها؟
بقلم: لحبيب عكي
لكم يحتار المسلم المعاصر اليوم، في ما يتعرض له إسلامه من حرب وقصف إعلامي ينعته بكل النعوت المنفرة التي ليست فيه، .. تخلف وفقر.. تطرف وإرهاب.. قسوة وحرمان.. سبب مشاكل الدنيا، ومن التطبيع مع موجات سلوكية منحرفة تقر لهذا الدين كذلك بما ليس فيه من تصورات مسمومة وممارسات قاتلة.. ميوعة وتعاطي مخدرات.. شبكات النشل والدعارة بأسماء ومسميات.. ولا يمنع كل ذلك ضحاياه من اعتبار أنفسهم مسلمين دون حتى بذل أي جهد لإنقاذ أنفسهم ومجتمعهم من أتون ما سقطوا فيه من الأهواء المنحرفة والسياسات المفلسة؟.
نعم، سياسات وقرارات بمرجعيات وانتماءات مصادمة لمعتقدات وشرائع الحنفية السمحاء والدين الوسط.. والهم القيمي والاجتماعي.. من علمانية وديكتاتورية.. شمولية خمرية وربوية.. وكون جل شيء مضيء بينهم أو فيه بصيص من الخير والأمل، يكون في الغالب دولة بين الأغنياء منهم فقط؟. هل هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم؟، وهل هكذا شرع لأمته خير الشرائع وارتضى لهم خير الدين والدنيا؟، بلى، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحب الحبيب والمرجع الطبيب.. الأسوة الطيبة والقدوة الحسنة.. كان صاحب أروع خصال وصفات.. وصاحب أجمل أسماء ومعجزات.. صاحب أعدل سلوكات وتشريعات.. فضائل ومعاملات.. غزوات وفتوحات..؟.
قيم ومبادئ وغايات، من اللازم علينا اليوم أن نسائل أنفسنا ومجتمعنا ماذا بقي لنا منها؟، وهل من الصواب أن نحلم بتحقيق رضا ربنا واتباع رسولنا.. استقامة حياتنا وتحقيق حظنا من الرقي والتقدم والازدهار.. و اللازم من السلم والأمن والتضامن..، بدونها؟، .. أو بسوء فهمها؟، أو بتزويرها والانتقاء منها.. فكيف بخلطها أو تقديم الأردأ من الفلسفات والسياسات عنها؟، قال عمر رضي الله عنه: “لقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”، هو الحنفية السمحاء.. هو المحجة البيضاء.. ليلها كنهارها.. لا يزيغ عنها إلا هالك” حديث صحيح. هذا هو الإسلام فكيف عاش به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأية خصال؟، طبعا، هناك العديد من الخصال المبثوثة في آي القرآن الكريم ومتن الأحاديث الشريفة، يمكن إجمال اللازم منها لكل فرد وجماعة.. والتي لا تستقيم حياة أي عصر ومصر بدونها، في ما يلي:
- الصدق والأمانة: يعني “الرجولة” بمعنى الكلمة والحمولة والتجلي الميداني والديمومة.. حتى قبل بعثته (ص)، فهل يمكن بناء شيء أي شيء، وحظنا من هذه الخصلة النبوية ورصيدنا منها في أحسن الأحوال بين النقصان والنفاذ وعدم التعميم وعدم الكفاية على كل حال؟.
- صاحب الرسالة والدعوة: والثبات عليهما.. ولم يرضى عنهما بديلا حتى بالشمس والقمر.. والجاه والملك على البشر.. فكم هو إحساسنا اليوم بهذه الخصلة الربانية والحتمية الدينية والضرورة الاجتماعية.. وكم هو ترتيبها في اهتمامنا وحياتنا.. من الأولويات أو من الثانويات التي يضحى بها عند أبسط العراقيل؟.
- العابد القائد المجاهد: يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ويقود الغزوة ويتقدمها بكل شجاعة.. ويفتي لهذا ويحكم بين هؤلاء.. درسا لنا بأن الإسلام كل لا يتجزأ.. دين ودنيا.. فكيف بمن يجتهدون اليوم في لي الأعناق.. وفصل النص عن السياق.. جزر للعبادة و مرافىء للسياسة.. وكأن السياسة ليست مما ينفع الناس؟.
- الرحمة واليسر: الرحمة المهداة والنعمة المسداة.. لكل العالمين.. وما اختار (ص) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما.. فمتى نراجع سلوكنا اتجاه هذه الخصلة وكيف نزيل عنا غشاوة القسوة والتعسير.. آباء على أسرهم.. ومسؤولين على مواطنيهم.. وحكاما على شعوبهم.. “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”؟.
- الشجاعة والإقدام: فما يصنع عزوف وفتور العديدين في المشاركة في أعباء الإصلاح إلا خوفهم وجبنهم من التبعات.. وإيثار مصالحهم الضيقة على المصالح العامة.. وما يكسر العديد من مشاريع المقاومة للانحرافات إلا انعدام الشجاعة في القول والعمل.. والبذل والتضحية.. أحزابا ونقابات.. جمعيات ومؤسسات.. فهل ندرك قولهم : “على قدر أهل العزم تأتي العزائم… وتأتي على قدر الكرام المكارم” المتنبي؟.
- الجود والكرم: إذ لا فائدة من القيل والقال إذا لم يكن للمرء سلوك عملي وخطو ميداني يزكي أقواله.. بل يسبقها ويقنع بها.. فكم كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، درسا لكل من أراد أن يقنع أسرته وغيرها برسالة الدين وهو بخيل وداره مغلقة لا أحد يأكل طعامه أو يشرب شرابه.. وربما حتى من أخوته وجيرانه وأهل عشيرته.. فأنى يستجاب له؟.
- الزهد والصبر: الزهد في الدنيا.. الزهد في ما عند الناس.. الزهد في الحرام و في كل ما قد يأتي عن طريقه.. والصبر على تكاليف الحياة وما قد يرافقها من شظف العيش، الصبر على الأعداء ومكائدهم ومقاومتها، وهي الأمور التي تهزم كل الرافضين لسلوك الزهد وكم حاجة قضيناها بتركها.. وأكلما اشتهينا اشترينا.. العاجزين عن الصبر والمصابرة.. والربط والمرابطة.. أفرادا وجماعات.. دولا ومنظمات؟.
- حسن المعاشرة: مع أهله وخدمه وصحبه وغيرهم من الأغراب والكتابيين وأهل الذمة.. هكذا وصفه الله تعالى: ” فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا مكن حولك” آل عمران/159. وكم في سيرته العطرة من أحداث وحكايات عن إسلام أقوام جراء انبهارهم بمجرد سلوكه وخلقه (ص)، ولا زال علماء الغرب وحكماؤه إلى اليوم، يتحدثون عن حكمته غير المسبوقة عبر التاريخ البشري والإنساني.
- المربي المصلح: الذي ربى الصحابة رضوان الله عليهم عبادة تعاملا وجهادا.. فعلم هذا ونصح هذا.. ووجه ذاك وأفتى لذاك.. وترك للجميع ميراثا تربويا حيا على الدوام، كما كان قاعدة أساسية وينبوعا صافيا في كل إصلاحاته الاجتماعية ومفاوضاته السياسية.. صحيفة المدينة.. حلف الفضول.. صلح الحديبية.. إلى حجة الوداع؟.
- فصاحة اللسان: اللسان العربي المبين.. لسان العلم والإيمان.. لسان الدعوة والقرآن.. ولم يكن ينازعه كل هذا الضحل اللغوي الذي نتخبط فيه اليوم.. في تعليمنا وإدارتنا.. في أسرنا وشارعنا.. في نشرنا وإعلامنا.. كما لم تكن هذه العربية الفصيحة مانعا من أن يقوم بها العجم ألسنتهم ويثروها بها، ولا من أن ينفتح العرب على السائد من لغات العالم آنذاك؟.
- التبسم بدل التجهم: على عكس ما يتصوره العديدون ممن يجهلون طبيعة الإسلام وخصال نبيه الكريم(ص)، فيصورونه على كثير من التجهم والحزن والقسوة والقهر والفقر والحرمان.. وغير ذلك مما تكرهه النفس البشرية وتنفر منه الفطرة ولا تطيقه.. ولو كان وراءه من الوعد والوعيد ما كان.. ومحال أن يكون وراء ما يصادم الفطرة غير “دعشنة” وفظاعة ابتدعها أصحابها، ما كتبها الله عليهم وفي حديث الترمذي: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، وفي الحديث الصحيح: “إن الله جميل يحب الجمال” حتى أن الرجل يحب الثوب الجميل والنعل الجميل والقول الجميل.. وهو مسلم صحيح الإسلام. إنها الوسطية والاعتدال يا من لا يصرون ولا يمعنون إلا على الغلو والابتداع.
- الوثوق في ما عند الله: والحرص على رضاه تعالى.. هوية ومرجعية.. وسطية واعتدالا.. عليه يوالي ويناصر.. وعليه يعادي ويحارب.. وعلى ذلك أقره الله سبحانه وتعالى.. وعلى ذلك رضي عنه المؤمنون وبايعوه.. قبل ملوك الروم وكسرى والفرس، والسائد اليوم من أنظمة الأمم المتحدة وشروط البنوك الدولية والأنظمة الجديدة للغرب والشرق والماما أمريكا والخالة فرنسا؟، والتي لا تقر في الدول أو تساعدها، إلا بقدر ما تتبع قوانينها الوضعية وتخضع لشروطها المجحفة، ولو على حساب شرائعها التي قد تكون اللأأصل والأرقى والأعدل؟.
هذه 12 خصلة نبوية رفيعة في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم 12 ربيع الأول، وطبعا، هناك العديد من الخصال الأخرى، كلها مبثوثة في آي القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.. “حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”.. “يحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث”.. “إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا” الأحزاب/45. وفي أحاديث السيرة العطرة، لعل أجلها ما شهدت به عليه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي تواسيه في محنة الوحي: ” كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” رواه الشيخان. فكم حظنا أفرادا وهيئات من خصال رسول الله وكيف ننميها في أنفسنا ومحيطنا.. أسرنا ومجتمعنا.. حتى تسلم لنا محبتنا له صلى الله عليه وسلم.. محبة نستزيد بها أجرنا.. وتستقيم بها حياتنا ويتحقق أمننا.. أمن ورود الحوض والشفاعة والمرافقة – بإذن الله – في الجنان.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار